الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5524 79 - حدثني محمد بن أبي بكر، حدثنا معتمر، عن عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه. فجعل الناس يثوبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل، فقال: يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون; فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلي ما دام وإن قل.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فيجلس عليه"؛ أي: على الحصير. ومحمد بن أبي بكر هو المقدمي. ومعتمر هو ابن سليمان. وعبيد الله هو ابن عمر العمري. وسعيد هو المقبري. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهؤلاء الثلاثة من التابعين المدنيين.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الصلاة في باب صلاة الليل، عن إبراهيم بن المنذر، ومضى في الإيمان في باب: أحب الدين إلى الله، من غير هذا الوجه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يحتجر"؛ أي: يتخذ حجرة لنفسه، يقال: احتجر الأرض؛ إذا ضرب عليها ما يمنعها به عن غيره. وفي رواية الكشميهني: " يحتجز" بزاي في آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يثوبون" بالثاء المثلثة؛ أي: يجتمعون، قاله الكرماني، والأحسن أن يقال: يرجعون; لأنه من ثاب؛ إذا رجع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فأقبل"؛ أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا يمل" من الملال، وهو كناية عن عدم القبول، والمعنى: فإن الله يقبل أعمالكم حتى تملوا; فإنه لا يقبل ما يصدر منكم على سبيل الملالة، وأطلق الملال على طريق المشاكلة. وقال الخطابي: هو كناية عن الترك؛ أي لا يترك الثواب ما لم تتركوا العمل، وهذا أحسن من الأول.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ما دام"، أي: دواما عرفيا; إذ حقيقة الدوام - وهو شمول جميع الأزمنة - غير مقدور، ووقع في رواية الكشميهني: "ما داوم". فإن قلت: يعارض حديث الباب ما رواه ابن أبي شيبة من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة : أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير، والله يقول: وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ؟ فقالت: لم يكن يصلي على الحصير . قلت: هذا ضعيف، لا يقاوم ما في الصحيح، وأيضا يمكن الجمع بأن يحمل النفي على المداومة، وقال بعضهم: لكن يخدش فيه ما ذكره شريح من الآية. قلت: لا خدش فيه أصلا; لأن معنى الآية حصيرا ؛ أي: محبسا، يقال للسجن: محصر، وحصير.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية