[ ص: 162 ] الطرف السادس : في مسائل الدور : فإذا ، فثلاثة أوجه أحدها : لا يقع عليها طلاق أصلا ، عملا بالدور وتصحيحا له ، لأنه لو وقع المنجز لوقع قبله ثلاث ، وحينئذ فلا يقع المنجز للبينونة ، وحينئذ لا يقع الثلاث ، لعدم شرطه وهو التطليق . قال لها : إذا طلقتك ، أو إن طلقتك ، أو متى طلقتك ، أو مهما طلقتك ، فأنت طالق قبله ثلاثا ، ثم طلقها
والوجه الثاني : يقع المنجز فقط . والثالث : يقع ثلاث تطليقات ، المنجزة ، وطلقتان من المعلق . وقيل على هذا : يقع المعلقات دون المنجزة ، قال الإمام : وهو بعيد ، ثم الوجهان الأولان يجريان في المدخول بها وغيرها ، وأما الثالث ، فمختص بالمدخول بها ، فإن غيرها لا يتعاقب عليها طلاقان .
ولو ، عتق على الوجه الثاني دون الأول ، ولو قال لرقيق : إن أعتقك ، فأنت حر قبله ، ثم أعتقه ، ففيه الخلاف ، ولو طلق قبل تمام يوم من وقت التعليق ، وقع المنجز بلا خلاف ، ولا يقع شيء من المعلق ، لأن الوقوع لا يسبق اللفظ . ولو قال : إذا طلقتك ، فأنت طالق ثلاثا قبله بيوم ، وأمهل يوما ثم طلقها ، فإن طلقها قبل مضي تلك المدة ، وقع المنجز فقط بلا خلاف ، وإن مضت تلك المدة ، فعلى الوجه الأول ، وإن كانت غير مدخول بها ، لم يقع شيء ، وإن كانت مدخولا بها ، فإن كانت عدتها منقضية في تلك المدة لو أوقعنا طلقة من الوقت الذي ذكره ، لم يقع شيء أيضا ، وإن لم تكن منقضية ، وقع عليها طلقتان ، وعلى الوجه الثاني : إن لم يكن مدخولا بها ، وقع ما نجزه ، وإن كانت مدخولا بها ، وكانت عدتها منقضية في تلك المدة ، فكذلك ، وإن كانت غير منقضية ، وقع طلقتان . ولو قال : متى طلقتك ، فأنت طالق قبله بشهرين أو بسنة ، ففيه الأوجه ، وإذا كان التعليق بالتطليق كما صورناه في هذه المسائل ، فلو كان قد علق طلاقها بدخول الدار ونحوه قبل التعليق بالتطليق ، ثم دخلت الدار ، يقع المعلق بالدخول بلا خلاف ، لأنه ليس بتطليق ، وكذا لو وكل وكيلا بتطليقها ، لأنه لم يطلقها الزوج ، إنما وقع عليها طلاقه . قال : أنت طالق اليوم ثلاثا إن طلقتك غدا واحدة ، ثم طلقها غدا واحدة
[ ص: 163 ] أما إذا ، فسواء طلق بنفسه أو بوكيله ، هكذا ذكره الإمام قال : إن وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق قبله ثلاثا والمتولي ، ولو ، أو قال : إن حنثت في يميني فأنت طالق قبله ثلاثا ثم دخل الدار ، فهل يقع المعلق بالدخول إذا فرعنا على الوجه الأول ؟ وجهان . علق طلاقها بدخول الدار ، ثم قال : متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا
أحدهما : نعم لأنها يمين منعقدة قبل الدور ، فلا يملك إبطالها ، وأصحهما : لا ، وبه قال القاضيان ، أبو الطيب للدور ، ويتصور حل اليمين ، ولهذا لو والروياني ، كان له إسقاطه ، بأن يقول : أنت طالق قبل انقضاء الشهر بيوم ، وعلى هذا الوجه ، هذا الطريق أسهل في دفع الطلقات الثلاث من الخلع وإيقاع الصفة في حال البينونة . قال : إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثلاثا
ولو ، فعلى الوجه الأول : لا يقع شيء ، وكذا لو طلق ثلاثا أو اثنتين لاشتمال العدد على واحدة ، وإذا مات أحدهما ، يحكم بوقوع الطلاق قبل الموت ، كما لو قال : إن لم أطلقك فأنت طالق ، قاله قال : أنت طالق ثلاثا قبل أن أطلقك واحدة ، ثم طلقها واحدة المتولي ، وعلى الوجه الثاني : يقع المنجز . ولو ، فعلى الوجه الأول : لا يقع شيء ، وعلى الثاني : يقع الثلاث . ولو طلقها واحدة أو ثنتين ، وقع المنجز بلا خلاف ، ولو قال : إذا طلقتك فأنت طالق قبله طلقتين ، وهي غير مدخول بها ، فطلقها ، لم يقع على الأول شيء ، وعلى الثاني : يقع المنجز ، وإن كانت مدخولا بها ، وقع طلقتان على الوجهين . قال : إذا طلقتك ثلاثا ، فأنت طالق قبلها طلقة ، فطلقها ثلاثا
فرع
، فإذا آلى أو ظاهر منها ، لم تقع الثلاث قبله ، وفي صحة الظهار والإيلاء الوجهان ، إن صححنا الدور ، لم يصحا ، وإن أوقعنا الطلاق المنجز صحا ، واختاره قال : إن آليت منك ، أو ظاهرت منك ، فأنت طالق قبله ثلاثا في كتابه " غاية الغور في دراية الدور " القطع بالصحة ، وكذا الحكم لو قال : إن لاعنتك ، أو حلفت بطلاقك ، فأنت طالق قبله ثلاثا ، أو قال للرجعية : إن [ ص: 164 ] راجعتك فأنت طالق قبله طلقتين أو ثلاثا ، أو قال : إن فسخت النكاح بعيبك فأنت طالق قبله ثلاثا ، وإذا وجد منه التصرف المعلق عليه ، ففي نفوذه الوجهان . الغزالي
قاله الشيخ أبو علي والقاضي حسين والأصحاب ، ولو ، أو قال : إن استحققت الفسخ بذلك أو بالإعسار ، أو إن استقر مهرك بالوطء ، أو إن استحققت النفقة ، أو القسم ، أو طلب الطلاق في الإيلاء فأنت طالق قبله ثلاثا ، ثم فسخت ، أو وجدت الأسباب المثبتة لهذه الاستحقاقات ، نفذ الفسخ وتبين الاستحقاق ، ولا نقول بإبطالها للدور ، وإن ألغينا الطلاق المنجز ، والفرق أن هذه فسوخ وحقوق ، ثبتت عليه قهرا ، ولا تتعلق بمباشرته واختياره ، فلا يصلح تصرفه دافعا لها ومبطلا لحق غيره ، بخلاف الطلاق ، ولو قال : إن انفسخ نكاحك ، فأنت طالق قبله ثلاثا ، ثم ارتد أو اشتراها ، انفسخ النكاح قطعا ، ولا يقع الطلاق . قال : إن فسخت النكاح بعيبي أو بعيبك ، فأنت طالق قبله ثلاثا
فرع
، لم تطلق قبله ، إذ لو طلقت لم يكن الوطء مباحا ، وسواء ذكر الثلاث في هذه الصورة أم لا . قال : إن وطئت وطئا مباحا ، فأنت طالق قبله ، ثم وطئها
قال الإمام وغيره : ولا خلاف في هذه الصورة ، بل موضع الخلاف إذا انحسم بتصحيح اليمين الدائرة باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية ، وهنا لا تنحسم ولو ، ففيه الخلاف . ولو طلقها ثلاثا أو خالعها ، أو كانت غير مدخول بها ، فطلقها واحدة ، أو ثنتين ، وقع المنجز ، لأنه إنما علق الثلاث بالطلقة الرجعية . وفي هذه الصور ما نجزه ليس برجعي . قال : إن طلقتك طلقة رجعية ، فأنت طالق قبلها ثلاثا أو طلقتين ، فطلقها
ولو ، فلا دور ، فإذا طلقها ، طلقت طلقتين . ولو قال : إن طلقتك طلقة رجعية ، فأنت طالق قبله واحدة وهي مدخول بها ، وقع الثلاث ولا دور . وحكي عن قال للمدخول بها : [ ص: 165 ] متى طلقتك طلاقا رجعيا ، فأنت طالق ثلاثا ، ولم يقل : قبله ، ثم طلقها ابن سريج : أنه لا يقع شيء ، قال الشيخ أبو علي : هذا غلط من ناقل أو ناسخ ، وابن سريج أجل من أن يقول هذا ، قال الإمام : والمحكي عن ابن سريج ، متجه عندي . ولو قال : إذا طلقتك طلقة رجعية ، فأنت طالق معها ثلاثا ، فإذا طلقها ، فوجهان بناء على الوجهين في قوله لغير المدخول بها : أنت طالق طلقة معها طلقة ، هل يقع طلقتان أم طلقة ؟ إن قلنا : طلقتان معا ، فهنا لا يقع شيء ، بناء على تصحيح الدور ، وإن قلنا هناك : لا يقع إلا واحدة ، وقع هنا الثلاث كما لو لم يقل : معها .
فرع
اختلف الأصحاب في الراجح من الأوجه الثلاثة في الدور ، فالمعروف عن ابن سريج الوجه الأول ، وهو أنه لا يقع الطلاق ، وبه اشتهرت المسألة بالسريجية وبه قال ابن الحداد والقفالان ، والشيخ أبو حامد ، والقاضي أبو الطيب ، واختاره الشيخ أبو علي وصاحب " المهذب " ، ، وعن والغزالي المزني أنه قال في كتاب المنثور ، ورأيت في بعض التعاليق ، أن صاحب " الإفصاح " حكاه عن نص - رضي الله عنه - ، أنه مذهب الشافعي - رضي الله عنه - ، واختاره الإمام زيد بن ثابت ، أبو بكر الإسماعيلي وأبو عبد الله الحسين .
الوجه الثالث ، وهو وقوع الثلاث إذا نجز واحدة ، وذهب إلى وقوع المنجزة فقط : ، ابن القاص وأبو زيد ، وهو مذهب أبي حنيفة ، واختاره ابن الصباغ والمتولي ، والشريف ناصر العمري ، وللغزالي تصنيفان في المسألة ، مطول في تصحيح الدور ، سماه " غاية الغور في دراية الدور " ، ومختصر في إبطاله سماه " الغور في الدور " ، رجع فيه عن تصحيحه ، واعتذر فيه عما سبق منه ، ويشبه أن تكون الفتوى به أولى . وذكر [ ص: 166 ] الروياني بعد اختياره تصحيح الدور ، أنه لا وجه لتعليم العوام المسألة لفساد الزمان .
قلت : قد جزم الرافعي في المجرد بترجيح وقوع المنجزة فقط ، كما أشار هنا إلى اختياره . - والله أعلم .
فصل
إذا صححنا الدور ، فقال : متى وقع طلاقي على حفصة ، فعمرة طالق قبله ثلاثا ، ومتى وقع طلاقي على عمرة ، فحفصة طالق قبله ثلاثا ، ثم طلق إحداهما ، لم تطلق هي ولا صاحبتها ، فلو ماتت عمرة ثم طلقت حفصة ، طلقت ، لأنه لا يلزم والحالة هذه من إثبات الطلاق نفيه ، ولو ، لم يقع طلاق واحد منهما على زوجته ، ما دامت زوجة الآخر في نكاحه ، ولو قال زيد لعمرو : متى وقع طلاقك على زوجتك ، فزوجتي طالق قبله ثلاثا ، وقال عمرو لزيد مثل ذلك ، لم يعتق العبد ، ولا تطلق هي ، قال الإمام : ولا يخالف قال لزوجته : متى دخلت الدار وأنت زوجتي ، فعبدي حر قبله ، وقال لعبده : متى دخلت الدار وأنت عبدي ، فامرأتي طالق قبله ثلاثا ، ثم دخلا الدار معا أبو زيد في هذه الصورة ، لأنه ليس فيها سد باب التصرف ، فلو دخلت المرأة أولا ، ثم العبد ، عتق ولم تطلق هي لأنه حين دخلت لم يكن عبدا له ، فلم تحصل صفة طلاقها .
ولو دخل العبد أولا ثم دخلت ، طلقت ولم يعتق . ولو ، ولم يقل في الطرفين : قبله ، فدخلا معا ، عتق وطلقت ، لأن كلا منهما عند الدخول بالصفة المشروطة . ولو دخل ثم دخلت أو عكسه ، فالحكم كما في الصورة السابقة بلا فرق . قال لها : متى دخلت الدار وأنت زوجتي ، فعبدي حر . وقال له : متى دخلت الدار وأنت عبدي ، فزوجتي طالق
[ ص: 167 ] فرع
، عتقت الأمة لأنها أعتقتها وهي زوجة ، ولا تطلق المرأة ، لأنها لو طلقت ، لطلقت قبل الإعتاق بثلاثة أيام ، وحينئذ يكون الطلاق متقدما على اللفظ ، وذلك ممتنع . فلو أمهلت ثلاثة أيام ثم أعتقها ، لم تعتق ، لأنه إنما أذن لها في الإعتاق بشرط أن تكون زوجة له ، ولا تطلق أيضا لأنه معلق بالعتق ، وبالله التوفيق . قال لها : متى أعتقت أمتي هذه وأنت زوجتي ، فهي حرة ، ثم قال : متى أعتقتها ، فأنت طالق قبل إعتاقك إياها بثلاثة أيام ، ثم أعتقتها المرأة قبل ثلاثة أيام