الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 61 ] معنى الإله

والإله: هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة، وليس هو الإله بمعنى القادر على الخلق.

فإذا فسر المفسر «الإله» بمعنى القادر على الاختراع، واعتقد أن هذا أخص وصف الإله، وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد؛ كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمي الصفاتية، وهو الذي يقولون عن أبي الحسن، وأتباعه، لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين.

قال تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف:106].

قال طائفة من السلف: تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا يعبدون غيره.

قال تعالى: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون [المؤمنون: 85] إلى قوله: فأنى تسحرون [المؤمنون: 89].

فليس كل من أقر بأن الله رب كل شيء، وخالقه يكون عابدا له دون ما سواه، داعيا له دون ما سواه، راجيا له، خائفا منه دون ما سواه، يوالي له، ويعادي فيه، ويطيع رسله، ويأمر بما أمر به، وينهى عما نهى عنه.

وعامية المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء، وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به، وجعلوا له أندادا.

وفي القرآن الكريم آيات في ذلك الباب كثيرة.

ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب، ويدعوها، ويصوم، وينسك لها، ويتقرب إليها، ثم يقول: إن هذا ليس بشرك، وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لي، فإذا جعلها سببا، وواسطة، لم أكن مشركا. [ ص: 62 ]

ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك.

انتهى كلامه.

وحاصله: أن الإنسان لا يصير موحدا حتى يقر بتوحيد الألوهية كما يقر بتوحيد الربوبية، وأن كثيرا من الناس لا يهتدون سبيلا إلى هذا المقام، فيقرون بالنوع الثاني، ولا يقرون بالنوع الأول، أو ينكرونه جهلا منهم.

فهم في الحقيقة مشركون، وعليهم هذا العي في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وأن رسل الله وأنبياءه من أولهم إلى آخرهم بعثوا لدعاء العباد إلى توحيد الله تعالى بتوحيد العبادة، وإخلاص العمل له.

فكل واحد من الرسل أول ما يقرع به أسماع قومه قوله:

يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [الأعراف: 59].

و ألا تعبدوا إلا إياه [الإسراء: 23]، و أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون [نوح:3]، ونحوه من الآيات التي سبقت في الباب الأول.

وهذا هو الذي تضمنه قول: لا إله إلا الله؛ فإنها دعت الرسل قومها إلى قول هذه الكلمة، واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان.

ومعناها هو: إفراده سبحانه بالإلهية والعبادة والنفي لما يعبد من دونه، والبراءة منه.

وهذا الأصل لا مرية فيما تضمنه، ولا شك فيه، وأنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه، ويعتقده، ويعمل بمقتضاه.

التالي السابق


الخدمات العلمية