فصل
عن أبي العباس الروياني أنه إذا طلق امرأته ، فقيل له : طلقت امرأتك ؟ فقال : طلقة واحدة ، يقبل قوله ، لأن قوله : طلقتها ، صالح للابتداء ، غير متعين للجواب . وأنه لو ، طلقت على الصحيح . وأنه لو قال : إن سرقت ذهبا فأنت طالق ، فسرقت ذهبا مغشوشا ، فقرأت آية تتضمن جوابه ، فإن قالت : قصدت بقراءتها جوابه ، طلقت . وإن قالت : قصدت القراءة أو لم تبين قصدها ، فلا طلاق . وأنه لو قال : إن أجبتني عن خطابي فأنت طالق ، ثم خاطبها ، فلا بد من استيفاء حصتها من الباقي وضمان التالف ، ولا يكفي الإبراء ، لأن الطلاق معلق بالاستيفاء ، إلا أن الطلاق إنما يقع عند اليأس من الاستيفاء . وأنه لو أشار إلى ذهب وحلف [ ص: 202 ] بالطلاق أنه الذي أخذه من فلان ، وشهد عدلان أنه ليس ذلك الذهب ، طلقت على الصحيح ، لأنها وإن كانت شهادة على النفي ، إلا أنه نفي يحيط العلم به . وأنه لو حلف بالطلاق أنه لا يفعل كذا ، فشهد عدلان عنده أنه فعله ، وظن صدقهما ، لزمه الأخذ بالطلاق ، وأنه لو قال : إن لم تستوفي حقك من تركة أبيك تاما فأنت طالق ، وكان إخوتها قد أتلفوا بعض التركة ، لم يقبل قولهن لإمكان البينة . فإن اعترف الزوج أنه لا يعرف الفاتحة ، لم يكن له التعيين ، وإنما يرجع إلى تعيينه إذا كان الطلاق مبهما . وأنه لو حلف بالطلاق أنه بعث فلانا إلى بيت فلان ، وعلم أن المبعوث لم يمض ، فقيل : يقع الطلاق لأنه لا يقتضي حصوله هناك ، والصحيح أنه لا طلاق لأنه يصدق أن يقال : بعثته ، فلم يمتثل ، وأنه لو كان له نسوة ففتحت إحداهن بابا ، فقال : من فتحته منكن فهي طالق . فقالت كل واحدة : أنا فتحته . فقيل : تطلق في الحال ، والصحيح أنها لا تطلق حتى يأمرها بشيء فتمتنع ، أو ينهاها عنه فتفعله ، وأنه لو قال : امرأتي طالق إن دخلت دارها قال : إن لم تطيعيني فأنت طالق ، فقالت : لا أطيعك
[ ولا دار لها ] وقت الحلف ، ثم ملكت دارا ، فدخلها ، طلقت . وأنه لو قال : إن لم تكوني الليلة في داري فأنت طالق ، ولا دار له ، ففي وقوع الطلاق وجهان ، بناء على التعليق بالمحال . وأنه لو ، فلا طلاق ، لأنه قد يظن تحريمها باليمين على ترك الجماع ، وليس اللفظ صريحا في الطلاق . قال : امرأتي هذه محرمة علي ، لا تحل لي أبدا
وقيل : يحكم بالبينونة بهذا اللفظ ، والأول أصح . وأنه لو قيل لمن يسمى زيدا : يا زيد ، فقال : امرأة زيد طالق ، طلقت امرأته .
وقيل : لا تطلق إلا أن يريد نفسه . وأنه لو ، فالصحيح أنها لا تطلق . وأنه لو قال : إن أجبت كلامي فأنت طالق ، ثم خاطب الزوج غيرها ، فأجابته وجهان ، القياس المنع . وأنه لو عزل عن القضاء ، فقال : امرأة القاضي طالق ، ففي وقوع طلاقه وجهان . وأنه لو قيل : [ ص: 203 ] طلقت امرأتك ، فقال : اعلم أن الأمر على ما تقوله ، لم يكن إقرارا بالطلاق على الأصح . وأنه جلس مع جماعة فقام ولبس خف غيره ، فقالت له : استبدلت بخفك ولبست خف غيرك ، فحلف بالطلاق أنه لم يفعل ذلك ، فإن كان خرج بعد خروج الجماعة ، ولم يبق هناك إلا ما لبسه ، لم تطلق ، لأنه لم يستبدل ، بل استبدل الخارجون قبله ، وإن بقي غيره ، طلقت . قال : إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق ، فأخرجها هو ، هل يكون إذنا ؟
قلت : هذا الكلام ضعيف في الطرفين جميعا ، بل صواب المسألة أنه إن خرج بعد خروج الجميع ، نظر ، إن قصد أني لم أجد بدله ، كان كاذبا ، فإن كان عالما بأنه أخذ بدله ، طلقت ، وإن كان ساهيا ، فعلى قولي طلاق الناسي ، وإن لم يكن قصد ، خرج على الخلاف السابق ، في أن اللفظ الذي تختلف دلالته بالوضع والعرف ، على أيهما يحمل لأن هذا يسمى استبدالا في العرف . وأما إن خرج وقد بقي بعض الجماعة ، فإن علم أن خفه مع الخارجين قبله ، فحكمه ما ذكرنا ، وإن علم أنه كان باقيا ، أو شك ، ففيه الخلاف في تعارض الوضع والعرف . والله أعلم .
وأنه لو خشبة من شجرة أخرى ، ففي وقوع الطلاق [ وجهان ] لأن النحت كالنحت ، لكن المنحوت غيره . رأى امرأته تنحت خشبة ، فقال : إن عدت إلى مثل هذا الفعل فأنت طالق ، فنحتت
قلت : الأصح الوقوع . والله أعلم .
وأنه لو ، لم تطلق . قال : إن لم تخرجي الليلة من داري فأنت طالق ، فخلعها مع أجنبي في الليل وجدد نكاحها ولم تخرج
[ ص: 204 ] وأنه لو حلف لا يخرج من البلد إلا معها ، فخرجا ، وتقدم معها بخطوات ، فوجهان . أحدهما : لا يحنث للعرف . والثاني : يحنث ، ولا يحصل البر إلا بخروجهما معا بلا تقدم ، وأنه لو حلف أن لا يضربها إلا بالواجب ، فشتمته ، فضربها بالخشب ، طلقت لأن الشتم لا يوجب الضرب بالخشب ، وإنما تستحق به التعزير ، وقيل خلافه .
قلت : الأصح ، لا تطلق هنا ، ولا مسألة التقدم بخطوات يسيرة . - والله أعلم .
وأنه لو ، انصرف ذلك إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة ، دون ما لا يقصد العلم به ، كالأكل والشرب ، ثم لا يخفى أنه لا يشترط أن تقوله على الفور ، وأنها لو سرقت منه دينارا فحلف بالطلاق لتردينه عليه ، وكانت قد أنفقته ، لا تطلق حتى يحصل اليأس من رده بالموت ، فإن تلف الدينار وهما حيان ، فوقوع الطلاق على الخلاف في الحنث بفعل المكره . قال لزوجته : إن علمت من أختي شيئا فلم تقوليه لي فأنت طالق
قلت : إن تلف بعد التمكن من الرد ، طلقت على المذهب . - والله أعلم .
وأنه لو سمع لفظ رجل بالطلاق ، وتحقق أنه سبق لسانه إليه ، لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق .
وأنه لو ، فالظاهر حمله على دم الحيض . وقيل : يتناول كل دم . وأنه لو قال : إن رأيت الدم فأنت طالق ، ففي وقوع الطلاق وجهان . قال : إن دخلت هذه الدار ، فأنت طالق ، وأشار إلى موضع من الدار ، فدخلت غير ذلك الموضع من الدار
قلت : أصحهما الوقوع ظاهرا ، لكنه إن أراد ذلك الموضع ، دين . - والله أعلم .
[ ص: 205 ] وأنه لو ، وكانتا عند التعليقين كما ذكر ، عتقت الأمة ، ولم تطلق الزوجة ، لأن الأمة عتقت عند تمام التعليق الأول ، وخرجت عن كونها أمته ، فلا يحصل شرط الطلاق . ولو قدم ذكر الأمة فقال : إن كانت أمتي في المأتم فامرأتي طالق ، وإن كانت امرأتي في الحمام ، فأمتي حرة ، فكانتا كما ذكر ، طلقت الزوجة . قال : إن كانت امرأتي في المأتم ، فأمتي حرة ، وإن كانت أمتي في الحمام ، فامرأتي طالق
ثم إن كانت رجعية ، عتقت الأمة أيضا ، وإلا فلا . ولو قال : إن كانت هذه في المأتم ، وهذه في الحمام ، فهذه حرة ، وهذه طالق ، وكانتا ، حصل العتق والطلاق . وأنه لو ؟ ] وجهان ، وكذا لو تقدم التوكيل على التعليق . قال : إن كان هذا ملكي فأنت طالق ، ثم وكل من يبيعه ، هل يكون إقرارا [ بأنه ملكه
قلت : إذا تقدم التوكيل ، يبعد وقوع الطلاق ، إذ لم يوجد حال التعليق ولا بعده ما يقتضي الإقرار ، والمختار في الحالتين أنه لا طلاق ، إذ يحتمل أن يكون وكيلا في التوكيل ببيعه ، أو كان لغيره وله عليه دين ، وقد تعذر استيفاؤه ، فيبيعه ليتملك ثمنه ، أو باعه غصبا ، أو باعه بولاية كالوالد والوصي والناظر . - والله أعلم .
وأنه لو ، فوجهان . كان بين يديه تفاحتان ، فقال لزوجته : إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق ، وقال لأمته : إن لم تأكلي الأخرى اليوم فأنت حرة ، واشتبهت التفاحتان
أحدهما : أن الطريق أن تأكل كل واحدة تفاحة ، فلا يقع عتق ولا طلاق للشك ، والثاني : تأكل كل واحدة ما ظنت هي والزوج أنها تفاحتها . ولو خالع الزوج وباع الأمة في يومه ، ثم جدد النكاح والشراء ، تخلص [ ص: 206 ] من الحنث . وقيل : يبيع الأمة للمرأة في يومه ، وتأكل المرأة التفاحتين ، وأنه لو قال لامرأتيه : كلما كلمت رجلا فأنتما طالقان ، ثم قال لرجلين : اخرجا ، طلقتا .
ولو قال : كلما كلمت رجلا فأنت طالق ، فكلم رجلين بكلمة ، طلقت طلقتين على الصحيح ، وقيل : طلقة . وأنه لو ، لم تطلق إلا إذا تزوج ثلاث نسوة ، أو اشترى ثلاثة أعبد . قال : أنت طالق إن تزوجت النساء ، أو اشتريت العبيد
وأنه لو ، حنث على الأصح . وأنه لو حلف لا يخرج من الدار ، فتعلق بغصن شجرة في الدار ، والغصن خارج ، فوقوع الطلاق على الخلاف في المكره . وأن لو قال لنسوته الأربع : من حمل منكن هذه الخشبة فهي طالق ، فحملها ثلاث منهن ، فإن كانت خشبة ثقيلة لا تستقل بحملها واحدة ، طلقن . وإن استقلت ، لم تطلق واحدة منهن . وقيل : يطلقن . قال : إن لم تصومي غدا فأنت طالق ، فحاضت
وأنه لو ، فعن قال : أنت طالق إن لم أطأك الليلة ، فوجدها حائضا أو محرمة المزني أنه حكى عن ، الشافعي ومالك ، وأبي حنيفة أنه لا طلاق ، فاعترض وقال : يقع ، لأن المعصية لا تعلق لها باليمين ، ولهذا لو حلف أن يعصي الله تعالى ، فلم يعص ، حنث .
وقيل ما قاله المزني هو المذهب ، واختيار القفال . وقيل : على القولين ، كفوات البر بالإكراه . وأنه لو ، فقيل : يحصل البر إذا جامعها وأقرت أنها أنزلت . قال : إن لم أشبعك من الجماع الليلة فأنت طالق
وقيل : يعتبر مع ذلك أن تقول : لا أريد الجماع ثانيا ، فإن كانت لا تنزل ، فيجامعها إلى أن تسكن لذاتها ، وإن لم تشته الجماع فيحتمل أن يبنى على الخلاف في التعليق بالمحال . وأن الوكيل بالطلاق إذا طلق لا يحتاج إلى نية إيقاع الطلاق عن موكله في الأصح . وأنه إن قال : إن بت عندك الليلة فأنت طالق ، فبات في مسكنها وهي غائبة ، لم تطلق . وأنه لو قال : إن لم أصطد ذلك الطائر اليوم فأنت طالق ، فاصطاد طائرا ، وادعى أنه ذلك الطائر ، [ ص: 207 ] قبل ، للاحتمال ، والأصل النكاح . فإن قال الحالف : لا أعرف الحال واحتمل الأمرين ، فيحتمل وقوع الطلاق وعدمه .
قلت : الأصح عدمه كما سبق في آخر الباب الرابع في المسألة : أنت طالق إن لم يدخل زيد اليوم الدار وجهل دخوله . - والله أعلم .
ولو وجهان يقربان من الخلاف في التعليق بالمحال . قال : أنت طالق الطلقة الرابعة ، فهل تطلق ؟