الحالة الثانية : إذا ، ففيه صورتان : طرأ الموت قبل البيان أو التعيين
[ ص: 109 ] إحداهما : أن تموت الزوجتان أو إحداهما ، ويبقى الزوج ، فتبقى المطالبة بالبيان أو التعيين . وقيل : إذا ماتتا ، سقط التعيين ، وإن ماتت إحداهما ، تعين الطلاق في الأخرى ، ونسب هذا إلى الشيخ أبي محمد وهو بعيد ، والصواب : الأول ، ويوقف له من تركة كل واحدة ميراث زوج ، حتى يبين أو يعين ، فإذا بين أو عين ، لم يرث من المطلقة إن كان الطلاق بائنا ، سواء قلنا : يقع الطلاق عند اللفظ أو عند التعيين ، ويرث من الأخرى ، ثم إن نوى معينة ، فبين ، وقال ورثة الأخرى : هي التي أردتها ، فلهم تحليفه ، فإن حلف فذاك ، وإن نكل ، حلفوا ومنع ميراثها أيضا . وإن لم ينو معينة ، وعين ، لم يتوجه لورثة الأخرى دعوى ، لأن التعيين إلى اختياره . وقال الشيخ أبو محمد تفريعا على ما اختاره : يرث من كل واحدة ميراث زوج وهو ضعيف .
قال : وإذا حلفه ورثة الأخرى التي عينها للنكاح ، أخذوا جميع المهر إن كان بعد الدخول ، وإلا أخذوا نصفه وفي النصف الثاني ، وجهان ، أحدهما : يأخذونه أيضا عملا بتصديقه ، والثاني : لا ، لأنها مطلقة قبل الدخول بزعمهم ، ولو كذبه ورثة التي عينها للطلاق وغرضهم استقرار جميع المهر إذا كان قبل الدخول ، فلهم تحليفه وهم مقرون له بإرث لا يدعيه . ابن كج
الصورة الثانية : أن يموت الزوج قبل البيان أو التعيين ، ففي قيام الوارث مقامه في البيان والتعيين قولان ، وقيل : يقوم في البيان قطعا ، والقولان في التعيين ، وقيل : لا يقوم في التعيين والقولان في البيان ، لأنه إخبار يمكن الاطلاع عليه ، بخلاف التعيين ، فإنه اختيار شهوة ، فلا يحلفه الوارث ، كما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات ، وقال القفال : إن مات والزوجتان حيتان ، لم يقم الوارث قطعا لا في البيان ولا في التعيين ، إذ لا غرض له في ذلك ، فإن الإرث لا يختلف بزوجة وزوجتين ، وإن ، قبل قوله قطعا ، لأنه يضر نفسه ، وإن عين الأولى للنكاح ، أو مات الزوج وقد ماتتا ، ففيه القولان ، ثم يعود الترتيب المذكور في البيان والتعيين ، والأظهر حيث ثبت قولان : أنه يقوم ، وحيث اختلف في إثبات القولين ، المنع . ماتت إحداهما ، ثم الزوج ، ثم الأخرى ، وعين [ ص: 110 ] الوارث الأولى للطلاق
فإذا قلنا : لا يقوم ، أو قلنا : يقوم فقال : لا أعلم ، فإن مات الزوج قبلهما ، وقف ميراث زوجة بينهما حتى يصطلحا ، أو يصطلح ورثتهما بعد موتهما ، وإن ماتتا قبل موت الزوج ، وقف من تركتهما ميراث زوج ، وإن توسط موته بينهم ، وقف من تركة الأولى ميراث زوج ، ومن تركة الزوج ميراث زوجة ، حتى يحصل الاصطلاح .
وإن قلنا : لا يقوم ، أو قلنا : يقوم الوارث مقامه ، فإن مات الزوج قبلهما ، فتعين الوارث كتعينه وإن مات بعدهما ، فإذا بين الوارث واحدة ، فلورثة الأخرى تحليفه أنه لا يعلم أن الزوج طلق مورثتهم ، وإن توسط موته بينهما ، فبين الوارث الطلاق في الأولى قبلناه ، ولم نحلفه لأنه ضر نفسه ، وإن بين في المتأخرة ، فلورثة الأولى تحليفه أنه لا يعلم أن مورثه طلقها ، ولورثة الثانية تحليفه على البت أنه طلقها .
فرع
، فيقبل شهادتهما إن مات الزوج قبل الزوجتين لعدم التهمة ، ولا يقبل إن ماتتا قبله ، وإن توسط موته ، نظر إن شهدا بالطلاق للأولى قبل وإلا فلا . شهد اثنان من ورثة الزوج ، أن المطلقة فلانة
[ ص: 111 ] فصل
، أو دخل جماعة ، فقال : إن كان أول من دخل زيد ، فعبدي حر ، وإلا فزوجتي طالق ، وأشكل الحال ، ففي وجه حكاه قال : إن كان هذا الطائر غرابا ، فعبدي حر ، وإن لم يكن ، فزوجتي طالق : يقرع بين العبد والزوجة ، كما إذا مات الحالف ، فإن خرجت قرعة العبد ، ثم قال : تبينت أن الحنث كان في الزوجة ، لم ينقض العتق ، وحكم بالطلاق أيضا ، والصحيح الذي قطع به الجمهور ، أنه لا يقرع ما دام الحالف حيا لتوقع البيان ، لكن يمنع من الاستمتاع بالزوجة ، واستخدام العبد ، والتصرف فيه ، وعليه نفقة الزوجة إلى البيان ، وكذا نفقة العبد على الأصح . وقيل : يؤجره الحاكم ، وينفق عليه من أجرته . فإن فضل شيء ، حفظه حتى يبين الحال . وإذا قال الزوج : حنثت في الطلاق ، طلقت . فإن صدقه العبد ، فذاك ولا يمين عليه على الصحيح ، وحكى ابن القطان الحناطي وجها ، أنه يحلف لما فيه من حق الله تعالى ، وإن كذبه وادعى العتق ، صدق السيد بيمينه ، فإن نكل ، حلف العبد ، وحكم بعتقه ، وإن قال : حنثت في العتق ، عتق العبد ، ثم إن صدقته المرأة ، فلا يمين ، وفيه الوجه المذكور ، وإن كذبته ، حلف ، فإن نكل ، حلفت وحكم بطلاقها . وقوله : لم أحنث في يمين العبد ، في جواب دعواه ، وفي غير الجواب كقوله : حنثت في يمين العبد ، ولو قال : لا أعلم في أيهما حنثت ، ففي " الشامل " وغيره ، أنهما إن صدقاه ، بقي الأمر موقوفا ، وإن كذباه ، حلف على نفي العلم ، فإن حلف ، فالأمر موقوف ، وإن نكل ، حلف المدعي منهما وقضى بما ادعاه .
وإن ادعى أحدهما أنه حنث في يمينه ، فقال في جوابه : لا أدري ، لم يكن إقرارا بالحنث في الآخر ، فإن عرضت عليه اليمين فحلف على نفي ما يدعيه ، كان مقرا بالحنث في الآخر . وإن كان التعليق لطلاق نسوة ، وادعين الحنث [ ص: 112 ] ونكل عن اليمين ، فحلف بعضهن دون بعض ، حكم بطلاق من حلف دون من لم يحلف . ولو ادعت واحدة ، ونكل عن اليمين ، فحلفت ، حكم بطلاقها ، وله أن يحلف إذا ادعت أخرى ، ولا يجعل نكوله في واحدة نكولا في غيرها .
واعلم أن ما سبق من الأمر بالبيان أو التعيين ، والحبس والتعزير عند الامتناع ، قد أشاروا إلى مثله هنا ، لكن إذا قلنا : إنه إذا قال : لا أدري ، يحلف عليه ويقنع منه بذلك ، يكون التضييق إلى أن يبين أو يقول : لا أدري ، ويحلف عليه ، وهكذا ينبغي أن يكون الحكم في إبهام الطلاق بين الزوجتين .
فرع
، أحدهما : على الخلاف السابق في الطلاق المبهم بين الزوجتين ، والثاني : القطع بأنه لا يقوم ، للتهمة في إخباره بالحنث في الطلاق ليرق العبد ويسقط إرث الزوجة ، ولأن للقرعة مدخلا في العتق ، وسواء ثبت الخلاف أم لا ، فالمذهب أنه لا يقوم . قال إذا مات الزوج قبل البيان ، ففي قيام الوارث مقامه طريقان السرخسي في " الأمالي " : هذا الخلاف إذا قال الوارث : حنثت في الزوجة ، فإن عكس ، قبل قطعا لإضراره بنفسه وهذا حسن .
قلت : قد قاله أيضا غير السرخسي ، وهو متعين . والله أعلم .
فإن لم يعتبر قول الوارث ، أو قال : لا أعلم ، أقرعنا بين العبد والمرأة ، فإن خرجت على العبد ، عتق ويكون عتقه من الثلث إن كان التعليق في مرض الموت ، وترث المرأة إلا إذا كانت قد ادعت الحنث في يمينها وكان الطلاق بائنا . وإن خرجت القرعة على المرأة ، لم تطلق ، لكن الورع أن تترك الميراث ، [ ص: 113 ] وهل يرق العبد ؟ وجهان : أحدهما : نعم ، فيتصرف فيه الوارث كيف شاء . وأصحهما : لا ، لأن القرعة لم تؤثر فيما خرجت عليه ، فغيره كذلك ، وعلى هذا ، يبقى الإبهام كما كان . وقال : لا نزال نعيد القرعة حتى تخرج على العبد ، قال الإمام : هذا القول غلط يجب إخراج قائله من أحزاب الفقهاء ، وينبغي لقائله أن يقطع بعتق العبد ، ويترك تضييع الزمان بالقرعة . فالصواب بقاء الإبهام ، وإن اعتبرنا قول الوارث فقال : الحنث في العبد ، عتق وورثت الزوجة ، وإن عكس ، فللمرأة تحليفه على البت ، وللعبد أن يدعي العتق ، ويحلفه أنه لا يعلم حنث مورثه فيه . ابن أبي هريرة
ونقل الحناطي وجها عن ابن سريج ، أنه إذا لم يبين الورثة وقف حتى يموتوا ، ويخلفهم آخرون ، وهكذا إلى أن يحصل بيان ، ووجها ، أن الوارث إذا لم يبين حكم عليه بالعتق والطلاق ، وهذان ضعيفان ، والصواب الذي عليه الأصحاب ، ما تقدم وهو الإقراع إذا لم يبين ، وبالله التوفيق .