الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطرف الثاني : فيما يستنجى منه .

                                                                                                                والاستنجاء طلب إزالة النجو ، وقيل : إزالة الشيء عن موضعه ، وتخليصه منه . استنجيت الرطب ، ونجوته ، وأجنيته ، والنجو الفضلة المستقذرة سميت بذلك ; لأن النجو جمع نجوة ، وهي المكان المرتفع ، فلما كان الناس يستترون بها غالبا سميت بها لتلازمها ، وقيل : من نجوت العود أي : قشرته ، وقيل : من النجاء ، وهو الخلاص من الشيء ، وكذلك سميت غائطا ; لأن الغائط هو المكان المطمئن ، والغالب إلقاؤها فيه ، فلما لازمها سمي بها ، وكذلك سمي برازا بفتح الباء ; لأن البراز هو المتسع من الأرض كانوا يذهبون إليه لقضاء الحاجة ، فسميت به لذلك ، وسمي خلاء لأنه يذهب بسببها إلى المكان الخالي .

                                                                                                                والاستجمار : طلب استعمال الجمار ، وهي الحجارة ، جمع جمرة ، وهي الحصاة ، ومنه الجمار في الحج ، وقيل : من الاستجمار بالبخور ، والحجر يطيب الموضع كما يطيبه البخور ، ولذلك سمي استطابة لما فيه من تطييب الموضع ، والاستبراء : طلب البراءة من الحدث ; لأن الاستفعال في لغة العرب غالبا لطلب الفعل كالاستسقاء لطلب السقي ، والاستفهام لطلب الفهم .

                                                                                                                إذا تقررت معاني هذه الألفاظ ، ففي الجواهر : الاستنجاء يكون عما يخرج من المخرجين معتادا سوى الريح ، فإن المقصود إزالة عين النجاسة ، وهي زائلة في الريح ، ولقوله عليه السلام : ( ليس منا من استنجى من الريح ) ويجوز الاستجمار فيما عدا المني ، وكذلك المذي على المشهور ، ولما في أبي داود عنه عليه السلام : ( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط ، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن ، فإنها تجزئ [ ص: 207 ] عنه ) .

                                                                                                                قال الشيخ أبو بكر ، وغيره : ويجزئ أيضا في النادر كالحصى ، والدم ، والدود .

                                                                                                                وأما المني ، والمذي ، فلا يستنجي منهما ؛ لما فيهما من التخيط الذي يوجب نشرهما بالحجر ونحوه ، ولأن الحديث إنما جاء فيما يذهب فيه إلى الغائط ، وهذان لا يذهب فيهما إلى الغائط . قال صاحب الطراز : جوز القاضي الاستجمار من الدم ، والقيح ، وشبهه ، ويحتمل المنع ; لأن الأصل في النجاسة الغسل ، وترك ذلك في البول والغائط للضرورة ، ولا ضرورة ها هنا .

                                                                                                                وأما الحصى والدود يخرجان جافين ، فعند الباجي هو طاهر كالريح لا يستنجي منه ، ولأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة عين النجاسة ، وليس ها هنا عين ، وإن وجد فيه أدنى بلة عفي عنها كأثر الاستجمار ، وإن كانت البلة كثيرة استجمر منها لأنها من جنس ما يستجمر منه بخلاف الدم .

                                                                                                                فرعان له أيضا :

                                                                                                                الأول : المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول لتعديه مخرجه إلى جهة المقعدة ، وكذلك الخصي .

                                                                                                                الثاني : يجب على الثيب أن تغسل من فرجها ما تغسل البكر ; لأن مخرج البول قبل مخرج البكارة والثيوبة ، وإنما تختلفان في الغسل من الحيض ، فتغسل الثيب كل شيء ظهر من فرجها حالة جلوسها ، والبكر ما دون العذرة ، ويحتمل أن يقال : إن البول يجري عليه وإليه فيغسل ، والأول أظهر ; لأن الشرع جعله من حكم الباطن بدليل أنه لا يستحب غسله في الجنابة كالفم والأنف .

                                                                                                                وفي الجواهر : ويجب غسل الذكر كله من المذي خلافا ح ، و ش لما في الموطأ أن المقداد سأله عليه السلام عن الرجل يدنو من أهله فيخرج منه المذي ، فقال عليه السلام : ( إذا وجد أحدكم ذلك ، فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة ) ، والفرج ظاهر في جملة الذكر ، وقال الشيخ أبو بكر بن المنتاب : يغسل موضع [ ص: 208 ] الأذى خاصا قياسا على البول ، فعلى القول الأول : تجب النية في الغسل لأنه عبادة لتعدية الغسل محل الأذى ، وقيل : لا تجب لأنه من باب إزالة النجاسة ، وتعدية محله معلل بقطع أصل المذي ، والمذي بالذال المعجمة الساكنة ، وتخفيف الياء ، والذال المتحركة ، وتشديد الياء .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية