الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 101 ] ذكر من توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمشهور أنه قتل في التي بعدها ، كما سيأتي بيانه ، إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مسلمة بن عبد الملك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي ، أبو سعيد وأبو الأصبغ الدمشقي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عساكر : وداره بدمشق في محلة القباب عند باب الجامع القبلي ، ولي الموسم أيام أخيه الوليد وغزا الروم غزوات ، وحاصر القسطنطينية ، وولاه أخوه يزيد إمرة العراقين ثم عزله ، وولي إرمينية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحديث عن عمر بن عبد العزيز وعنه عبد الملك بن أبي عثمان ، وعبيد الله بن قزعة ، وعيينة والد سفيان بن عيينة ، وابن أبي عمران ، ومعاوية بن خديج ، ويحيى بن يحيى الغساني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الزبير بن بكار : كان من رجال بني أمية وكان يلقب بالجرادة الصفراء ، وله آثار كثيرة وحروب ونكاية في الروم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد فتح حصونا كثيرة من بلاد الروم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 102 ] ولما ولي إرمينية غزا الترك فبلغ باب الأبواب فهدم المدينة التي عنده ، ثم أعاد بناءها بعد تسع سنين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي سنة ثمان وتسعين غزا القسطنطينية فحاصرها ، وافتتح مدينة الصقالبة وكسر ملكهم البرجان ثم عاد إلى محاصرة القسطنطينية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الأوزاعي : فأخذه ، وهو يغازيهم ، صداع عظيم في رأسه ، فبعث ملك الروم إليه بقلنسوة ، وقال : ضعها على رأسك يذهب صداعك . فخشي أن تكون مكيدة ، فوضعها على رأس بهيمة ، فلم ير إلا خيرا ، ثم وضعها على رأس بعض أصحابه فلم ير إلا خيرا ، فوضعها على رأسه فذهب صداعه ، ففتقها فإذا فيها مكتوب سبعون سطرا هذه الآية مكررة : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا [ فاطر : 41 ] . رواه ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد لقي مسلمة في حصاره القسطنطينية شدة عظيمة ، وجاع المسلمون عندها جوعا شديدا ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أرسل إليهم البريد يأمرهم بالرجوع إلى الشام ، فحلف مسلمة أن لا يقلع عنهم حتى يبنوا له جامعا كبيرا بالقسطنطينية فبنوا له جامعا ومنارة ، فهو بها إلى الآن يصلي فيه المسلمون الجمعة والجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 103 ] قلت : وهي آخر ما يفتحه المسلمون قبل خروج الدجال في آخر الزمان ، كما سنورده في الملاحم والفتن من كتابنا هذا إن شاء الله ، ونذكر الأحاديث الواردة في ذلك هناك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبالجملة كانت لمسلمة مواقف مشهورة ومساع مشكورة ، وغزوات متتالية ومنثورة ، وقد افتتح حصونا وقلاعا ، وأحيا بعزمه وحزمه قصورا وبقاعا ، وكان في زمانه نظير خالد بن الوليد في أيامه ، في كثرة مغازيه ، وكثرة فتوحه ، وقوة عزمه ، وشدة بأسه ، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه ، هذا مع الكرم والفصاحة ، والرياسة والسماحة ، والأصالة والرجاحة ، والدين والعفة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن كلامه الحسن قوله : مروءتان ظاهرتان ; الرياش والفصاحة . وقال يوما لنصيب الشاعر : سلني . قال : لا . قال : ولم ؟ قال : لأن كفك بالجزيل أكثر من مسألتي باللسان . فأعطاه ألف دينار . وقال أيضا : الأنبياء لا يتثاءبون كما يتثاءب الناس ، ما تثاءب نبي قط . وقد أوصى بثلث ماله لأهل الأدب ، وقال : إنها صناعة مجفو أهلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الوليد بن مسلم وغيره : توفي يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم ، [ ص: 104 ] سنة إحدى وعشرين ومائة . وقيل : في سنة عشرين ومائة . وكانت وفاته بموضع يقال له : الحانوت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رثاه بعضهم ، وهو ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أقول وما البعد إلا الردى أمسلم لا تبعدن مسلمه     فقد كنت نورا لنا في البلاد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مضيئا فقد أصبحت مظلمه     ونكتم موتك نخشى اليقين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأبدى اليقين عن الجمجمه



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نمير بن أوس الأشعري قاضي دمشق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، تابعي جليل ، روى عن حذيفة مرسلا وأبي موسى مرسلا وأبي الدرداء وعن معاوية مرسلا ، وغير واحد من التابعين ، وحدث عنه جماعة كثيرون ، منهم الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، ويحيى بن الحارث الذماري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولاه هشام بن عبد الملك القضاء بدمشق بعد عبد الرحمن بن الخشخاش العذري ثم استعفى هشاما فأعفاه وولى مكانه يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك . وكان نمير هذا لا يحكم باليمين مع الشاهد ، وكان يقول : الآداب من الآباء ، والصلاح من الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 105 ] قال غير واحد : توفي سنة إحدى وعشرين ومائة . وقيل : سنة ثنتين وعشرين ومائة . وقيل : سنة خمس عشرة ومائة . وهو غريب . والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية