الثامنة : إذا علق الطلاق بصفة مستحيلة  عرفا ، كقوله : إن طرت أو صعدت السماء ، أو إن حملت الجبل ، فأنت طالق ، أو عقلا كقوله : إن أحييت ميتا ، أو إن اجتمع السواد والبياض ، فهل يقع الطلاق أم لا ، أم يقع في العقلي دون العرفي ؟ فيه أوجه ، أصحها : لا يقع ، أما في العرفي ، فباتفاق الأصحاب وهو المنصوص ، وأما في العقلي ، فعند الإمام وجماعة خلافا  للمتولي  ، والمستحيل شرعا كالمستحيل عقلا ، كقوله : إن نسخ صوم رمضان . 
أما إذا قال : أنت طالق أمس أو الشهر الماضي ، أو في الشهر الماضي  ، فله أحوال . 
أحدها : أن يقول : أردت ، أن يقع في الحال طلاق ، يستند إلى أمس أو إلى الشهر الماضي ، فلا شك أنه لا يستند ، لكن يقع في الحال على الصحيح . وقيل : لا يقع أصلا . 
الحال الثاني : أن يقول : لم أوقع في الحال ، بل أردت إيقاعه في الماضي ، فالمذهب والمنصوص ، وقوع الطلاق في الحال وبه قطع الأكثرون ، وقيل : قولان ثانيهما : لا يقع . 
الحال الثالث : أن يقول : لم أرد إيقاعه في الحال ولا في الماضي ، بل أردت أني طلقتها في الشهر الماضي في هذا النكاح وهي في عدة الرجعية أو بائن الآن ،   [ ص: 121 ] فيصدق بيمينه ، وتكون عدتها من الوقت الذي ذكره إن صدقته ، ويبقى النظر في أنه كان يخالطها أم لا ؟ وإن كذبته ، فالعدة من وقت الإقرار . وعن القاضي  حسين     : أنها إن صدقته ، قبل ، وإلا فالقول قولها في أنه أنشأ الطلاق ، وحينئذ يحكم عليه بطلاقين ، والصحيح الأول . 
الحال الرابع : قال : أردت أني طلقتها في الشهر الماضي وبانت ، ثم جددت نكاحها ، أو أن زوجا آخر طلقها في نكاح سابق ، قال الأصحاب : ينظر ، إن عرف نكاح سابق ، فطلاق فيه ، أو أقام بذلك بينة وصدقته المرأة في إرادته ، فذاك ، وإن كذبته وقالت : إنما أردت إنشاء طلاق الآن ، حلف . 
وإن لم يعرف نكاح سابق ، وطلاق في ذلك النكاح ، وكان محتملا ، فينبغي أن يقبل التفسير به وإن لم يقم بينة ، وإلا يقع الطلاق وإن كان كاذبا ، ولهذا لو قال ابتداءا : طلقك في الشهر الماضي زوج غيري ، لا يحكم بالطلاق عليه وإن كذب . 
الحال الخامس : أن يقول : لم أرد شيئا أو مات ولم يفسر ، أو جن ، أو خرس وهو عاجز عن التفهيم بالإشارة ، فالصحيح وقوع الطلاق ، ولو قال : أنت طالق للشهر الماضي  ، ففي " المجرد " للقاضي  أبي الطيب     : أنه يقع الطلاق في الحال بلا خلاف ، كما لو قال : لرضى فلان ، لكن الكلام في مثل ذلك يستعمل للتاريخ ، واللفظ محتمل للمعاني المذكورة في قوله . 
المسألة التاسعة : قال : إذا مات أو إذا قدم فلان ، فأنت طالق قبله بشهر  ، أو قال : أنت طالق قبل أن أضربك بشهر ، نظر إن مات فلان أو قدم ، أو ضربها قبل مضي شهر من وقت التعليق ، لم يقع الطلاق . وقيل : يقع عند الضرب ، والصحيح الأول ، وبه قطع الجمهور ، وتنحل اليمين . حتى لو ضربها بعد ذلك وقد مضى شهر أو أكثر ، لم تطلق ، وللإمام احتمال أنه لا تنحل لكون الضرب الأول ليس هو المحلوف عليه . 
وإن مات أو قدم أو ضرب بعد مضي شهر من وقت التعليق ، تبينا وقوع الطلاق قبله بشهر ، وتحسب العدة من يومئذ . 
 [ ص: 122 ] ولو ماتت وبينها وبين القدوم 
[ دون ] شهر . لا يرثها الزوج ، ولو خالعها قبل القدوم أو الموت ، فإن كان بين الخلع وقدوم فلان أكثر من شهر ، وقع الخلع صحيحا ، ولم يقع الطلاق المعلق . وإن كان بينهما دون شهر والطلاق المعلق ثلاث ، فالخلع فاسد والمال مردود . 
ولو علق عتق عبده كذلك ثم باعه ، وبين البيع وموت فلان ، أو قدومه أكثر من شهر ، صح البيع ، ولم يحصل العتق . 
المسألة العاشرة : قال : أنت طالق غد أمس ، أو أمس غد  على الإضافة ، وقع الطلاق في اليوم لأنه غد أمس وأمس غد . 
ولو قال : أمس غدا ، أو غدا أمس لا بالإضافة ، طلقت إذا طلع الفجر من الغد ، ويلغو ذكر الأمس . هكذا أطلقه  البغوي  ، ونقل الإمام مثله في قوله : أنت طالق أمس غدا ، وأبدى فيه توقفا ، لأنه يشبه : أنت طالق الشهر الماضي . ولو قال : أنت طالق اليوم غدا  ، وقع في الحال طلقة ، ولا يقع في الغد شيء . ولو قال : أردت اليوم طلقة وغدا أخرى ، طلقت كذلك إلا أن يبين . وإن قال : أردت إيقاع نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا ، فكذلك تطلق طلقتين . ولو قال : أردت نصف طلقة اليوم ونصفها الآخر غدا ، فوجهان ، أحدهما : يقع طلقتان أيضا ، وأصحهما : لا يقع إلا واحدة ، لأن النصف الذي أخره تعجل ، وبهذا قطع  المتولي     . 
ولو قال : أنت طالق غد اليوم  ، فوجهان ، أحدهما : يقع في الحال طلقة ، ولا يقع في غد شيء ، كما سبق في قوله : اليوم غدا ، والثاني وهو الصحيح ، وبه قال القاضي  أبو حامد  وصححه  أبو عاصم     : لا يقع في الحال شيء ، ويقع في غد طلقة ، لأن الطلاق تعلق بالغد ، وقوله : بعده اليوم ، كتعجيل الطلاق المعلق ، فلا يتعجل . ولو قال : أنت طالق اليوم وغدا ، وبعد غد  ، يقع في الحال طلقة ، ولا يقع   [ ص: 123 ] في الغد ولا بعده شيء آخر ، لأن المطلقة في وقت مطلقة فيما بعده ، كذا ذكره  المتولي     . 
ولو قال : أنت طالق اليوم ، وإذا جاء الغد  ، قال  إسماعيل البوشنجي     : يسأل . فإن قال : أردت طلقة اليوم وتبقى بها مطلقة غدا ، أو لم يكن له نية ، لم يقع إلا طلقة ، وإن قال : أردت طلقة اليوم وطلقة غدا ، أوقعناه كذلك إن كانت مدخولا بها . 
ولو قال : أنت طالق اليوم ورأس الشهر  ، فهو كقوله : اليوم وغدا . 
ولو قال : أنت طالق اليوم وفي الغد ، وفيما بعد غد  ، قال  المتولي     : يقع في كل يوم طلقة . قال : وكذلك لو قال : في الليل وفي النهار ، لأن المظروف يتعدد بتعدد الظرف ، وليس هذا الدليل بواضح فقد يتحد المظروف ، ويختلف الظرف . 
ولو قال : أنت طالق بالليل والنهار  ، لم تطلق إلا واحدة . ولو قال : أنت طالق اليوم أو غدا ، فوجهان ، الصحيح : لا يقع إلا في الغد لأنه اليقين . والثاني : يقع في الحال تغليبا للإيقاع ، ولو قال : أنت طالق غدا أو بعد غد ، أو إذا جاء الغد أو بعد غد  ، قال  البوشنجي     : لا تطلق في الغد ، قال : وعلى هذا استقر رأي   أبي بكر الشاشي  وابن عقيل  ببغداد  ، وهذا يوافق الصحيح من هذين الوجهين السابقين . ولو قال : أنت طالق اليوم إذا جاء الغد  ، فوجهان . أحدهما عن  ابن سريج  وصاحب " التقريب " : لا تطلق أصلا ، لأنه علقه بمجيء الغد ، فلا يقع قبله ، وإذا جاء الغد ، فقد مضى اليوم الذي جعله محلا للإيقاع . والثاني : إذا جاء الغد ، وقع الطلاق مستندا إلى اليوم ، ويكون كقوله : إذا قدم زيد ، فأنت طالق اليوم . 
 [ ص: 124 ] قلت : الأصح لا تطلق ، وبه قطع صاحب " التنبيه " وهو الأشبه بالتعليق بمحال . والله أعلم . 
ولو قال : أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار  ، قال  البوشنجي     : هو كقوله : أنت طالق اليوم إذا جاء الغد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					