الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5644 19 - حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول: إن آل أبي فلان - قال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض - ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين.

                                                                                                                                                                                  زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: ولكن لهم رحم أبلها ببلالها؛ يعني أصلها بصلتها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " أبلها ببلالها".

                                                                                                                                                                                  و"عمرو" بفتح العين، أبو عثمان البصري، ومحمد بن جعفر هو غندر، وإسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي، واسم أبي خالد: سعد، ويقال: هرمز، وقيس بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي، واسمه عوف البجلي، قدم المدينة بعدما قبض النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أحمد بن حنبل، عن غندر به.

                                                                                                                                                                                  قوله: " جهارا"؛ أي: سمعت سماعا جهارا، المعنى: كان المسموع في حال الجهار دون السر، وهذا للتأكيد، ويحتمل أن يكون المعنى: أقول ذلك جهارا لا سرا. قوله: " يقول"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم: إن آل أبي فلان، هكذا في رواية المستملي، وفي رواية غيره: إن آل أبي، بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية، ووقع في رواية مسلم كرواية المستملي. وذكر القرطبي أنه وقع في أصل مسلم موضع "فلان" بياض، ثم كتب بعض الناس فيه "فلان" على سبيل الإصلاح، وفلان: كناية عن اسم علم; ولهذا وقع لبعض رواته: قال أبي، يعني فلان، ولبعضهم: أنه قال: أبي فلان، بالجزم. قوله: " قال عمرو"؛ هو ابن عباس شيخ البخاري، فيه قوله: " في كتاب محمد بن جعفر" وهو غندر شيخ عمر والمذكور فيه. قوله: " بياض"؛ قال عبد الحق في كتاب (الجمع بين الصحيحين): الصواب في ضبط هذه الكلمة بالرفع؛ أي وقع في كتاب محمد بن جعفر موضع أبيض، يعني بغير كتابة. وفهم بعضهم منه أنه الاسم المكنى عنه في الرواية، فقرأه بالجر على أنه في كتاب محمد بن جعفر: أن آل أبي بياض، وهو فهم بعيد سيء؛ لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها: آل أبي بياض، فضلا عن قريش، وسياق الحديث يشعر بأنهم من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم وهي قريش، بل فيه إشعار بأنهم أخص من ذلك لقوله: إن لهم لرحما، وأبعد من ذلك من حمله على بني بياضة، وهم بطن من الأنصار؛ لما فيه من التغيير والترخيم الذي لا يجوزه الأكثرون. وقال عياض: إن المكنى عنه هو الحكم بن أبي العاص. قوله: " ليسوا بأوليائي"؛ كذا في رواية الأكثرين. وفي رواية لأبي ذر: "بأولياء". ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم؛ فيكون هذا من إطلاق الكل وإرادة البعض. وقال الخطابي: الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين. قوله: " وصالح المؤمنين" كذا في رواية الأكثرين، بإفراد "صالح". ووقع في رواية البرقاني: "وصالحو المؤمنين"، بالجمع. وقال الزمخشري: هو واحد وأريد به الجمع؛ لأنه جنس، ويجوز أن يكون أصله: وصالحو المؤمنين، بالواو، فكتب بغير اللفظ على الواو. وقال النووي: معنى الحديث أن وليي [ ص: 95 ] من كان صالحا وإن بعد نسبه مني، وليس وليي من كان غير صالح وإن قرب نسبه مني.

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي: فائدة الحديث انقطاع الولاية بين المسلم والكافر ولو كان قريبا جميعا. وقال الطيبي شيخ شيخي: المعنى: أني لا أوالي أحدا بالقرابة، وإنما أحب الله؛ لما له من الحق الواجب على العباد، وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح، سواء كانوا من ذوي رحمي أم لا، ولكن أراعي لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم. هذا من فحول الكلام ومن فحول العلماء.

                                                                                                                                                                                  وقد اختلفوا في المراد بقوله تعالى وصالح المؤمنين على أقوال؛ الأول: الأنبياء، أخرجه الطبري عن قتادة. الثاني: الصحابة، أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي. الثالث: خيار المؤمنين، أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك. الرابع: أبو بكر وعمر وعثمان، أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري. الخامس: أبو بكر وعمر، أخرجه الطبري عن ابن مسعود مرفوعا وسنده ضعيف. السادس: عمر خاصة، أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير. السابع: أبو بكر خاصة، ذكره القرطبي عن المسيب بن شريك. الثامن: علي، أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " زاد عنبسة بن عبد الواحد"؛ أي: ابن أمية بن عبد الله بن سعيد بن العاص بن أحيحة، بمهملتين مصغرا، وكان يعد من الأبدال، وما له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق، ووصله البخاري في كتاب البر والصلة؛ فقال: حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة، حدثنا جدي.. فذكره. قوله: " عن بيان" بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف وبالنون، ابن بشر، بالشين المعجمة، الأحمسي. قوله: " عن قيس" هو قيس بن أبي حازم المذكور. قوله: " لهم"؛ أي: لآل أبي فلان. قوله: " رحم"؛ أي: قرابة. قوله: " أبلها"؛ أي: أنديها ببلالها، أي بما يجب أن تندى به، ومنه: "بلوا أرحامكم"؛ أي ندوها، أي: صلوها. يقال للوصل: بلل؛ لأنه يقتضي الاتصال، والقطيعة يبس؛ لأنه يقتضي الانفصال. قوله: " يعني أصلها بصلتها"؛ هذا التفسير قد سقط من رواية النسفي، ووقع عند أبي ذر وحده: "أبلها ببلالها" وبعده في الأصل: كذا وقع وببلالها أجود وأصح، وببلائها لا أعرف له وجها. انتهى. حاصل هذا أن البخاري قال: وقع في كلام هؤلاء الرواة: "ببلائها" بالهمزة بعد الألف، ولو كان "ببلالها" باللام لكان أجود وأصح؛ يعني قال: ولا أعرف لبلائها وجها. وقال الكرماني: يحتمل أن يقال: وجهه أن البلاء جاء بمعنى المعروف والنعمة، وحيث كان الرحم مصرفها أضيف إليها بهذه الملابسة، فكأنه قال: أبلها بمعروفها اللائق بها، ووجه أيضا الداودي هذه الرواية على تقدير ثبوتها بأن المراد ما أوصله إليها من الأذى على تركهم الإسلام. ورد عليه ابن التين بأنه لا يقال في الأذى: أبله، وفيه نظر لا يخفى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية