الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  698 119 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حجرة، قال: حسبت أنه قال: من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.

                                                                                                                                                                                  قال عفان : حدثنا وهيب، قال: حدثنا موسى، قال: سمعت أبا النضر عن بسر، عن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأن الحديث في صلاة الليل.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم كلهم ذكروا، فعبد الأعلى بن حماد بتشديد الميم ابن نصر أبو يحيى، مر في باب الجنب يخرج، ووهيب بن خالد مر في باب من أجاب الفتيا، وموسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي، وسالم أبو النضر بسكون الضاد المعجمة، وهو ابن أبي أمية مر في باب المسح على الخفين، وبسر بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة ابن سعيد مر في باب الخوخة في المسجد، وزيد بن ثابت الأنصاري كاتب الوحي مر في باب إقبال الحيض.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 266 ] (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه ثلاثة مدنيون على نسق واحد من التابعين، أولهم: موسى بن عقبة، ووهيب بصري، وعبد الأعلى أصله من البصرة، سكن بغداد .

                                                                                                                                                                                  وفيه عن سالم أبي النضر، وروى ابن جريج، عن موسى فلم يذكر سالما وأبا النضر في هذا الإسناد، أخرجه النسائي، وقال: ذكر فيه اختلاف ابن جريج، ووهيب على موسى بن عقبة في خبر زيد بن ثابت، أخبرني عبد الله بن محمد بن تميم المصيصي، قال: سمعت حجاجا قال: قال ابن جريج: أخبرني موسى بن عقبة، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ".

                                                                                                                                                                                  أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا وهيب، قال: سمعت موسى بن عقبة، قال: سمعت أبا النضر يحدث، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة "، ثم قال: وقفه مالك، أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد، أن زيد بن ثابت قال: " أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم ": يعني إلا صلاة الجماعة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): وروي عن مالك خارج الموطإ مرفوعا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام، عن إسحاق، عن عفان، وفي الأدب: وقال المكي: حدثنا عبد الله بن سعيد، وعن محمد بن زياد، عن محمد بن جعفر، وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا، عن محمد بن المثنى، عن محمد بن جعفر به، وعن محمد بن حاتم، عن بهز بن أسد، عن وهيب به.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود فيه عن هارون بن عبد الله، عن مكي بن إبراهيم به، وعن أحمد بن صالح، عن ابن وهب الفصل الأخير.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي فيه، عن بندار، عن محمد بن جعفر الفصل الأخير منه، وأخرجه النسائي فيه عن أحمد بن سليمان بن عفان به، وعن عبد الله بن محمد بن تميم، عن حجاج، عن ابن جريج الفصل الأخير منه، ولما أخرج الترمذي الفصل الأخير قال: وفي الباب عن عمر بن الخطاب، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن سعيد، وزيد بن خالد .

                                                                                                                                                                                  (قلت): حديث عمر بن الخطاب عند ابن ماجه ولفظه: قال عمر : " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوروا بيوتكم "، وفيه انقطاع، وحديث جابر عند مسلم في أفراده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل في بيته نصيبا من صلاته ".

                                                                                                                                                                                  وحديث أبي سعيد عند ابن ماجه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم: " إذا قضى أحدكم صلاته فليجعل لبيته منها نصيبا؛ فإن الله - عز وجل - جاعل في بيته من صلاته خيرا ".

                                                                                                                                                                                  وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم، والنسائي في الكبير، وفي اليوم والليلة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ".

                                                                                                                                                                                  وحديث ابن عمر أخرجه الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه .

                                                                                                                                                                                  وحديث عائشة أخرجه أحمد، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: صلوا في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا ".

                                                                                                                                                                                  وحديث عبد الله بن سعيد أخرجه الترمذي في الشمائل، وابن ماجه قال: " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد، فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة ".

                                                                                                                                                                                  وحديث زيد بن خالد أخرجه أحمد، والبزار، والطبراني، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا ".

                                                                                                                                                                                  (قلت): مما لم يذكره عن الحسن بن علي بن أبي طالب، وصهيب بن النعمان، أما حديث الحسن فأخرجه أبو يعلى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ".... الحديث، وأما حديث صهيب بن النعمان فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس، كفضل المكتوبة على النافلة ".

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " اتخذ حجرة " بالراء عند الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بالزاي أيضا، فمعناه شيئا حاجزا: أي مانعا بينه وبين الناس.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قد عرفت "، ويروى: " قد علمت ". قوله: " من صنيعكم " بفتح الصاد، وكسر النون، وفي رواية الكشميهني : " من صنعكم " بضم الصاد، وسكون النون: أي حرصكم على إقامة صلاة التراويح، وهذا الكلام ليس لأجل صلاتهم فقط، بل لكونهم رفعوا أصواتهم، وسبحوا به؛ ليخرج إليهم، وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم، وسيأتي ذلك في الأدب.

                                                                                                                                                                                  وزاد في الاعتصام: " حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به " قوله: " فإن أفضل الصلاة " إلى آخره ظاهره يشمل جميع النوافل. قوله: " إلا المكتوبة ": أي الفريضة.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 267 ] (ذكر ما يستفاد منه) فيه أن صلاة التطوع فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد، ولو كانت في المساجد الفاضلة التي تضعف فيها الصلاة على غيرها، وقد ورد التصريح بذلك في إحدى روايتي أبي داود؛ لحديث زيد بن ثابت ، فقال فيها: " صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة "، وإسنادها صحيح، فعلى هذا: لو صلى نافلة في مسجد المدينة كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث، وإذا صلاها في بيته كانت أفضل من ألف صلاة، وهكذا حكم مسجد مكة، وبيت المقدس، إلا أن التضعيف بمكة يحصل في جميع مكة، بل صحح النووي أن التضعيف يحصل في جميع الحرم، واستثنى من عموم الحديث عدة من النوافل ففعلها في غير البيت أكمل، وهي ما تشرع فيها الجماعة، كالعيدين، والاستسقاء، والكسوف.

                                                                                                                                                                                  وقالت الشافعية: وكذلك تحية المسجد، وركعتا الطواف، وركعتا الإحرام إن كان عند الميقات مسجد، كذي الحليفة، وكذلك التنفل في يوم الجمعة قبل الزوال وبعده.

                                                                                                                                                                                  وفيه حجة على من استحب النوافل في المسجد ليلية كانت أو نهارية، حكاه القاضي عياض والنووي عن جماعة من السلف، وعلى من استحب نوافل النهار في المسجد دون نوافل الليل، وحكي ذلك عن سفيان الثوري ومالك .

                                                                                                                                                                                  وفيه ما يدل على أصل التراويح؛ لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلاها في رمضان بعض الليالي، ثم تركها؛ خشية أن تكتب علينا، ثم اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعا مبتدأ، فقال الإمام حميد الدين الضرير : نفس التراويح سنة، أما أداؤها بالجماعة فمستحب، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن التراويح سنة لا يجوز تركها.

                                                                                                                                                                                  وقال الشهيد : هو الصحيح، وفي جوامع الفقه: التراويح سنة مؤكدة، والجماعة فيها واجبة، وفي الروضة لأصحابنا: إن الجماعة فضيلة، وفي الذخيرة لأصحابنا عن أكثر المشايخ: إن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية، ومن صلى في البيت فقد ترك فضيلة المسجد، وفي المبسوط: لو صلى إنسان في بيته لا يأثم؛ فعلها ابن عمر، وسالم، والقاسم، ونافع، وإبراهيم، ثم إنها عشرون ركعة، وبه قال الشافعي، وأحمد، ونقله القاضي عن جمهور العلماء.

                                                                                                                                                                                  وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة، ويوتر بسبع، وعند مالك : تسع ترويحات بست وثلاثين ركعة غير الوتر، واحتج على ذلك بعمل أهل المدينة، واحتج أصحابنا والشافعية والحنابلة بما رواه البيهقي بإسناد صحيح، عن السائب بن يزيد الصحابي قال: كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله تعالى عنه بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان ، وعلي رضي الله تعالى عنهما مثله .

                                                                                                                                                                                  فإن (قلت): قال في الموطإ: عن يزيد بن رومان قال: كان الناس في زمن عمر رضي الله تعالى عنه يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة .

                                                                                                                                                                                  (قلت): قال البيهقي : والثلاث هو الوتر، ويزيد لم يدرك عمر؛ ففيه انقطاع.

                                                                                                                                                                                  (فائدة) استثناء المكتوبة مما يصلى في البيوت هو في حق الرجال دون النساء، فإن صلاتهن في البيوت أفضل، وإن أذن لهن في حضور بعض الجماعات، وقد قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وبيوتهن خير لهن ".

                                                                                                                                                                                  أخرى قوله: " في بيوتكم " يحتمل أن يكون المراد بذلك إخراج بيوت الله تعالى، وهي المساجد، فيدخل فيه بيت المصلي، وبيت غيره، كمن يريد أن يزور قوما في بيوتهم ونحو ذلك.

                                                                                                                                                                                  ويحتمل أن يريد بيت المصلي دون بيت غيره، وهو ظاهر قوله في الرواية الأخرى: " أفضل صلاة المرء في بيته " فيخرج بذلك أيضا بيت غير المصلي.

                                                                                                                                                                                  أخرى اختلف في المراد بقوله في حديث ابن عمر : " صلوا في بيوتكم " فقال الجمهور فيما حكاه القاضي عنهم: إن المراد في صلاة النافلة استحباب إخفائها قال: وقيل هذا في الفريضة، ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم؛ ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة، وعبيد، ومريض ونحوهم.

                                                                                                                                                                                  قال النووي : والصواب أن المراد النافلة، فلا يجوز حمله على الفريضة.

                                                                                                                                                                                  أخرى إنما حث على النوافل في البيوت؛ لكونها أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة، والملائكة، وتنفر منه الشياطين، والله تعالى أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية