الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 82 ] الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وخالفنا بعض الناس في شيء من المحيض والمستحاضة وقال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام فإن امرأة رأت الدم يوما ، أو يومين ، أو بعض يوم ثالث ولم تستكمله فليس هذا بحيض وهي طاهر تقضي الصلاة فيه ولا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام فما جاوز العشرة بيوم ، أو أقل ، أو أكثر فهو استحاضة ولا يكون بين حيضتين أقل من خمسة عشر ( قال الشافعي ) فقيل لبعض من يقول هذا القول : أرأيت إذا قلت لا يكون شيء وقد أحاط العلم أنه يكون أتجد قولك لا يكون إلا خطأ عمدته فيجب أن تأثم به ، أو تكون غباوتك شديدة ولا يكون لك أن تقول في العلم .

( قال ) لا يجوز إلا ما قلت إن لم تكن فيه حجة ، أو تكون ( قلت ) قد رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما ولا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن ولم يزلن يحضن أقل من ثلاث وعن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر يوما وعن امرأة ، أو أكثر أنها لم تزل تحيض ثلاث عشرة فكيف زعمت أنه لا يكون ما قد علمنا أنه يكون ؟ ، ( قال الشافعي ) فقال إنما قلته لشيء قد رويته عن أنس بن مالك فقلت له أليس حديث الجلد بن أيوب فقال بلى فقلت فقد أخبرني ابن علية عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك [ ص: 83 ] أنه قال قرء المرأة ، أو قرء حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى انتهى إلى عشر فقال لي ابن علية الجلد بن أيوب أعرابي لا يعرف الحديث ، وقال لي قد استحيضت امرأة من آل أنس فسئل ابن عباس عنها فأفتى فيها وأنس حي فكيف يكون عند أنس ما قلت من علم الحيض ويحتاجون إلى مسألة غيره فيما عنده فيه علم ونحن وأنت لا نثبت حديثا عن الجلد ويستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا وأنت تترك الرواية الثابتة عن أنس فإنه قال : إذا تزوج الرجل المرأة وعنده نساء فللبكر المتزوجة سبع وللثيب ثلاث وهو يوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم فتدع السنة وقول أنس وتزعم أنك قبلت قول ابن عباس على ما يعرف خلافه ، قال أفيثبت عندك عن أنس ؟ قلت : لا ولا عند أحد من أهل العلم بالحديث ولكني أحببت أن تعلم أني أعلم أنك إنما تتستر بالشيء ليست لك فيه حجة قال فلو كان ثابتا عن أنس بن مالك .

( قلت ) ليس بثابت فتسأل عنه قال فأجب على أنه ثابت . وليس فيه لو كان ثابتا حرف مما قلت قال : وكيف ؟ قلت : لو كان إنما أخبر أنه قد رأى من تحيض ثلاثا وما بين ثلاث وعشر كان إنما أراد - إن شاء الله تعالى - أن حيض المرأة كما تحيض لا تنتقل التي تحيض ثلاثا إلى عشر ولا تنتقل التي تحيض عشرا إلى ثلاث ، وأن الحيض كلما رأت الدم ولم يقل لا يكون الحيض أقل من ثلاث ، ولا أكثر من عشر وهو - إن شاء الله كان أعلم - ممن يقول لا يكون خلق من خلق الله لا يدري لعله كان أو يكون ( قال الشافعي ) : ثم زاد الذي يقول هذا القول الذي لا أصل له وهو يزعم أنه لا يجوز أن يقول قائل في حلال ، أو حرام إلا من كتاب ، أو سنة ، أو إجماع ، أو قياس على واحد من هذا فقال أحدهم لو : كان حيض امرأة عشرة معروفة لها ذلك فانتقل حيضها فرأت الدم يوما ، ثم ارتفع عنها أياما ، ثم رأته اليوم العاشر من مبتدأ حيضها كانت حائضا في اليوم الأول والثمان التي رأت فيها الطهر واليوم العاشر الذي رأت فيه الدم .

( قال الشافعي ) : ثم زاد فقال لو كانت المسألة بحالها إلا أنها رأت الحيض بعد اليوم العاشر خمسا ، أو عشرا كانت في اليوم الأول والثمانية بعده حائضا ولا أدري أقال اليوم العاشر وفيما بعده مستحاضة طاهر ، أو قال فيما بعد العاشر مستحاضة طاهر فعاب صاحبه قوله عليه فسمعته يقول : سبحان الله ، ما يحل لأحد أخطأ بمثل هذا أن يفتي أبدا فجعلها في أيام ترى الدم طاهرا وأيام ترى الطهر حائضا وخالفه في المسألتين فزعم في الأولى أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية واليوم العاشر وزعم في الثانية أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية بعده حائض في اليوم العاشر وما بعده إلى أن تكمل عشرة أيام .

ثم زعم أنها لو حاضت ثلاثا أولا ورأت الطهر أربعا ، أو خمسا ، ثم حاضت ثلاثا ، أو يومين كانت حائضا أيام رأت الدم وأيام رأت الطهر ، وقال إنما يكون الطهر الذي بين الحيضتين حيضا إذا كانت الحيضتان أكثر منه ، أو مثله فإذا كان الطهر أكثر منهما فليس بحيض ( قال الشافعي ) فقلت له لقد عبت معيبا وما أراك إلا قد دخلت في قريب مما عبت ولا يجوز أن تعيب شيئا ، ثم تقول به ( قال ) إنما قلت إذا كان الدمان اللذان بينهما الطهر أكثر ، أو مثل الطهر .

( قال الشافعي ) فقلت له : فمن قال لك هذا ( قال ) فبقول ماذا قلت لا يكون الطهر حيضا فإن قلته أنت قلت فمحال لا يشكل أفقلته بخبر قال لا قلت أفبقياس قال لا قلت فمعقول قال نعم إن المرأة لا تكون ترى الدم أبدا ولكنها تراه مرة وينقطع عنها أخرى ( قلت ) فهي في الحال التي تصفه منقطعا استدخلت ( قلت ) إذا استثفرت شيئا فوجدت دما وإن لم يكن يثج وأقل ذلك أن يكون حمرة ، أو كدرة فإذا رأت [ ص: 84 ] الطهر لم تجد من ذلك شيئا لم يخرج مما استدخلت من ذلك إلا البياض ( قال ) فلو رأت ما تقول من القصة البيضاء يوما ، أو يومين ثم عاودها الدم في أيام حيضها ( قلت ) إذا تكون طاهرا حين رأت القصة البيضاء إلى أن ترى الدم ولو ساعة قال فمن قال هذا قلت ابن عباس قال إنه ليروى عن ابن عباس قلت نعم ثابتا عنه وهو معنى القرآن والمعقول قال وأين ؟ .

قلت أرأيت إذ أمر الله عز وجل باعتزال النساء في المحيض وأذن بإتيانهن إذا تطهرن عرفت ، أو نحن المحيض إلا بالدم والطهر إلا بارتفاعه ورؤية القصة البيضاء . قال : لا قلت أرأيت امرأة كان حيضها عشرة كل شهر ، ثم انتقل فصار كل شهرين ، أو كل سنة ، أو بعد عشر سنين ، أو صار بعد عشر سنين حيضها ثلاثة أيام فقالت أدع الصلاة في وقت حيضي وذلك عشر في كل شهر قال ليس ذلك لها قلت والقرآن يدل على أنها حائض إذا رأت الدم وغير حائض إذا لم تره . قال : نعم قلت : وكذلك المعقول قال : نعم قلت : فلم لا تقول بقولنا تكون قد وافقت القرآن والمعقول ؟ فقال بعض من حضره : بقيت خصلة هي التي تدخل عليكم قلت وما هي قال أرأيت إذا حاضت يوما وطهرت يوما عشرة أيام أتجعل هذا حيضا واحدا ، أو حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قلت بل حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قال وإن كانت مطلقة فقد انقضت عدتها في ستة أيام ( قال الشافعي ) فقلت لقائل هذا القول : ما أدري أنت في قولك الأول أضعف حجة أم في هذا القول قال وما في هذا القول من الضعف ؟ قلت : احتجاجك بأن جعلتها مصلية يوما وتاركة للصلاة يوما بالعدة وبين هذا فرق .

قال فما تقول ؟ قلت : لا ولا للصلاة من العدة سبيل قال فكيف ذلك ؟ .

قلت : أرأيت المؤيسة من الحيض التي لم تحض والحامل أليس يعتددن ولا يدعن الصلاة حتى تنقضي عدتهن أم لا تخلو عددهن حتى يدعن الصلاة في بعضها أياما كما تدعها الحائض قال بل يعتددن ولا يدعن الصلاة قلت : فالمرأة تطلق فيغمى عليها أو تجن ، أو يذهب عقلها أليس تنقضي عدتها ولم تصل صلاة واحدة قال بلى قلت فكيف زعمت أن عدتها تنقضي ولم تصل أياما وتدع الصلاة أياما ؟ قال من ذهاب عقلها وأن العدة ليست من الصلاة قلت أفرأيت المرأة التي تحيض حيض النساء وتطهر طهرهن إن اعتدت ثلاث حيض ، ثم ارتابت في نفسها قال فلا تنكح حتى تستبرئ قلت : فتكون معتدة لا بحيض ولا بشهور ولكن باستبراء قال نعم إذا آنست شيئا تخاف أن يكون حملا . قلت : وكذلك التي تعتد بالشهور وإن ارتابت كفت عن النكاح قال نعم قلت ; لأن البريئة إذا كانت مخالفة غير البريئة قال نعم والمرأة تحيض يوما وتطهر يوما أولى أن تكون مرتابة وغير بريئة من الحمل ممن سميت وقد عقلنا عن الله عز وجل أن في العدة معنيين : براءة وزيادة تعبد بأنه جعل عدة الطلاق ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء وجعل عدة الحامل وضع الحمل وذلك غاية البراءة وفي ثلاثة قروء براءة وتعبد ; لأن حيضتهن مستقيمة تبرئ فعقلنا أن لا عدة إلا وفيها براءة ، أو براءة وزيادة ; لأن العدة لم تكن أقل من ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء ، أو أربعة أشهر وعشر ، أو وضع حمل والحائض يوما وطاهر يوما ليست في معنى براءة وقد لزمك بأن أبطلت عدة الحيض والشهور وباينت بها إلى البراءة إذا ارتابت كما زعمت أنه يلزمنا في التي تحيض يوما وتدع يوما .

التالي السابق


الخدمات العلمية