فصل 
في التعليق بنفي التطليق  
وفي معناه التعليق بنفي دخول الدار والضرب ، وسائر الأفعال ، فإذا قال : إن لم أطلقك ، فأنت طالق  ، لم يقع الطلاق حتى يحصل اليأس من التطليق . 
ولو قال : إذا لم أطلقك ، فأنت طالق  ، فإذا مضى زمن يمكنه أن يطلق فيه ، فلم يطلق ، طلقت ، هذا هو المنصوص في الصورتين ، وهو المذهب ، وقيل :   [ ص: 134 ] قولان فيهما بالنقل والتخريج ، ولو قال : متى لم أطلقك ، أو " مهما " ، أو أي حين ، أو كلما لم أفعل ، أو تفعلي كذا ، فأنت طالق ، فمضى زمن يسع الفعل ولم يفعل  ، طلقت على المذهب ، كلفظ إذا ، وأشار الحناطي إلى خلاف ، وضبط الأصحاب هذا تفريعا على المذهب ، بأن أدوات التعليق كلها تقتضي الفور في طرف النفي ، إلا لفظة " إن " ، فإنها للتراخي ، وفي تسمية هذا فورا وتراخيا ، نوع توسع ، ولكن المعنى مفهوم ، ولو علق النفي بلفظة " إن " ، وقيد بزمان ، فقال : إن لم أطلقك اليوم ، فأنت طالق ، وقلنا بالمذهب ، فإذا مضى اليوم ولم يطلق ، حكم بوقوع الطلاق قبيل غروب الشمس لحصول اليأس حينئذ ، ولو قال : إن تركت طلاقك ، فأنت طالق  ، فإذا مضى زمن يمكنه أن يطلق فيه فلم يطلق ، طلقت ، بخلاف طرف النفي ، ولو طلقها في الحال واحدة ثم سكت ، لم يقع أخرى لأنه لم يترك طلاقها . قال  البغوي     : ولو قال : إن سكت عن طلاقك ، فأنت طالق فلم يطلقها في الحال  ، وقع طلقة ، وإن طلقها في الحال ثم سكت ، وقعت أخرى بالسكوت ، ولا تطلق بعد ذلك لانحلال اليمين . 
فرع 
قال : كلما سكت عن طلاقك ، أو كلما لم أطلقك ، فأنت طالق ، ومضت ثلاثة أوقات تسع ثلاث طلقات بلا تطليق  ، طلقت ثلاثا ، وهذه الصور في المدخول بها ، فلو قال لغير المدخول بها : كلما لم أطلقك فأنت طالق ، ومضت لحظة لم يطلقها ، بانت ولا تلحقها الثانية ، فلو جدد نكاحها وقلنا : يعود الحنث ، فمضت لحظة ، وقعت طلقة أخرى ، ولو قال للمدخول بها عقب هذا التعليق بكلما : أنت طالق على ألف ، فقبلت ، بانت ولم تقع الثانية ، فإن جدد نكاحها ، عاد قولا عود الحنث . 
 [ ص: 135 ] فرع 
إذا قلنا بالمذهب وهو الفرق بين " إن " و " إذا " فقال : أردت بإذا معنى إن ، دين ، ويقبل أيضا ظاهرا على الأصح ، وحيث قلنا : في " إن " أو " إذا " إنه إذا مضى زمن يسع التطليق فلم يطلق يقع ، فأمسك رجل فمه ، أو أكرهه على الامتناع من التطليق ، قال  الحناطي     : يخرج على الخلاف في حنث الناسي والمكره ، وحيث قلنا : لا يقع الطلاق حتى يتحقق اليأس من التطليق . ولليأس طرق ، أحدها : أن يموت أحد الزوجين قبل التطليق ، فيحكم بوقوع الطلاق قبيل الموت . 
والثاني : إذا جن الزوج ، لا يحصل اليأس لاحتمال الإفاقة ، فإن اتصل بالموت ، تبينا حصول اليأس من وقت الجنون ، فيحكم بوقوع الطلاق قبيل الجنون . 
الثالث : إذا فسخ النكاح بسبب ، لم يحصل اليأس ، لاحتمال التجديد ، لأن البر والحنث لا يختص بحال النكاح ، ولذلك تنحل اليمين بوجود الصفة في البينونة ، فإن مات أحدهما قبل التجديد والتطليق ، حكم بوقوع الطلاق قبيل الانفساخ ، هكذا قاله الإمام ، وتابعه   الغزالي  وغيره . قالوا : وإنما يتصور ذلك في الطلاق الرجعي ، ليمكن اجتماعه هو والانفساخ ، فلو كان الطلاق بائنا لكونه ثلاثا ، أو قبل الدخول ، لم يمكن إيقاعه قبل الانفساخ ، لما فيه من الدور ، فإنه لو وقع لما حصل الانفساخ ، ولو لم يحصل الانفساخ لم يحصل اليأس ، وإذا لم يحصل اليأس ، لم يقع الطلاق ، فيلزم من وقوعه عدم وقوعه ، وهذا من قبيل الدور الحكمي ، وأما إذا جدد نكاحها بعد الانفساخ ، فإن طلقها في النكاح الثاني ، لم يفت التطليق ، بل قد حصل ، وإن لم يطلقها حتى مات أحدهما ، بني على قولي عود الحنث ، إن قلنا : يعود ، طلقت في النكاح الثاني قبل الموت ، وبنينا النكاح على النكاح ، وإن قلنا :   [ ص: 136 ] لا يعود الحنث ، لم يمكن إيقاع الطلاق قبيل الموت ، فيحكم بوقوع الطلاق قبيل الانفساخ كما سبق . واعلم أن هذه الطرق الثلاثة ، هي فيما إذا كان التعليق بنفي التطليق ، أما إذا علق بنفي الضرب وسائر الأفعال ، فالجنون لا يوجب اليأس ، وإن اتصل به الموت ، قال   الغزالي     : لأن ضرب المجنون في تحقيق الصفة ونفيها ، كضرب العاقل على الصحيح ، ولو أبانها ودامت البينونة إلى الموت ، ولم يتفق الضرب ، لم يقع الطلاق ولا يحكم بوقوعه قبيل البينونة ، بخلاف قوله : إن لم أطلقك ، لأن الضرب بعد البينونة ممكن ، والطلاق بعد البينونة غير ممكن ، وإذا كان التعليق بنفي الضرب ونحوه من الأفعال ، فعروض الطلاق كعروض الفسخ والانفساخ ، لكن ينبغي أن يبقى من الطلاق عدد يمكن فرضه ، مستندا إلى قبيل الطلاق ، فأما في التعليق بنفي التطليق ، فإنما تفرض البينونة بالانفساخ ، لأنه لو طلقها بطلت الصفة المعلق عليها ، ويمكن أن تفرض في طلاق الوكيل ، فإنه لا تفوت الصفة . 
فصل 
" إن " الشرطية هي بكسر الهمزة ، فإن فتحت ، صارت للتعليل ، فإذا قال : أنت طالق أن لم أطلقك بفتح الهمزة  ، طلقت في الحال ، ثم الذي قاله الشيخ  أبو حامد  والإمام   والغزالي  والبغوي  ، إن هذا في حق من يعرف اللغة ، ويفرق بين أن وإن ، فإن لم يعرف ، فهو للتعليق . وقال القاضي  أبو الطيب     : يحكم بوقوع الطلاق في الحال ، إلا أن يكون الرجل ممن لا يعرف اللغة ولا يميز ، وقال : قصدت التعليق ، فيصدق ، وهذا أشبه ، وإلى ترجيحه ذهب  ابن الصباغ  ، وبه قطع  المتولي     . 
 [ ص: 137 ] قلت : الأول أصح ، وبه قطع الأكثرون . والله أعلم . 
وعلى هذا القياس طرق الإثبات ، فإذا قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، وإن دخلت الدار فأنت طالق  ، طلقت في الحال وإن لم تكن دخلت الدار ، ولو قال : أنت طالق إن طلقتك  ، حكم بوقوع طلقتين ، واحدة بإقراره ، وأخرى بإيقاعه في الحال ، لأن المعنى : أنت طالق لأني طلقتك ، ولو قال : أنت طالق إذ دخلت الدار  ، طلقت في الحال ، لأن " إذ " للتعليل أيضا . فإن كان القائل لا يميز بين " إذ " و " إذا " ، فيمكن أن يكون الحكم كما لو لم يميز بين إن وأن . 
فرع 
قال : أنت طالق طالقا  ، قال الشيخ  أبو عاصم     : لا يقع في الحال شيء ، لكن إذا طلقها وقع طلقتان ، والتقدير : إذا صرت مطلقة فأنت طالق ، وهذا في المدخول بها ، ولو قال : أنت طالق إن دخلت الدار طالقا  ، فإن طلقها قبل الدخول ، فدخلت الدار طالقا ، وقعت المعلقة إذا لم تحصل البينونة بذلك الطلاق ، وإن دخلت غير طالق ، لم تقع تلك المعلقة ، ولو قال : أنت طالق فطالق إن دخلت الدار طالقا  ، فهذا تعليق طلقتين بدخولها الدار طالقا ، فإن دخلت طالقا ، وقع طلقتان بالتعليق ، ولو قال : أنت إن دخلت الدار طالقا  ، واقتصر عليه ، قال  البغوي     : إن قال : نصبت على الحال ، ولم أتم الكلام ، قبل منه ، ولم يقع شيء ، وإن أراد ما يراد عند الرفع ولحن ، وقع الطلاق إذا دخلت الدار . 
فرع 
قال  إسماعيل البوشنجي     : لو قال : أنت طالق حين لا أطلقك ، أو حيث   [ ص: 138 ] لا أطلقك ، ولم يطلقها  عقبه ، طلقت في الحال على قياس مذهبنا ، وكذا لو قال : حين لم أطلقك ، أو حيث لم أطلق ، أو ما لم أطلقك ، ولو قال : أنت طالق إن لم أضربك ، أو إن لم أضربك فأنت طالق ، وقال : أردت وقتا ، دين ، سواء عين الساعة أو وقتا قريبا أو بعيدا ، وهكذا يكون الحكم في التعليق بنفي الطلاق وسائر الأفعال ، وبالله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					