الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل ) وربما عبر عن الوسائل بالذرائع وهو اصطلاح أصحابنا وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا ولذلك يقولون سد الذرائع ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك الفعل في كثير من الصور وليس سد الذرائع من خواص مذهب مالك كما يتوهمه كثير من المالكية بل الذرائع ثلاثة أقسام قسم أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه كحفر الآبار في طرق المسلمين فإنه وسيلة إلى إهلاكهم وكذلك إلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها وقسم أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر فإنه لم يقل به أحد وكالمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنى .

وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا ؟ كبيوع الآجال عندنا كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر فمالك يقول : إنه أخرج من يده خمسة الآن وأخذ عشرة آخر الشهر فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجل توسلا بإظهار صورة البيع لذلك والشافعي يقول ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك وهذه البيوع يقال إنها تصل إلى ألف مسألة اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي وكذلك اختلف في النظر إلى النساء هل يحرم ؛ لأنه يؤدي إلى الزنى أو لا يحرم والحكم بالعلم هل يحرم ؛ لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من القضاة السوء أو لا يحرم وكذلك اختلف في تضمين الصناع ؛ لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم فتتغير السلع فلا يعرفها ربها إذا بيعت فيضمنون سدا لذريعة الأخذ أم لا يضمنون ؛ لأنهم أجراء وأصل الإجارة على الأمانة قولان وكذلك تضمين حملة الطعام [ ص: 33 ] لئلا تمتد أيديهم إليه وهو كثير في المسائل فنحن قلنا بسد هذه الذرائع ولم يقل بها الشافعي فليس سد الذرائع خاصا بمالك رحمه الله بل قال بها هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه .

( تنبيه ) اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج وموارد الأحكام على قسمين مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة .

( تنبيه ) القاعدة أنه كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة فإنها تبع له في الحكم وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شعر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر فيحتاج إلى دليل يدل على أنه مقصود في نفسه وإلا فهو مشكل على القاعدة .

( تنبيه ) قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة عندنا وكدفع مال لرجل يأكله حراما حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك ، وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا ، فهذه الصور كلها الدفع وسيلة إلى المعصية بأكل المال ومع ذلك فهو مأمور به لرجحان ما يحصل من المصلحة على هذه المفسدة .

( تنبيه ) تفرع على هذا الفرق فرق آخر وهو الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص وبين قاعدة مقارنة المعاصي لأسباب الرخص ، فإن الأسباب من جملة الوسائل وقد التبست هاهنا على كثير من الفقهاء فأما المعاصي فلا تكون أسبابا للرخص ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ؛ لأن سبب هذين السفر وهو في هذه الصورة معصية فلا يناسب الرخصة ؛ لأن ترتيب الترخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها .

وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعا كما يجوز لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء وهو رخصة وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم [ ص: 34 ] والجلوس إذا أضر به القيام في الصلاة ويقارض ويساقي ونحو ذلك من الرخص ولا تمنع المعاصي من ذلك ؛ لأن أسباب هذه الأمور غير معصية بل هي عجزه عن الصوم ونحوه والعجز ليس معصية فالمعصية هاهنا مقارنة للسبب لا سبب وبهذا الفرق يبطل قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها ؛ لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب ويلزم هذا القائل أن لا يبيح للعاصي جميع ما تقدم ذكره وهو خلاف الإجماع فتأمل هذا الفرق فهو جليل حسن في الفقه ويلزم هذا القائل أن يجعل السفر هو سبب عدم الطعام المباح حتى احتاج إلى أكل الميتة أن من خرج ليسرق فوقع فانكسرت يده أن لا يمسح على الجبيرة ولا يفطر إذا خاف من الصوم ومن الكسر الهلاك وأن لا يتيمم إذا عجز عن استعمال الماء حتى يتوب كما قال في الأكل في السفر فيلزم بقاء المصر على معصيته بلا صلاة لعدم الطهارة وتتعطل عليه أمور كثيرة من الأحكام ولا قائل بها فتأمل ذلك .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 30 - 32 ] قال ( الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل ) قلت : جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح غير ما قاله من أن حكم الوسائل حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره فإن ذلك مبني على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه والله تعالى أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل )

وكذا بين قاعدة كون المعاصي أسبابا للرخص وبين قاعدة مقارنة المعاصي لأسباب الرخص .

أما الفرق بين المقاصد والوسائل فهو أن موارد الأحكام على قسمين :

الأولى المقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها قال الإمام أبو إسحاق في موافقاته وقول الرازي إن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة كما أن أفعاله كذلك خلاف المعتمد وذلك ؛ لأنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهي الأصل { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } وقال في أصل الخلقة { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا } { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } .

وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى كقوله بعد آية الوضوء { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } وقال في الصيام { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } وفي الصلاة { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } .

وقال في القبلة { فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة } وفي الجهاد { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } وفي القصاص { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } وفي التقرير على التوحيد ب { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } والمقصود التنبيه وإذا دل الاستقراء على هذا وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة ومن هذه [ ص: 42 ] الجملة ثبت القياس والاجتهاد فلنجر على مقتضاه ويبقى البحث في كون ذلك واجبا أو غير واجب موكولا إلى علمه ثم إنه قسم المقاصد وبين أقسامها بمسائل بديعة فانظره .

القسم الثاني : الوسائل والمشهور في الاصطلاح عند أصحابنا التعبير عنها بالذرائع وهي الطرق المفضية إلى المقاصد قيل وحكمها حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره إلا أنها أخفض رتبة في حكمها مما أفضت إليه فليس كل ذريعة يجب سدها بل الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح بل قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناء على الصحيح عندنا من خطابهم بفروع الشريعة وكدفع مال لرجل يأكله حراما حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهم حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة فالذرائع المفضية إلى المحرم ثلاثة أقسام .

( والقسم الأول ) ما أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه وله مثل منها حفر الآبار في طريق المسلمين فإنه وسيلة إلى إهلاكهم فيها ومنها إلقاء السم في أطعمتهم ، ومنها سب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها .

( والقسم الثاني ) ما أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم وله أمثلة منها زراعة العنب وسيلة إلى الخمر ولم يقل أحد بالمنع منها خشية الخمر ومنها المجاورة في البيوت وسيلة إلى الزنا ولم يقل أحد بمنعها خشية الزنا .

( والقسم الثالث ) ما اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا ، وله أمثلة منها بيوع الآجال وهي كما قيل تصل إلى ألف مسألة كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر فاختص مالك رحمه الله تعالى [ ص: 43 ] بالقول بوجوب سدها نظرا إلى أنه توسل بإظهار صورة البيع لسلف خمسة بعشرة إلى أجل مثلا ؛ لأنه أخرج من يده خمسة الآن وأخذ عشرة آخر الشهر في المسألة المذكورة .

وقال الشافعي ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك ومنها النظر إلى النساء قيل يحرم ؛ لأنه يؤدي إلى الزنا وقيل لا يحرم ومنها حكم بعلمه قيل يحرم ؛ لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من القضاة السوء ، وقيل لا يحرم ومنها صناع السلع قيل يضمنونها إذا ادعوا ضياعها سدا لذريعة الأخذ ؛ لأنهم يؤثرون فيها بصنعتهم فتتغير فلا يعرفها ربها إذا بيعت وقيل لا يضمنون ؛ لأنهم أجراء وأصل الإجارة على الأمانة ، ومنها حملة الطعام قيل : يضمنونه إذا تلف لئلا تمتد أيديهم إليه ، وقيل : لا يضمنونه قلت ومنها آلات الملاهي فإنها مجمع على تحريمها إن ترتب فسوق ومشهور المذاهب الأربعة التحريم مطلقا كما في مجموع الأمير والصاوي على أقرب المسالك بل قال العلامة ابن حجر في الزواجر وقد حكى الشيخان أنه لا خلاف في تحريم المزمار العراقي وما يضرب به من الأوتار ا هـ . واختلف في كونه كبيرة أو صغيرة والأصح الثاني كما في الدسوقي على الدردير على خليل وفي الإحياء المنع من الأوتار كلها لثلاث علل : كونها تدعو إلى شرب الخمر فإن اللذة الحاصلة تدعو إليها فلهذا حرم شرب قليلها ، وكونها في قريب العهد بشربها تذكره مجالس الشرب والذكر سبب انبعاث الفسوق وانبعاثه سبب الإقدام ، وكون الاجتماع على الأوتار صار من عادة أهل الفسق مع التشبه بهم ومن تشبه بقوم فهو منهم كما في الزواجر قال أي فالتشبه بهم حرام وفي شرح المجموع ولا يبعد ما في الإحياء وغيره من النظر لما يترتب ا هـ .

قال الشيخ حجازي لأن الحكم يدور مع العلة فمن حسن قصده وتطهر من حظوظ الشهوات ورذائل الشبهات فلا يصح أن يحكم على سماعه بالحرمة ا هـ المراد . وفي ضوء الشموع لكن المشهور داعي درء المفاسد فلذا قال ولا يبعد إلخ ولم يجزم ا هـ . بتغيير . ومنها غير ذلك من المسائل الكثيرة التي قلنا بسدها ولم يقل بسدها الشافعي فليس سد الذرائع خاصا بمالك كما يتوهمه كثير من المالكية بل قال بها هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه ا هـ . قال ابن الشاط وكون ما أفضى إلى الواجب واجبا مبني على قاعدة أن ما لا يتم الواجب [ ص: 44 ] إلا به فهو واجب والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه ا هـ .

( تنبيهان الأول ) قال الإمام ابن العربي في كتاب الأحكام وقاعدة الذريعة التي يجب سدها شرعا هو ما يؤدي من الأفعال المباحة إلى محظور منصوص عليه لا مطلق محظور فمن هنا قال مالك وأبو حنيفة يشتري الولي في مشهور الأقوال من مال يتيمه إذا كان نظرا له وهو صحيح ؛ لأنه من باب الإصلاح المنصوص عليه في آية { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } إلخ فلا يقال لم ترك مالك أصله في التهمة والذرائع وجوز ذلك من نفسه مع يتيمته ؛ لأنا نقول قد أذن الله تعالى هاهنا في صورة المخالطة ووكل الحاضنين إلى أمانتهم بقوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } وكل أمر مخوف ووكل الله تعالى فيه المكلف إلى أمانته لا يقال فيه أنه يتذرع إلى محظور فمنع منه كما جعل الله سبحانه النساء مؤتمنات على فروجهن مع عظم ما يترتب على قولهن في ذلك من الأحكام ويرتبط به من الحل والحرمة والأنساب وإن جاز أن يكذبن وهذا فن بديع فتأملوه واتخذوه دستورا في الأحكام وأصلوه ا هـ .

( التنبيه الثاني ) قال الأصل القاعدة أنه كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة فإنها تبع له في الحكم وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شعر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر فيحتاج إلى دليل يدل على أنه مقصود في نفسه وإلا فهو مشكل على القاعدة ا هـ . قلت : والصحيح أن هذه القاعدة أغلبية كقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكذا كون الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة كما لا يخفى فافهم .

( وأما الفرق ) بين كون المعاصي أسبابا للرخص وبين مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فهو أن المعاصي لا تكون أسبابا للرخص ؛ لأن ترتيب الترخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها فالعاصي بسفره كالآبق وقاطع الطريق ولا يقصر ولا يفطر ؛ لأن سبب هذين الرخصتين السفر وهو في هذه الصورة معصية فلا يناسب الرخصة .

وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعا ومن مثله إذا عدم الماء أفسق الناس وأعصاهم جاز له التيمم وهو رخصة ، وإذا أضر الصوم [ ص: 45 ] بأفسق الناس جاز له الفطر وإذا أضر به القيام في الصلاة جاز له الجلوس ويقارض ويساقي ولا يمنعه عصيانه من فعل شيء من هذه الرخص ونحوها ؛ لأن أسباب هذه الرخص غير معصية وإنما المعصية مقارنة للسبب الذي هو عدم الماء أو العجز عن الصوم أو عن القيام أو نحوهما مما ليس هو بمعصية لا أنها هي السبب حتى يصح قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها ويلزمه أن لا يبيح للعاصي جميع ما تقدم ذكره وهو خلاف الإجماع ، وذلك ؛ لأن ما قاله مساو لجميع ما تقدم ذكره ضرورة أن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره الذي هو معصية فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب فافهم والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية