الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( 46 ) ) .

قوله تعالى : ( وعند الله مكرهم ) : أي علم مكرهم ، أو جزاء مكرهم ; فحذف المضاف .

[ ص: 90 ] ( لتزول منه ) : يقرأ بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، وهي لام كي ، فعلى هذا في " إن " وجهان ; أحدهما : هي بمعنى ما ; أي ما كان مكرهم لإزالة الجبال ; وهو تمثيل أمر النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنها مخففة من الثقيلة ، والمعنى : أنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال في الثبوت ، ومثل هذا المكر باطل . ويقرأ بفتح اللام الأولى وضم الثانية ، وإن على هذا مخففة من الثقيلة ، واللام للتوكيد .

وقرئ شاذا بفتح اللامين ، وذلك على لغة من فتح لام كي ; و " كان " هنا يحتمل أن تكون التامة ، ويحتمل أن تكون الناقصة .

قال تعالى : ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ( 47 ) ) .

قوله تعالى : ( مخلف وعده رسله ) : الرسل : مفعول أول ، والوعد : مفعول ثان ، وإضافة مخلف إلى الوعد اتساع ; والأصل مخلف رسله وعده ; ولكن ساغ ذلك لما كان كل واحد منهما مفعولا ، وهو قريب من قولهم :

يا سارق الليلة أهل الدار قال تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ( 48 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم تبدل ) : يوم هنا ظرف لـ " انتقام " أو مفعول فعل محذوف ; أي اذكر يوم . ولا يجوز أن يكون ظرفا لمخلف ولا لوعده ; لأن ما قبل إن لا يعمل فيما بعدها ; ولكن يجوز أن يلخص من معنى الكلام ما يعمل في الظرف ; أي لا يخلف وعده يوم تبدل .

( والسماوات ) : تقديره : غير السماوات ، فحذف لدلالة ما قبله عليه .

( وبرزوا ) : يجوز أن يكون مستأنفا ; أي ويبرزون .

ويجوز أن يكون حالا من الأرض ، و " قد " معه مرادة .

قال تعالى : ( سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ( 50 ) ) .

قوله تعالى : ( سرابيلهم من قطران ) : الجملة حال من المجرمين ، أو من الضمير في " مقرنين " . والجمهور على جعل القطران كلمة واحدة .

ويقرأ " قطر آن " كلمتين ، والقطر : النحاس ، والآني : المتناهي الحرارة .

[ ص: 91 ] و ( تغشى ) : حال أيضا .

قال تعالى : ( ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ( 51 ) ) .

قوله تعالى : ( ليجزي ) : أي فعلنا ذلك للجزاء ، ويجوز أن يتعلق ببرزوا .

قال تعالى : ( هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ( 52 ) ) .

قوله تعالى : ( ولينذروا به ) : المعنى : القرآن بلاغ للناس وللإنذار ، فتتعلق اللام بالبلاغ ، أو بمحذوف إذا جعلت للناس صفة .

ويجوز أن يتعلق بمحذوف تقديره : ولينذروا به أنزل أو تلي . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية