الحالات التي يجتمع فيها الإيمان مع الشرك
الأول : أن أهل الجاهلية كانوا يقرون بأن الله سبحانه خالقهم ، ورازقهم ، ويعتقدون غيره من أصنامهم ، وطواغيتهم .
فهذا الإقرار الصادر منهم بأن الله -عز وجل - خالقهم ، ورازقهم ، وهو يصدق عليه أنه إيمان بالمعنى الأعم ؛ أي : تصديق ، لا بالمعنى الأخص ؛ أعني : إيمان المؤمنين .
فهذا الإيمان الصادر منهم واقع منهم في حال الشرك ، فقد آمنوا حال كونهم مشركين .
وإلى هذا الوجه ذهب الجمهور من المفسرين ، وغيرهم ، ولكنهم لم يذكروا ما ذكرناه هاهنا ، من تقرير كونه إيمانا بالمعنى الأعم ، ولا بد من ذلك حتى يستقيم الكلام ، ويصدق عليه مسمى الإيمان .
الوجه الثاني : أن المراد بالآية : المنافقون ؛ فإنهم كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الشرك ، فما كانوا يؤمنون ظاهرا إلا وهم مشركون باطنا . روي هذا عن الحسن البصري .
الوجه الثالث : أنهم أهل الكتاب ؛ يؤمنون بكتابهم ، ويقلدون آباءهم في الكفر بغيره ، ويقولون: المسيح ابن الله ، وعزير ابن الله .
فهم يؤمنون بما أنزل على أنبيائهم حال كونهم مشركين .
الرابع : أن المقصود بذلك ما كان يقع في تلبية العرب من قولهم : «لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك » .
فقد كانوا في هذه التلبية يؤمنون بالله وهم مشركون . روي نحو ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الخامس : أن المراد بهذه الآية : المراؤون من هذه الأمة ؛ لأن الرياء هو الشرك المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944222«الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل » .
[ ص: 385 ]
فالمراؤون آمنوا بالله حال كونهم مشركين بالرياء ، وفيه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17053محمود بن لبيد ، وسيأتي .
السادس : أن المراد بالآية : من نسي ربه في الرخاء ، وذكره عند الشدائد .
روي ذلك عن
عطاء ، وفيه : أنه لا يصدق على ذلك أنه آمن بالله حال كونه مشركا إلا أن يجعل مجرد نسيان الذكر والدعاء عند الرخاء شركا مجازا ، كأنه بنسيانه ، وتركه الدعاء قد عبد إلها آخر .
وهو بعيد ، على أنه لا يمكن اجتماع الأمرين ؛ لأنه حال الذكر والدعاء غير متصف بالنسيان ، وترك الذكر ، وقد تقرر أن الحال قيد في عاملها ، إلا أن يعتبر ما كان عليه الشيء ، فإن ذلك أحد العلامات المتحدة للتجوز .
السابع : أن المراد : من أسلم من المشركين ؛ فإنه كان مشركا قبل إيمانه .
حكى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في «تفسيره » .
وتقريره : أنه ما يؤمن أحدهم بالله إلا وقد كان مشركا قبل إيمانه .
والكلام فيه كالكلام في الوجه الذي قبله ، والجواب الجواب .
وأيضا : ليس أن يكون كل مؤمن في الحال كان مشركا في الماضي ؛ فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28644_29619كل مولود يولد على فطرة الإسلام ، ومن ولد عليها ، ثم أبواه لم يهوداه ، وينصراه ، ويمجساه ، ونشأ على الإسلام ، فلا يصح فيه أن يقال : إنه كان مشركا من قبل ، ثم آمن ، بل كثير من الناس آمنوا منذ فتحوا الأعين ، وبقوا عليه إلى الحال .
الثامن : أن المراد بالشرك هنا : ما يعرض من الخواطر ، والأحوال حال الإيمان . قاله الواسطي كما حكاه عنه البقاعي .
وفيه : أن هذه الخواطر ، والأحوال إن كانت مما يصدق عليه الشرك الأكبر ، أو الأصغر ، فذاك ، وإن كانت خارجة عن ذلك، فهو فاسد .
التاسع : أنهم الذين يشبهون الله بخلقه . ذكره في «الكشاف » عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وتقريره : أنهم آمنوا بالله حال تشبيههم له بما يكون شركا ، أو يؤول إلى الشرك .
[ ص: 386 ]
العاشر : هو ما يقوله
القدرية من إثبات القدرة للعبد . حكاه
النسفي في «المدارك » .
وتقريره : أنهم آمنوا بالله حال إثباتهم ما هو مختص به لغيره ، وهو شرك ، أو منزل منزلة الشرك .
الحادي عشر : ما قاله
محيي الدين بن عربي في «تفسيره » : أن أكثر الناس إنما يؤمنون بغير الله ، ويكفرون بالله دائما ، ففي بعض الأحيان يشركون الله سبحانه مع ذلك الإله الذي يؤمنون به ، فلا يؤمن أكثرهم بالله إلا حال كونه مشركا .
وفيه : أن ظاهر النظم القرآني : أن الإيمان بالله ، والشرك به تشريك غيره معه ، لا تشريكه مع غيره ، وبين المعنيين فرق واضح .
الثاني عشر : ذكره
ابن كثير في تفسيرها ، وهو أن ثم شركا خفيا لا يشعر به غالب الناس ممن يفعله .
كما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : أنه دخل على مريض يزوره ، فرأى في عضده سيرا فقطعه ، أو انتزعه ، ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .
وفي الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وحسنه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=36249«من حلف بغير الله ، فقد أشرك » .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=847846إن الرقى والتمائم ، والتولة شرك ، وفي لفظ لهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663909«الطيرة شرك ، وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل » .
[ ص: 387 ]
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في «المسند » عن
عيسى بن عبد الرحمن ، قال: دخلت على
عبد الله بن حكيم وهو مريض ، فقيل له : لو تعلقت شيئا ، فقال : أتعلق شيئا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=937317«من تعلق شيئا ، وكل إليه » ؟ ! .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في «المسند » عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=937316«من علق تميمة ، فقد أشرك » .
وفي «صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم » عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662308«يقول الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيري ، تركته وشركه » .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث غيره أيضا ، وفي «المستدرك » :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687593«من ردته الطيرة عن حاجة ، فقد أشرك » ، قالوا : يا رسول الله ! وما كفارة ذلك ؟ قال: «أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، لا إله غيرك » .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=699626خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : «أيها الناس ! nindex.php?page=treesubj&link=28675اتقوا هذا الشرك ؛ فإنه أخفى من دبيب النمل ، قالوا : كيف نجتنبه ، وهو أخفى من دبيب النمل ؟ قال: «قولوا : اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك شيئا ونحن نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه » . وقد روي من حديث غيره .
عرفت ما تضمنته كتب التفسير من الوجوه التي ذكرناها ، وعرفت تقريرها على الوجه الذي قررناه ، فاعلم أن هذه الأقوال إنما هي اختلاف في سبب النزول .
وأما النظم القرآني ، فهو صالح لحمله على كل ما يصدق عليه مسمى الإيمان مع وجود مسمى الشرك .
والاعتبار بما يفيده اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في موطنه .
فيقال مثلا في أهل الشرك : إنه ما يؤمن أكثرهم بأن الله هو الخالق الرازق ، إلا وهو مشرك بالله بما يعتقده من الأصنام .
[ ص: 388 ]
ويقال فيمن كان واقعا في شرك من الشرك الخفي وهو من المسلمين : إنه ما يؤمن بالله إلا وهو مشرك بذلك الشرك الخفي .
ويقال مثلا في سائر الوجوه بنحو هذا على التقرير الذي قررناه سابقا .
وهذا يصلح أن يكون وجها مستقلا ، وهو أوجهها ، وأرجحها فيما أحسب ، وإن لم يذكره أحد من المفسرين .
فالقول بأنه يشكل وجود اتصافهم بالإيمان في حال تلبسهم بالشرك إشكال واقع موقعه به وسؤالك حال محله ، وجوابه قد ظهر مما سبق .
فإنه يقال مثلا : إن أهل الجاهلية كان إيمانهم المجامع للشرك هو مجرد الإقرار بأن الله الخالق الرازق ، وهو لا ينافي ما هم عليه من الشرك .
وكذلك يقال : إن أهل الإسلام كان شرك من وقع منهم في الشرك الخفي الأكبر غير مناف لوجود الإيمان منهم ؛ لأن الشرك الأصغر لا يخرج به فاعله عن مسمى الإيمان ، ولذلك كان كفارته أن يتعوذ بالله من أن يشرك به ، وأن يقول في الطيرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687593«اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك » .
فقد صح بهذا أنه اجتمع الإيمان الحقيقي ، والشرك الخفي في بعض المؤمنين .
واجتمع الإيمان بالمعنى الأعم ، والشرك الحقيقي في أهل الجاهلية .
وكذلك يقال في أهل الكتاب : إنه اجتمع فيهم الإيمان بما أنزل الله على أنبيائهم ، والإشراك بجعل المخلوقين أبناء لله -عز وجل - ، وهكذا في بقية الوجوه .
انتهى كلام
الشوكاني -رحمه الله - في تفسير هذه الآية .
ويحتمل أن يكون المعنى : وما يؤمن أكثر المشركين من طوائف الناس بالله تعالى بالتكلم بكلمة الإخلاص ، والتوحيد ، والإقرار به لسانا ، وجنانا إلا وهم مشركون ببقاء الرسوم الجاهلية اللازمة للشرك ؛ فإنها لا تذهب عنهم أبدا بعيدا .
[ ص: 389 ]
ألا ترى أن الهنود يسلمون ، والنصارى ، واليهود ، والمجوس يسلمون ، ويعتقدون حقية الإسلام ، ويتوبون من دينهم الذي كانوا عليه هم وآباؤهم من قبل ، ويصلون ، ويصومون ، ثم يأتون برسوم قومهم كلها ، أو بعضها ، ولا يرون ذلك منافيا للإسلام ؟ !
ولا سيما تحملهم على إتيانها وبقائها نساؤهم ، فيصنعونها وهم يدعون الإيمان ، وينفرون عن اسم الشرك ، ولا يخلص إلى قلبهم حلاوة الإيمان ، فهم يصدق عليهم الآية الشريفة .
وهذا واقع كثيرا في أقوام ، أو أشخاص جديدي الإسلام ، حديثي العهد بالإيمان .
الْحَالَاتُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْإِيمَانُ مَعَ الشِّرْكِ
الْأَوَّلُ : أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُهُمْ ، وَرَازِقُهُمْ ، وَيَعْتَقِدُونَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْنَامِهِمْ ، وَطَوَاغِيتِهِمْ .
فَهَذَا الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ مِنْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ - خَالِقُهُمْ ، وَرَازِقُهُمْ ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِيمَانٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ؛ أَيْ : تَصْدِيقٌ ، لَا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ ؛ أَعْنِي : إِيمَانَ الْمُؤْمِنِينَ .
فَهَذَا الْإِيمَانُ الصَّادِرُ مِنْهُمْ وَاقِعٌ مِنْهُمْ فِي حَالِ الشِّرْكِ ، فَقَدْ آمَنُوا حَالَ كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ .
وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا ، مِنْ تَقْرِيرِ كَوْنِهِ إِيمَانًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ ، وَيَصْدُقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ : الْمُنَافِقُونَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَيُبْطِنُونَ الشِّرْكَ ، فَمَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ ظَاهِرًا إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ بَاطِنًا . رُوِيَ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ؛ يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِهِمْ ، وَيُقَلِّدُونَ آبَاءَهُمْ فِي الْكُفْرِ بِغَيْرِهِ ، وَيَقُولُونَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ، وَعُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ .
فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ مَا كَانَ يَقَعُ فِي تَلْبِيَةِ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ : «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ » .
فَقَدْ كَانُوا فِي هَذِهِ التَّلْبِيَةِ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ . رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
الْخَامِسُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ : الْمُرَاؤُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؛ لِأَنَّ الرِّيَاءَ هُوَ الشِّرْكُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=944222«الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ » .
[ ص: 385 ]
فَالْمُرَاؤُونَ آمَنُوا بِاللَّهِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ بِالرِّيَاءِ ، وَفِيهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=17053مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، وَسَيَأْتِي .
السَّادِسُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ : مَنْ نَسِيَ رَبَّهُ فِي الرَّخَاءِ ، وَذَكَرَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
عَطَاءٍ ، وَفِيهِ : أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ آمَنَ بِاللَّهِ حَالَ كَوْنِهِ مُشْرِكًا إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ مُجَرَّدَ نِسْيَانِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ الرَّخَاءِ شِرْكًا مَجَازًا ، كَأَنَّهُ بِنِسْيَانِهِ ، وَتَرْكِهِ الدُّعَاءَ قَدْ عَبَدَ إِلَهًا آخَرَ .
وَهُوَ بَعِيدٌ ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالنِّسْيَانِ ، وَتَرْكِ الذِّكْرِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا ، إِلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحَدُ الْعَلَامَاتِ الْمُتَّحِدَةِ لِلتَّجَوُّزِ .
السَّابِعُ : أَنَّ الْمُرَادَ : مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا قَبْلَ إِيمَانِهِ .
حَكَى ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ فِي «تَفْسِيرِهِ » .
وَتَقْرِيرُهُ : أَنَّهُ مَا يُؤْمِنُ أَحَدُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَقَدْ كَانَ مُشْرِكًا قَبْلَ إِيمَانِهِ .
وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَالْجَوَابُ الْجَوَابُ .
وَأَيْضًا : لَيْسَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُؤْمِنٍ فِي الْحَالِ كَانَ مُشْرِكًا فِي الْمَاضِي ؛ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28644_29619كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَمَنْ وُلِدَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ أَبَوَاهُ لَمْ يُهَوِّدَاهُ ، وَيُنَصِّرَاهُ ، وَيُمَجِّسَاهُ ، وَنَشَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، فَلَا يَصِحُّ فِيهِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا مِنْ قَبْلُ ، ثُمَّ آمَنَ ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ آمَنُوا مُنْذُ فَتَحُوا الْأَعْيُنَ ، وَبَقَوْا عَلَيْهِ إِلَى الْحَالِ .
الثَّامِنُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّرْكِ هُنَا : مَا يَعْرِضُ مِنَ الْخَوَاطِرِ ، وَالْأَحْوَالِ حَالَ الْإِيمَانِ . قَالَهُ الْوَاسِطِيُّ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبُقَاعِيُّ .
وَفِيهِ : أَنَّ هَذِهِ الْخَوَاطِرَ ، وَالْأَحْوَالَ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ ، أَوِ الْأَصْغَرُ ، فَذَاكَ ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِدٌ .
التَّاسِعُ : أَنَّهُمُ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ . ذَكَرَهُ فِي «الْكَشَّافِ » عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَتَقْرِيرُهُ : أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ حَالَ تَشْبِيهِهِمْ لَهُ بِمَا يَكُونُ شِرْكًا ، أَوْ يَؤُولُ إِلَى الشِّرْكِ .
[ ص: 386 ]
الْعَاشِرُ : هُوَ مَا يَقُولُهُ
الْقَدَرِيَّةُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ لِلْعَبْدِ . حَكَاهُ
النَّسَفِيُّ فِي «الْمَدَارِكِ » .
وَتَقْرِيرُهُ : أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ حَالَ إِثْبَاتِهِمْ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ شِرْكٌ ، أَوْ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الشِّرْكِ .
الْحَادِي عَشَرَ : مَا قَالَهُ
مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي «تَفْسِيرِهِ » : أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إِنَّمَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ ، وَيَكْفُرُونَ بِاللَّهِ دَائِمًا ، فَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يُشْرِكُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ الْإِلَهِ الَّذِي يُؤْمِنُونَ بِهِ ، فَلَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِ مُشْرِكًا .
وَفِيهِ : أَنَّ ظَاهِرَ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ : أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ ، وَالشِّرْكَ بِهِ تَشْرِيكُ غَيْرِهِ مَعَهُ ، لَا تَشْرِيكُهُ مَعَ غَيْرِهِ ، وَبَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَرْقٌ وَاضِحٌ .
الثَّانِي عَشَرَ : ذَكَرَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهَا ، وَهُوَ أَنَّ ثَمَّ شِرْكًا خَفِيًّا لَا يَشْعُرُ بِهِ غَالِبُ النَّاسِ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ .
كَمَا يُرْوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَزُورُهُ ، فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سَيْرًا فَقَطَعَهُ ، أَوِ انْتَزَعَهُ ، ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ .
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ ، وَحَسَّنَهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=36249«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ ، فَقَدْ أَشْرَكَ » .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=847846إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663909«الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، وَمَا مِنَّا إِلَّا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ » .
[ ص: 387 ]
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي «الْمُسْنَدِ » عَنْ
عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقِيلَ لَهُ : لَوْ تَعَلَّقْتَ شَيْئًا ، فَقَالَ : أَتَعَلَّقُ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=937317«مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا ، وُكِلَ إِلَيْهِ » ؟ ! .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ فِي «الْمُسْنَدِ » عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=937316«مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً ، فَقَدْ أَشْرَكَ » .
وَفِي «صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ » عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662308«يَقُولُ اللَّهُ : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ » .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ أَيْضًا ، وَفِي «الْمُسْتَدْرَكِ » :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687593«مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَةٍ ، فَقَدْ أَشْرَكَ » ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: «أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ ، لَا إِلَهَ غَيْرُكَ » .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى ، قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=699626خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَقَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ ! nindex.php?page=treesubj&link=28675اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ، قَالُوا : كَيْفَ نَجْتَنِبُهُ ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ؟ قَالَ: «قُولُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ شَيْئًا وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ » . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ .
عَرَفْتَ مَا تَضَمَّنَتْهُ كُتُبُ التَّفْسِيرِ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَعَرَفْتَ تَقْرِيرَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ ، فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ إِنَّمَا هِيَ اخْتِلَافٌ فِي سَبَبِ النُّزُولِ .
وَأَمَّا النَّظْمُ الْقُرْآنِيُّ ، فَهُوَ صَالِحٌ لِحَمْلِهِ عَلَى كُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ مَعَ وُجُودِ مُسَمَّى الشِّرْكِ .
وَالِاعْتِبَارُ بِمَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْطِنِهِ .
فَيُقَالُ مَثَلًا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ : إِنَّهُ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ ، إِلَّا وَهُوَ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ مِنَ الْأَصْنَامِ .
[ ص: 388 ]
وَيُقَالُ فِيمَنْ كَانَ وَاقِعًا فِي شِرْكٍ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ وَهُوَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : إِنَّهُ مَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُوَ مُشْرِكٌ بِذَلِكَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ .
وَيُقَالُ مَثَلًا فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ بِنَحْوِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيرِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا .
وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا ، وَهُوَ أَوْجَهُهَا ، وَأَرْجَحُهَا فِيمَا أَحْسَبُ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ .
فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ وُجُودُ اتِّصَافِهِمْ بِالْإِيمَانِ فِي حَالِ تَلَبُّسِهِمْ بِالشِّرْكِ إِشْكَالٌ وَاقِعٌ مَوْقِعُهُ بِهِ وَسُؤَالُكَ حَالٌّ مَحَلَّهُ ، وَجَوَابُهُ قَدْ ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ .
فَإِنَّهُ يُقَالُ مَثَلًا : إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِيمَانُهُمُ الْمَجَامِعُ لِلشِّرْكِ هُوَ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ الْخَالِقَ الرَّازِقَ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ .
وَكَذَلِكَ يُقَالُ : إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ كَانَ شِرْكُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُمْ فِي الشِّرْكِ الْخَفِيِّ الْأَكْبَرِ غَيْرَ مُنَافٍ لِوُجُودِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ لَا يَخْرُجُ بِهِ فَاعِلُهُ عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ كَفَّارَتُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَأَنْ يَقُولَ فِي الطِّيَرَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687593«اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ » .
فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ الْإِيمَانُ الْحَقِيقِيُّ ، وَالشِّرْكُ الْخَفِيُّ فِي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَاجْتَمَعَ الْإِيمَانُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ، وَالشِّرْكُ الْحَقِيقِيُّ فِي أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ : إِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِمُ الْإِيمَانُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، وَالْإِشْرَاكُ بِجَعْلِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْنَاءً لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ - ، وَهَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ .
انْتَهَى كَلَامُ
الشَّوْكَانِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ طَوَائِفِ النَّاسِ بِاللَّهِ تَعَالَى بِالتَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ ، وَالتَّوْحِيدِ ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ لِسَانًا ، وَجَنَانًا إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ بِبَقَاءِ الرُّسُومِ الْجَاهِلِيَّةِ اللَّازِمَةِ لِلشِّرْكِ ؛ فَإِنَّهَا لَا تَذْهَبُ عَنْهُمْ أَبَدًا بَعِيدًا .
[ ص: 389 ]
أَلَا تَرَى أَنَّ الْهُنُودَ يُسْلِمُونَ ، وَالنَّصَارَى ، وَالْيَهُودَ ، وَالْمَجُوسَ يُسْلِمُونَ ، وَيَعْتَقِدُونَ حَقِّيَّةَ الْإِسْلَامِ ، وَيَتُوبُونَ مِنْ دِينِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ هُمْ وَآبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَصُومُونَ ، ثُمَّ يَأْتُونَ بِرُسُومِ قَوْمِهِمْ كُلِّهَا ، أَوْ بَعْضِهَا ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلْإِسْلَامِ ؟ !
وَلَا سِيَّمَا تَحْمِلُهُمْ عَلَى إِتْيَانِهَا وَبَقَائِهَا نِسَاؤُهُمْ ، فَيَصْنَعُونَهَا وَهُمْ يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ ، وَيَنْفِرُونَ عَنِ اسْمِ الشِّرْكِ ، وَلَا يَخْلُصُ إِلَى قَلْبِهِمْ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ ، فَهُمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمُ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ .
وَهَذَا وَاقِعٌ كَثِيرًا فِي أَقْوَامٍ ، أَوْ أَشْخَاصٍ جَدِيدِي الْإِسْلَامِ ، حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِيمَانِ .