الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ست الشام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واقفة المدرستين البرانية والجوانية الخاتون الجليلة ست الشام بنت أيوب بن شاذي ، أخت الملوك وعمة أولادهم ، كان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكا ، منهم شقيقها المعظم توران شاه بن أيوب صاحب اليمن ، وهو مدفون عندها في تربتها في القبر القبلي من الثلاثة ، وفي الأوسط منها زوجها وابن عمها ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي صاحب حمص ، وكانت قد تزوجته بعد أبي ابنها حسام الدين عمر بن لاجين ، وهي وابنها حسام الدين محمد بن عمر في القبر الثالث ، وهو الذي يلي مكان الدرس ، ويقال للتربة والمدرسة : الحسامية ، نسبة إلى ابنها هذا حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 84 ] وكانت ست الشام من أكثر النساء صدقة وإحسانا إلى الفقراء والمحاويج ، وكانت تعمل في كل سنة في دارها بألوف من الذهب أشربة وأدوية وعقاقير وغير ذلك ، وتفرقه على الناس . وكانت وفاتها يوم الجمعة آخر النهار السادس عشر من ذي القعدة من هذه السنة في دارها التي جعلتها مدرسة ، وهي عند المارستان ، وهي الشامية الجوانية ، ونقلت منها إلى تربتها بالشامية البرانية ، وكانت جنازتها عظيمة حافلة ، رحمها الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو البقاء صاحب " الإعراب " و " اللباب "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الله بن الحسين بن عبد الله ، الشيخ أبو البقاء العكبري الضرير النحوي الحنبلي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب إعراب القرآن العزيز ، وكتاب " اللباب " في النحو ، وله حواش على " المقامات " ، و " مفصل الزمخشري " ، " وديوان المتنبي " ، وغير ذلك ، وله في الحساب وغيره ، وكان صالحا دينا ، مات وقد قارب الثمانين ، رحمه الله ، وكان إماما في اللغة والحساب والنحو ، فقيها مناظرا عارفا بالأصلين والفقه ، وحكى القاضي ابن خلكان عنه أنه ذكر في شرح " المقامات " أن عنقاء مغربا كانت تأتي إلى جبل شاهق عند أصحاب الرس ، فربما اختطفت بعض أولادهم ، فشكوها إلى نبيهم حنظلة بن صفوان ، فدعا عليها فهلكت . قال : وكان وجهها كوجه الإنسان ، وفيها شبه من كل طائر . وذكر الزمخشري في كتاب " ربيع الأبرار " [ ص: 85 ] أنها كانت في زمن موسى لها أربعة أجنحة من كل جانب ، ووجه كوجه الإنسان ، وفيها شبه كثير من سائر الحيوان ، وأنها تأخرت إلى زمن خالد بن سنان العبسي الذي كان في الفترة ، فدعا عليها فهلكت . وذكر ابن خلكان أن المعز الفاطمي جيء إليه بطائر غريب الشكل من الصعيد ، يقال له : عنقاء مغرب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وكل واحد من خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان كان في زمن الفترة ، وكان صالحا ، ولم يكن نبيا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم; لأنه ليس بيني وبينه نبي وقد تقدم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحافظ عماد الدين أبو القاسم ، علي بن الحافظ بهاء الدين أبي محمد القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي ، سمع الكثير ، ورحل فمات ببغداد في هذه السنة ، ومن لطيف شعره قوله في المروحة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومروحة تروح كل هم ثلاثة أشهر لابد منها     حزيران وتموز وآب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أيلول يغنى الله عنها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن الدوامي الشاعر ، وقد أورد له ابن الساعي جملة صالحة من شعره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 86 ] وسعيد بن الرزاز ، وكان أحد المعدلين ببغداد ، وسمع البخاري من أبي الوقت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو سعيد محمد بن محمود بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الأصل الهمذاني المولد البغدادي المنشأ والوفاة ، كان حسن الشكل ، كامل الأوصاف ، له خط حسن ، ويعرف فنونا كثيرة من العلوم ، شافعي المذهب ، ويتكلم في مسائل الخلاف ، حسن الأخلاق ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرى قسم الأرزاق أعجب قسمة     لذي دعة مثر ومكد به الكد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأحمق ذو مال وأحمق معدم     وعقل بلا حظ وعقل له جد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يعم الغنى والفقر ذا الجهل والحجا     ولله من قبل الأمور ومن بعد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو زكريا يحيى بن القاسم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن المفرج بن درع بن الخضر الشافعي ، الشيخ تاج الدين التكريتي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضيها ، ثم درس بنظامية بغداد ، وكان متقنا لعلوم كثيرة; منها التفسير والفقه والأدب والنحو واللغة ، وله المصنفات في ذلك كله ، [ ص: 87 ] وجمع لنفسه تاريخا حسنا ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لابد للمرء من ضيق ومن سعة     ومن سرور يوافيه ومن حزن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والله يطلب منه شكر نعمته     ما دام فيها ويبغي الصبر في المحن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكن مع الله في الحالين معتنقا     فرضيك هذين في سر وفي علن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما على شدة يبقى الزمان فكن     جلدا ولا نعمة تبقى على الزمن

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو كان قاضي الهوى علي ولي     ما جار في الحكم من علي ولي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا يوسفي الجمال عبدك لم     تبق له حيلة من الحيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن كان قد القميص من دبر     ففيك قد الفؤاد من قبل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب " الجواهر "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العلامة جلال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار بن عشائر بن عبد الله بن محمد بن شاس الجذامي السعدي الفقيه المالكي ، مصنف كتاب " الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة " ، وهو من أكثر الكتب فوائد في الفروع ، رتبه على طريقة " الوجيز " للغزالي . قال ابن خلكان : وفيه دلالة على غزارة علمه وفضله ، والطائفة المالكية بمصر عاكفة عليه لحسنه وكثرة فوائده ، وكان مدرسا بمصر ، وتوفي بدمياط .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية