الضرب الثاني ، التعليق بالمشيئة : فإذا ، نظر إن سبقت الكلمة إلى لسانه لتعوده لها كما هو الأدب ، أو قصد التبرك بذكر الله تعالى ، أو الإشارة إلى أن الأمور كلها بمشيئة الله تعالى ولم يقصد تعليقا محققا ، لم يؤثر ذلك ووقع الطلاق . وإن قصد التعليق حقيقة ، لم تطلق على المذهب ، ومنهم من حكى قولا آخر ، والتفريع على المذهب . وكذا يمنع الاستثناء انعقاد التعليق ، قال : أنت طالق إن شاء الله ، ويمنع أيضا العتق في قوله : أنت حر إن شاء الله ، ويمنع انعقاد النذر واليمين ، وصحة العفو عن القصاص ، والبيع وسائر التصرفات . وسواء قال : أنت طالق إن شاء الله ، أو إن شاء الله أنت طالق ، أو متى شاء الله ، أو إذا شاء الله ، قال كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار ، إن شاء الله ، أو إذا شاء الله ابن الصباغ : وكذا قوله : إن شاء الله أنت طالق ، وفي هذه الصيغة وجه حكاه الحناطي . ولو
[ أو أن شاء الله ] بفتح الهمزة ، وقع الطلاق في الحال ، وكذا لو قال : إذا شاء زيد ، أو أن شاء زيد ، ونقل قال : أنت طالق إذا شاء الله الحناطي وجها ، في أن شاء الله ، أنه لا يقع ، وثالثها أنه يفرق بين عارف النحو وغيره . واختار الروياني هذا . ولو ، قال قال : أنت طالق [ ص: 97 ] ما شاء الله المتولي وغيره : وقعت طلقة لأنها اليقين . ولو ، قال قال : أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله ، أو ثلاثا وواحدة إن شاء الله ، أو واحدة وثلاثا إن شاء الله ابن الصباغ والمتولي : الذي يقتضيه المذهب : أنه لا يقع شيء ، والوجه بناؤه على الخلاف السابق ، أن الاستثناء بعد الجملتين ينصرف إليهما ، أم إلى الأخيرة فقط ؟ وكذا ذكره الإمام ، وقد ذكرنا أن الأصح عوده إلى الأخيرة ، ويوافق هذا البناء ما ذكره البغوي أنه لو ، فهل يرجع الاستثناء إلى عمرة فقط أم إليهما ؟ وجهان ، أصحهما : الأول . ولو قال : حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله ، قال الإمام : هو على الوجهين ، إن جمعنا المفرق ، لم يقع شيء . ولو قال : أنت طالق واحدة واثنتين إن شاء الله ، أو أنت طالق ثلاثا ثلاثا إن شاء الله ، لم تطلق ، وفي معناه : أنت طالق أنت طالق إن شاء الله ، وقصد التأكيد . قال : أنت طالق واحدة ثلاثا إن شاء الله
فرع
، يقع الطلاق على الأصح ، ولو قال : يا طالق إن شاء الله ، وقعت طلقة بقوله : يا طالق فقط ، ولو قال : يا طالق ، أنت طالق ثلاثا إن شاء الله ؟ فيه أوجه ، وبالأول قطع قال : أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله ، فهل يقع طلقة بقوله : يا طالق ، أم ثلاث أم لا يقع شيء المتولي ، ويشبه أن يكون هو الأظهر . وحكى الإمام عن القاضي والأصحاب الثالث ، ويؤيد الأول ، أن البغوي وغيره : ذكروا أنه لو ، رجع الاستثناء إلى الطلاق ، ووجب حد القذف . قال : أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله
قلت : هذا الذي ذكره من ترجيح الأول هو الأصح ، وقد قطع به جماعة غير المتولي . والله أعلم .
[ ص: 98 ] فرع
إذا ، أو إذا لم يشأ الله ، أو ما لم يشأ الله ، لم تطلق على الصحيح باتفاق الجمهور ، وقال صاحب " التلخيص " : تطلق ، ولو قال : أنت طالق إن لم يشأ الله ، فوجهان . أحدهما : لا تطلق ، والثاني : تطلق ، وبالثاني قال العراقيون ، وهو محكي عن قال : أنت طالق إلا أن يشاء الله ابن سريج ، ورجحه البغوي ، والأول هو الأصح ، صححه الإمام وغيره ، واختاره القفال ، ونقله عن
[ نص ] رحمه الله . الشافعي
فرع
إذا ، نظر ، إن وجد منه المشيئة أو غيرها مما علق عليه في حياته ، لم يقع الطلاق ، وإن لم توجد حتى مات ، وقع الطلاق قبيل الموت إن لم يحصل قبل ذلك مانع ، فإن حصل مانع تتعذر معه المشيئة ، كجنون ونحوه ، تبينا وقوع الطلاق قبيل حدوث المانع ، وإن مات وشككنا في أنه هل وجد منه الصفة المعلق عليها ، ففي وقوع الطلاق وجهان ، سواء كانت الصيغة : أنت طالق إن لم يدخل زيد ، أو إلا أن يدخل ، والوقوع في الثانية أظهر منه في الأولى . ولو قال : أنت طالق إن لم يشأ زيد ، أو إن لم يدخل الدار ، أو إن لم يفعل كذا ، فاليوم هنا كالعمر . قال : أنت طالق اليوم إلا أن يشاء زيد ، أو إلا أن تدخل الدار
واعلم أن الأكثرين قالوا بالوقوع فيما إذا شككنا في الفعل المعلق عليه ، واختار الإمام عدم الوقوع في الصورتين ، وهو أوجه وأقوى .
قلت : الأصح عدم الوقوع ، للشك في الصفة الموجبة للطلاق . والله أعلم .
[ ص: 99 ] فرع
: قوله : أنت طالق إلا أن يشاء الله ، أو إلا أن يشاء زيد ، معناه : إلا أن يشاء وقوع الطلاق . كما أن قوله : أنت طالق إن شاء الله ، معناه : إن شاء وقوع الطلاق ، فالطلاق معلق بعدم مشيئة الطلاق ، لا بمشيئة عدم الطلاق ، وعدم مشيئة الطلاق تحصل بأن يشاء عدم الطلاق ، أو بأن لا يشاء شيئا أصلا ، فعلى التقديرين يقع ، وإنما لا يقع إذا شاء زيد أن يقع ، وقال بعضهم : معناه : أنت طالق إلا أن يشاء زيد أن لا تطلقي ، وعلى هذا ، إن شاء أن تطلق ، طلقت ، وكذا ذكره البغوي ، والصحيح الأول .