الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن إبراهيم الدورقي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والحسين بن الحسن المروزي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو عمر الدوري أحد القراء المشاهير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومحمد بن مصفى الحمصي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 446 ] ودعبل بن علي بن رزين بن سليمان الخزاعي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مولاهم الشاعر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الماجن البليغ في المدح وفي الهجاء أكثر . قال : حضر يوما عند سهل بن هارون الكاتب وكان بخيلا ، فاستدعى بغدائه فإذا ديك في قصعة ، وإذا هو عاس لا يقطعه سكين ، ولا يعمل فيه ضرس فقد رأسه ، فقال للطباخ : ويلك ماذا صنعت به ؟ أين رأسه ؟ قال : ظننت أنك لا تأكله فألقيته . فقال : ويحك ، والله إني لأعيب على من يلقي الرجلين فكيف بالرأس ، وفيه الحواس الأربع ، ومنه يصوت ، وبه فضل ، وعيناه يضرب بهما المثل ، وعرفه وبه يتبرك ، وعظمه أهش العظام ، فإن كنت رغبت عن أكله فأحضره . فقال : لا أدري أين هو . فقال : بل أنا أدري ، هو في بطنك قاتلك الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن أبي الحواري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واسمه عبد الله بن ميمون بن [ ص: 447 ] عباس بن الحارث أبو الحسن التغلبي الغطفاني أحد الزهاد المشهورين ، والعباد المذكورين ، والأبرار المشكورين ذوي الأحوال الصالحة ، والكرامات الصادقة أصله من الكوفة وسكن دمشق وتتلمذ للشيخ أبي سليمان الداراني ، رحمهما الله . وروى الحديث عن سفيان بن عيينة ، ووكيع ، وأبي أسامة ، وخلق . وعنه أبو داود ، وابن ماجه ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة الدمشقي ، وأبو زرعة الرازي ، وخلق كثير ، ذكره أبو حاتم فأثنى عليه . وقال يحيى بن معين : إني لأظن أن الله يسقي أهل الشام به . وكان الجنيد بن محمد يقول : هو ريحانة الشام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى الحافظ ابن عساكر أنه كان قد عاهد أبا سليمان الداراني ألا يغضبه ولا يخالفه ، فجاءه يوما وهو يحدث الناس فقال : يا سيدي ، قد سجروا التنور فماذا تأمر ؟ فلم يرد عليه أبو سليمان ; لشغله بالناس ، ثم أعادها أحمد ثانية وثالثة ، فقال له في الثالثة : اذهب فاقعد فيه . ثم اشتغل أبو سليمان في حديث الناس ثم استفاق فقال لمن حضره : إني قلت لأحمد : اذهب فاقعد في التنور ، [ ص: 448 ] وإني أخشى أن يكون قد فعل ذلك ، فقوموا بنا إليه ، فذهبوا فوجدوه جالسا في التنور ، ولم يحترق منه شعرة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي أيضا أن أحمد بن أبي الحواري أصبح ذات يوم وقد ولد له ولد ولا يملك شيئا يصلح به الولد ، فقال لخادمه : اذهب فاستدن لنا وزنة من دقيق ، فبينما هو في ذلك إذ جاءه رجل بمائتي درهم فوضعها بين يديه ، فدخل عليه رجل في تلك الساعة فقال : يا أحمد ، إنه قد ولد لي الليلة ولد ولا أملك شيئا . فرفع أحمد طرفه إلى السماء وقال : يا مولاي ، هكذا بالعجلة ! وقال للرجل : خذ هذه الدراهم لك ، ولم يأخذ منها درهما ، واستدان لأهله دقيقا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى عنه خادمه أنه خرج إلى الثغر للرباط ، فما زالت الهدايا تفد إليه من بكرة النهار إلى الزوال ، ثم فرقها كلها إلى وقت الغروب ، ثم قال لي : كن هكذا لا ترد على الله شيئا ، ولا تدخر عنه شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما جاءت المحنة زمن المأمون إلى دمشق بخلق القرآن ، عين فيها أحمد بن أبي الحواري ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن ذكوان ، فكلهم أجابوا إلا أحمد بن أبي الحواري ، فحبس بدار الحجارة ، ثم [ ص: 449 ] هدد فأجاب تورية مكرها ، ثم أطلق رحمه الله ، وقد قام ليلة بالثغر يكرر هذه الآية إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة : 5 ] حتى أصبح ، وقد ألقى كتبه في البحر وقال : نعم الدليل كنت لي على الله وإليه ، ولكن الاشتغال بالدليل بعد معرفة المدلول عليه والوصول إليه محال ، ومن كلامه : لا دليل على الله سواه ، وإنما يطلب العلم لآداب الخدمة . وقال : من عرف الدنيا زهد فيها ، ومن عرف الآخرة رغب فيها ، ومن عرف الله آثر رضاه ، وقال : من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه ، وقال : قلت لأبي سليمان الداراني في ابتداء أمري : أوصني . فقال : أمستوص أنت ؟ فقلت : نعم إن شاء الله تعالى . فقال : خالف نفسك في كل مراد لها ; فإنها الأمارة بالسوء ، وإياك أن تحقر أحدا من المسلمين ، واجعل طاعة الله دثارا ، والخوف منه شعارا ، والإخلاص زادا ، والصدق جنة ، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها : إنه من استحيى من الله في كل أوقاته وأحواله وأفعاله بلغه إلى مقام الأولياء من عباده . قال : فجعلت هذه الكلمات أمامي ، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها ، والصحيح أنه مات في هذه السنة ، وقيل : في سنة ثلاثين ومائتين . وقيل غير ذلك ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية