[ ص: 419 ] المسألة السادسة
nindex.php?page=treesubj&link=21371السنة ثلاثة أنواع كما تقدم : قول ، وفعل ، وإقرار بعد العلم والقدرة على الإنكار لو كان منكرا .
فأما القول ; فلا إشكال فيه ولا تفصيل .
وأما الفعل ; فيدخل تحته الكف عن الفعل لأنه فعلعند جماعة ، وعند كثير من الأصوليين أن الكف غير فعل ، وعلى الجملة ; فلا بد من الكلام على كل واحد منهما
[ ص: 420 ] فالفعل منه صلى الله عليه وسلم دليل على مطلق الإذن فيه ما لم يدل دليل على غيره ; من قول ، أو قرينة حال ، أو غيرهما ، والكلام هنا مذكور في الأصول ، ولكن الذي يخص هذا الموضع أن الفعل منه أبلغ في باب التأسي والامتثال من القول المجرد ، وهذا المعنى وإن كان محتاجا إلى بيان ; فقد ذكر ذلك في فصل البيان والإجمال وكتاب الاجتهاد من هذا الكتاب ، والحمد لله .
وأيضا فإنه وإن دل الدليل أو القرينة على خلاف مطلق الإذن ; فلا يخرج عن أنواعه ، فمطلق الإذن يشمل الواجب والمندوب والمباح ; ففعله عليه الصلاة والسلام لا يخرج عن ذلك ; فهو إما واجب أو مندوب أو مباح ، وسواء علينا أكان ذلك في حال أم كان مطلقا ; فالمطلق كسائر المفعولات له ، والذي في حال كتقريره للزاني إذ أقر عنده فبالغ في الاحتياط عليه حتى صرح له بلفظ الوطء
[ ص: 421 ] الصريح ومثله في غير هذا المحل منهي عنه ، فإنما جاز لمحل الضرورة فيتقدر بقدرها بدليل النهي عن التفحش مطلقا ، والقول هنا فعل ; لأنه معنى تكليفي لا تعريفي ; فالتعريفي هو المعدود في الأقوال ، وهو الذي يؤتى به أمرا أو نهيا أو إخبارا بحكم شرعي ، والتكليفي هو الذي لا يعرف بالحكم بنفسه من حيث هو قول ، كما أن الفعل كذلك وأما الترك ; فمحله في الأصل غير المأذون فيه ، وهو المكروه والممنوع ; فتركه عليه الصلاة والسلام دال على مرجوحية الفعل ، وهو إما مطلقا وإما في حال ; فالمتروك مطلقا ظاهر ، والمتروك في حال كتركه الشهادة لمن
[ ص: 422 ] نحل بعض ولده دون بعض ; فإنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337864أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ قال : لا قال : فأشهد غيري ; فإني لا أشهد على جور ، وهذا ظاهر
[ ص: 423 ] وقد يقع الترك لوجوه غير ما تقدم : منها : الكراهية طبعا ; كما قال في الضب وقد امتنع من أكله : إنه لم يكن بأرض قومي ; فأجدني أعافه فهذا ترك للمباح بحكم الجبلة ، ولا حرج فيه .
ومنها : الترك لحق الغير ; كما في تركه أكل الثوم والبصل لحق الملائكة ، وهو ترك مباح لمعارضة حق الغير .
ومنها : الترك خوف الافتراض ; لأنه كان يترك العمل ، وهو يحب أن يعمل به مخافة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ، كما ترك القيام في المسجد في رمضان
[ ص: 424 ] وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337865لولا أن أشقعلى أمتي لأمرتهم بالسواك ، وقال لما أعتم بالعشاء حتى رقد النساء والصبيان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337866لولا أنأشقعلى أمتي لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة .
ومنها : الترك لما لا حرج في فعله بناء على أن ما لا حرج فيه بالجزء منهي عنه بالكل ; كإعراضه عن سماع غناء الجاريتين في بيته ، وفي
[ ص: 425 ] الحديث :
لست من دد ولا دد مني والدد : اللهو وإن كان مما لا حرج فيه ; فليس كل ما لا حرج فيه يؤذن فيه ، وقد مر الكلام فيه في كتاب الأحكام
[ ص: 426 ] ومنها : ترك المباح الصرف إلى ما هو الأفضل ; فإن القسم لم يكن لازما لأزواجه في حقه ، وهو معنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء الآية [ الأحزاب : 51 ] عند جماعة من المفسرين ، ومع ذلك ; فترك ما أبيح له إلى القسم الذي هو أخلق بمكارم أخلاقه ، وترك الانتصار ممن قال له : اعدل ; فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، ونهى من
[ ص: 427 ] أراد قتله ، وترك قتل المرأة التي سمت له الشاة ، ولم يعاقب
غورث بن الحارث إذ أراد الفتك به ، وقال : من يمنعك مني ؟ الحديث
[ ص: 428 ] ومنها : الترك للمطلوب خوفا من حدوث مفسدة أعظم من مصلحة ذلك المطلوب ; كما جاء في الحديث عن
عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337868لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية ; فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت ، وأن ألصق بابه بالأرض ، وفي رواية : لأسست البيت على قواعد
إبراهيم ، ومنع من قتل أهل النفاق ، وقال : لا يتحدث الناس أن
محمدا يقتل أصحابه . وكل هذه الوجوه قد ترجع إلى الأصل المتقدم
[ ص: 429 ] أما الأول ; فلم يكن في الحقيقة من هذا النمط لأنه ليس بترك بإطلاق ، كيف وقد أكل على مائدته عليه الصلاة والسلام .
وأما الثاني ; فقد صار في حقه التناول ممنوعا أو مكروها لحق ذلك الغير ، هذا في غير مقاربة المساجد ، وأما مع مقاربتها والدخول فيها ; فهو عام فيه وفي الأمة ; فلذلك نهى آكلها عن مقاربة المسجد ، وهو راجع إلى النهي عن أكلها لمن أراد مقاربته .
وأما الثالث ; فهو من الرفق المندوب إليه ; فالترك هنالك مطلوب ، وهو راجع إلى أصل الذرائع إذا كان تركا لما هو مطلوب خوفا مما هو أشد منه ، فإذا رجع إلى النهي عن المأذون فيه خوفا من مآل لم يؤذن فيه ; صار الترك هنا مطلوبا .
وأما الرابع ; فقد تبين فيه رجوعه إلى المنهي عنه .
وأما الخامس ; فوجه النهي المتوجه على الفعل حتى حصل الترك أن
[ ص: 430 ] الرفيع المنصب مطالب بما يقتضي منصبه ، بحيث يعد خلافه منهيا عنه وغير لائق به ، وإن لم يكن كذلك في حقيقة الأمر ، حسبما جرت به العبارة عندهم في قولهم : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، إنما يريدون في اعتبارهم لا في حقيقة الخطاب الشرعي ، ولقد روي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد القسم على الزوجات ، وإقامة العدل على ما يليق به يعتذر إلى ربه ويقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337869اللهم ! هذا عملي فيما أملك ; فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك ، يريد بذلك ميل القلب
[ ص: 431 ] إلى بعض الزوجات دون بعض ; فإنه أمر لا يملك كسائر الأمور القلبية التي لا كسب للإنسان فيها أنفسها .
والذي يوضح هذا الموضع وأن المناصب تقتضي في الاعتبار الكمالي العتب على ما دون اللائق بها قصة
نوح وإبراهيم عليهما السلام في حديث الشفاعة ، وفي اعتذار
نوح عليه السلام عن أن يقوم بها ، بخطيئته وهي دعاؤه على قومه ، ودعاؤه على قومه إنما كان بعد يأسه من إيمانهم ، قالوا : وبعد قول الله له :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ هود : 36 ] وهذا يقضي بأنه دعاء مباح ; إلا أنه استقصر نفسه لرفيع شأنه أن يصدر من مثله مثل هذا ; إذ كان الأولى الإمساك عنه ، وكذلك
إبراهيم اعتذر بخطيئته ، وهي الثلاث المحكيات في الحديث بقوله : لم يكذب
إبراهيم إلا ثلاث كذبات ; فعدها كذبات وإن
[ ص: 432 ] كانت تعريضا اعتبارا بما ذكر .
والبرهان على صحة هذا التقرير ما تقدم في دليل الكتاب أن كل قضية لم ترد أو لم تبطل أو لم ينبه على ما فيها ; فهي صحيحة صادقة ، فإذا عرضنا مسألتنا على تلك القاعدة وجدنا الله تعالى حكى عن
نوح دعاءه على قومه ; فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] ولم يذكر قبله ولا بعده ما يدل على عتب ولا لوم ، ولا خروج عن مقتضى الأمر والنهي ، بل حكى أنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إنك إن تذرهم يضلوا عبادك الآية [ نوح : 27 ] ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يقل ذلك إلا بوحي من الله ; لأنه غيب وهو معنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ هود : 36 ] وكذلك قال تعالى في
إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فنظر نظرة في النجوم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89فقال إني سقيم [ الصافات : 88 ، 89 ] ولم يذكر قبل ذلك ولا بعده ما يشير إلى لوم ولا عتب ، ولا مخالفة أمر ولا نهي ، ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63قال بل فعله كبيرهم هذا [ الأنبياء : 63 ] ; فلم يقع في هذا المساق ذكر لمخالفة ، ولا إشارة إلى عتب ، بل جاء في الآية الأولى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=84إذ جاء ربه بقلب سليم [ الصافات : 84 ] ، وهو غاية في المدح بالموافقة ، وهكذا سائر المساق إلى آخر القصة .
وفي الآية الأخرى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=51ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين [ الأنبياء : 51 ] إلى آخرها ; فتضمنت الآيات مدحه ومناضلته عن
[ ص: 433 ] الحق من غير زيادة ; فدل على أن كل ما ناضل به صحيح موافق ، ومع ذلك ; فقد قال
محمد صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337870لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ،
وإبراهيم في القيامة يستقصر نفسه عن رتبة الشفاعة بما يذكره ، وكذلك
نوح ; فثبت أن إثبات الخطيئة هنا ليس من قبل مخالفة أمر الله ، بل من جهة الاعتبار من العبد فيما تطلبه به المرتبة ; فكذلك قصة
محمد عليه الصلاة والسلام في مسألة القسم .
وقد مددت في هذا الموضع بعض النفس لشرفه ، ولولا الإطالة ; لبين من هذا القبيل في شأن الأنبياء عليهم السلام ما ينشرح له الصدر ، وتطمئن إلى بيانه النفس ، مما يشهد له القرآن والسنة والقواعد الشرعية ، والله المستعان .
وفي آخر فصل الأوامر والنواهي أيضا مما يتمهد به هذا الأصل ، وقد حصل من المجموع أن الترك هنا راجع إلى ما يقتضيه النهي ، لكن النهي الاعتباري .
وأما السادس ; فظاهر أنه راجع إلى الترك الذي يقتضيه النهي لأنه من باب
[ ص: 434 ] تعارض مفسدتين ; إذ يطلب الذهاب إلى الراجح ، وينهى عن العمل بالمرجوح ، والترك هنا هو الراجح ; فعمل عليه .
[ ص: 419 ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=21371السُّنَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ : قَوْلٌ ، وَفِعْلٌ ، وَإِقْرَارٌ بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْكَارِ لَوْ كَانَ مُنْكَرًا .
فَأَمَّا الْقَوْلُ ; فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ وَلَا تَفْصِيلَ .
وَأَمَّا الْفِعْلُ ; فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْكَفُّ عَنِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ فِعْلٌعِنْدَ جَمَاعَةٍ ، وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْكَفَّ غَيْرُ فِعْلٍ ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ ; فَلَا بُدَّ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
[ ص: 420 ] فَالْفِعْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ فِيهِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِهِ ; مِنْ قَوْلٍ ، أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ ، أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَالْكَلَامُ هَنَا مَذْكُورٌ فِي الْأُصُولِ ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَخُصُّ هَذَا الْمَوْضِعَ أَنَّ الْفِعْلَ مِنْهُ أَبْلَغُ فِي بَابِ التَّأَسِّي وَالِامْتِثَالِ مِنَ الْقَوْلِ الْمُجَرَّدِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى بَيَانٍ ; فَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْبَيَانِ وَالْإِجْمَالِ وَكِتَابِ الِاجْتِهَادِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ أَوِ الْقَرِينَةُ عَلَى خِلَافِ مُطْلَقِ الْإِذْنِ ; فَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْوَاعِهِ ، فَمُطْلَقُ الْإِذْنِ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ ; فَفِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ ; فَهُوَ إِمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ ، وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالٍ أَمْ كَانَ مُطْلَقًا ; فَالْمُطْلَقُ كَسَائِرِ الْمَفْعُولَاتِ لَهُ ، وَالَّذِي فِي حَالٍ كَتَقْرِيرِهِ لِلزَّانِي إِذْ أَقَرَّ عِنْدَهُ فَبَالَغَ فِي الِاحْتِيَاطِ عَلَيْهِ حَتَّى صَرَّحَ لَهُ بِلَفْظِ الْوَطْءِ
[ ص: 421 ] الصَّرِيحِ وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، فَإِنَّمَا جَازَ لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا بِدَلِيلِ النَّهْيِ عَنِ التَّفَحُّشِ مُطْلَقًا ، وَالْقَوْلُ هُنَا فِعْلٌ ; لِأَنَّهُ مَعْنًى تَكْلِيفِيٌّ لَا تَعْرِيفِيٌّ ; فَالتَّعْرِيفِيُّ هُوَ الْمَعْدُودُ فِي الْأَقْوَالِ ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ إِخْبَارًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ، وَالتَّكْلِيفِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُعَرِّفُ بِالْحُكْمِ بِنَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَوْلٌ ، كَمَا أَنَّ الْفِعْلَ كَذَلِكَ وَأَمَّا التَّرْكُ ; فَمَحَلُّهُ فِي الْأَصْلِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ، وَهُوَ الْمَكْرُوهُ وَالْمَمْنُوعُ ; فَتَرْكُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَالٌّ عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ الْفِعْلِ ، وَهُوَ إِمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي حَالٍ ; فَالْمَتْرُوكُ مُطْلَقًا ظَاهِرٌ ، وَالْمَتْرُوكُ فِي حَالٍ كَتَرْكِهِ الشَّهَادَةَ لِمَنْ
[ ص: 422 ] نَحَلَ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ ; فَإِنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337864أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَأَشْهِدْ غَيْرِي ; فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ
[ ص: 423 ] وَقَدْ يَقَعُ التَّرْكُ لِوُجُوهٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ : مِنْهَا : الْكَرَاهِيَةُ طَبْعًا ; كَمَا قَالَ فِي الضَّبِّ وَقَدِ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي ; فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ فَهَذَا تَرْكٌ لِلْمُبَاحِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ ، وَلَا حَرَجَ فِيهِ .
وَمِنْهَا : التَّرْكُ لِحَقِّ الْغَيْرِ ; كَمَا فِي تَرْكِهِ أَكْلَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ لِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُوَ تَرْكُ مُبَاحٍ لِمُعَارَضَةِ حَقِّ الْغَيْرِ .
وَمِنْهَا : التَّرْكُ خَوْفَ الِافْتِرَاضِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ، كَمَا تَرَكَ الْقِيَامَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ
[ ص: 424 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337865لَوْلَا أَنْ أَشُقَّعَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ ، وَقَالَ لَمَّا أَعْتَمَ بِالْعَشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337866لَوْلَا أَنْأَشُقَّعَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ .
وَمِنْهَا : التَّرْكُ لِمَا لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ بِالْجُزْءِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْكُلِّ ; كَإِعْرَاضِهِ عَنْ سَمَاعِ غِنَاءِ الْجَارِيَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ، وَفِي
[ ص: 425 ] الْحَدِيثِ :
لَسْتُ مِنْ دَدٍ وَلَا دَدٌ مِنِّي وَالدَّدُ : اللَّهْوُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا حَرَجَ فِيهِ ; فَلَيْسَ كُلُّ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ يُؤْذَنُ فِيهِ ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ
[ ص: 426 ] وَمِنْهَا : تَرْكُ الْمُبَاحِ الصِّرْفِ إِلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ ; فَإِنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لِأَزْوَاجِهِ فِي حَقِّهِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ الْآيَةَ [ الْأَحْزَابِ : 51 ] عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَمَعَ ذَلِكَ ; فَتَرَكَ مَا أُبِيحَ لَهُ إِلَى الْقَسْمِ الَّذِي هُوَ أَخْلَقُ بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ ، وَتَرَكَ الِانْتِصَارَ مِمَّنْ قَالَ لَهُ : اعْدِلْ ; فَإِنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، وَنَهَى مَنْ
[ ص: 427 ] أَرَادَ قَتْلَهُ ، وَتَرَكَ قَتْلَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَمَّتْ لَهُ الشَّاةَ ، وَلَمْ يُعَاقِبْ
غَوْرَثَ بْنَ الْحَارِثِ إِذْ أَرَادَ الْفَتْكَ بِهِ ، وَقَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ الْحَدِيثَ
[ ص: 428 ] وَمِنْهَا : التَّرْكُ لِلْمَطْلُوبِ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ ; كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ
عَائِشَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337868لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ ; فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : لَأَسَّسْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَمَنَعَ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ النِّفَاقِ ، وَقَالَ : لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ
مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ . وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ تَرْجِعُ إِلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ
[ ص: 429 ] أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذَا النَّمَطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْكٍ بِإِطْلَاقٍ ، كَيْفَ وَقَدْ أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَأَمَّا الثَّانِي ; فَقَدْ صَارَ فِي حَقِّهِ التَّنَاوُلُ مَمْنُوعًا أَوْ مَكْرُوهًا لِحَقِّ ذَلِكَ الْغَيْرِ ، هَذَا فِي غَيْرِ مُقَارَبَةِ الْمَسَاجِدِ ، وَأَمَّا مَعَ مُقَارَبَتِهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا ; فَهُوَ عَامٌّ فِيهِ وَفِي الْأُمَّةِ ; فَلِذَلِكَ نَهَى آكِلَهَا عَنْ مُقَارَبَةِ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى النَّهْيِ عَنْ أَكْلِهَا لِمَنْ أَرَادَ مُقَارَبَتَهُ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ ; فَهُوَ مِنَ الرِّفْقِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ ; فَالتَّرْكُ هُنَالِكَ مَطْلُوبٌ ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِ الذَّرَائِعِ إِذَا كَانَ تَرْكًا لِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ خَوْفًا مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ خَوْفًا مِنْ مَآلٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ ; صَارَ التَّرْكُ هُنَا مَطْلُوبًا .
وَأَمَّا الرَّابِعُ ; فَقَدْ تَبَيَّنَ فِيهِ رُجُوعُهُ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَأَمَّا الْخَامِسُ ; فَوَجْهُ النَّهْيِ الْمُتَوَجَّهِ عَلَى الْفِعْلِ حَتَّى حَصَلَ التَّرْكُ أَنَّ
[ ص: 430 ] الرَّفِيعَ الْمَنْصِبِ مُطَالَبٌ بِمَا يَقْتَضِي مَنْصِبُهُ ، بِحَيْثُ يُعَدُّ خِلَافُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَغَيْرَ لَائِقٍ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ ، حَسْبَمَا جَرَتْ بِهِ الْعِبَارَةُ عِنْدَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ : حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ فِي اعْتِبَارِهِمْ لَا فِي حَقِيقَةِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ ، وَلَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ بَعْدَ الْقَسْمِ عَلَى الزَّوْجَاتِ ، وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ يَعْتَذِرُ إِلَى رَبِّهِ وَيَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337869اللَّهُمَّ ! هَذَا عَمَلِي فِيمَا أَمْلِكُ ; فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ مَيْلَ الْقَلْبِ
[ ص: 431 ] إِلَى بَعْضِ الزَّوْجَاتِ دُونَ بَعْضٍ ; فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا يُمْلَكُ كَسَائِرِ الْأُمُورِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا أَنْفُسِهَا .
وَالَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا الْمَوْضِعَ وَأَنَّ الْمَنَاصِبَ تَقْتَضِي فِي الِاعْتِبَارِ الْكَمَالِيِّ الْعَتْبَ عَلَى مَا دُونَ اللَّائِقِ بِهَا قِصَّةُ
نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ ، وَفِي اعْتِذَارِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا ، بِخَطِيئَتِهِ وَهِيَ دُعَاؤُهُ عَلَى قَوْمِهِ ، وَدُعَاؤُهُ عَلَى قَوْمِهِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ يَأْسِهِ مِنْ إِيمَانِهِمْ ، قَالُوا : وَبَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [ هُودٍ : 36 ] وَهَذَا يَقْضِي بِأَنَّهُ دُعَاءٌ مُبَاحٌ ; إِلَّا أَنَّهُ اسْتَقْصَرَ نَفْسَهُ لِرَفِيعِ شَأْنِهِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ مِثْلِهِ مِثْلُ هَذَا ; إِذْ كَانَ الْأَوْلَى الْإِمْسَاكَ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ
إِبْرَاهِيمُ اعْتَذَرَ بِخَطِيئَتِهِ ، وَهِيَ الثَّلَاثُ الْمَحْكِيَّاتُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ : لَمْ يَكْذِبْ
إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ ; فَعَدَّهَا كِذْبَاتٍ وَإِنْ
[ ص: 432 ] كَانَتْ تَعْرِيضًا اعْتِبَارًا بِمَا ذُكِرَ .
وَالْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّقْرِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي دَلِيلِ الْكِتَابِ أَنَّ كُلَّ قَضِيَّةٍ لَمْ تُرَدَّ أَوْ لَمْ تَبْطُلْ أَوْ لَمْ يُنَبَّهْ عَلَى مَا فِيهَا ; فَهِيَ صَحِيحَةٌ صَادِقَةٌ ، فَإِذَا عَرَضْنَا مَسْأَلَتَنَا عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى حَكَى عَنْ
نُوحٍ دُعَاءَهُ عَلَى قَوْمِهِ ; فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [ نُوحٍ : 26 ] وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَتْبٍ وَلَا لَوْمٍ ، وَلَا خُرُوجٍ عَنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، بَلْ حَكَى أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ الْآيَةَ [ نُوحٍ : 27 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ غَيْبٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [ هُودٍ : 36 ] وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي
إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=88فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [ الصَّافَّاتِ : 88 ، 89 ] وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ مَا يُشِيرُ إِلَى لَوْمٍ وَلَا عَتْبٍ ، وَلَا مُخَالَفَةِ أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [ الْأَنْبِيَاءِ : 63 ] ; فَلَمْ يَقَعْ فِي هَذَا الْمَسَاقِ ذِكْرٌ لِمُخَالَفَةٍ ، وَلَا إِشَارَةٍ إِلَى عَتْبٍ ، بَلْ جَاءَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=84إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [ الصَّافَّاتِ : 84 ] ، وَهُوَ غَايَةٌ فِي الْمَدْحِ بِالْمُوَافَقَةِ ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْمَسَاقِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ .
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=51وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 51 ] إِلَى آخِرِهَا ; فَتَضَمَّنَتِ الْآيَاتُ مَدْحَهُ وَمُنَاضَلَتَهُ عَنِ
[ ص: 433 ] الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا نَاضَلَ بِهِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ ; فَقَدْ قَالَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337870لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ ،
وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْقِيَامَةِ يَسْتَقْصِرُ نَفْسَهُ عَنْ رُتْبَةِ الشَّفَاعَةِ بِمَا يَذْكُرُهُ ، وَكَذَلِكَ
نُوحٌ ; فَثَبَتَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْخَطِيئَةِ هُنَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ ، بَلْ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِبَارِ مِنَ الْعَبْدِ فِيمَا تَطْلُبُهُ بِهِ الْمَرْتَبَةُ ; فَكَذَلِكَ قِصَّةُ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَسْمِ .
وَقَدْ مَدَدْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ النَّفَسِ لِشَرَفِهِ ، وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ ; لِبُيِّنَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ ، وَتَطْمَئِنُّ إِلَى بَيَانِهِ النَّفْسُ ، مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَفِي آخِرِ فَصْلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي أَيْضًا مِمَّا يَتَمَهَّدُ بِهِ هَذَا الْأَصْلُ ، وَقَدْ حَصَلَ مِنَ الْمَجْمُوعِ أَنَّ التَّرْكَ هُنَا رَاجِعٌ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ ، لَكِنِ النَّهْيُ الِاعْتِبَارِيُّ .
وَأَمَّا السَّادِسُ ; فَظَاهِرٌ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى التَّرْكِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
[ ص: 434 ] تَعَارُضِ مَفْسَدَتَيْنِ ; إِذْ يَطْلُبُ الذَّهَابَ إِلَى الرَّاجِحِ ، وَيَنْهَى عَنِ الْعَمَلِ بِالْمَرْجُوحِ ، وَالتَّرْكُ هُنَا هُوَ الرَّاجِحُ ; فَعَمِلَ عَلَيْهِ .