الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل معاملة النبي يهود خيبر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر ، عامل [ ص: 354 ] يهودها عليها على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع . وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث : على أن يعملوها من أموالهم . وفي بعضها : وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " نقركم فيها ما شئنا " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " السير " أنه كان يبعث عليهم عبد الله بن رواحة ، يخرصها عليهم عند استواء ثمارها ، ثم يضمنهم إياه ، فلما قتل عبد الله بن رواحة بمؤتة ، بعث جبار بن صخر ، كما تقدم . وموضع تحرير ألفاظه وبيان طرقه كتاب المزارعة من كتاب " الأحكام الكبير " إن شاء الله وبه الثقة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن إسحاق : سألت ابن شهاب : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ؟ فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر مما أفاء الله عليه ، خمسها وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال ، على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، فأقركم ما أقركم الله " . فقبلوا وكانوا على ذلك يعملونها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها [ ص: 355 ] أبو بكر بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي ، ثم أقرهم عمر بن الخطاب صدرا من إمارته ، ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه : " لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان " ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود فقال : إن الله أذن لي في إجلائكم ، وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجتمعن في جزيرة العرب دينان " فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتني به أنفذه له ، ومن لم يكن عنده عهد فليتجهز للجلاء . فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : قد ادعى يهود خيبر في أزمان متأخرة بعد الثلاثمائة ، أن بأيديهم كتابا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه أنه وضع الجزية عنهم ، وقد اغتر بهذا الكتاب بعض العلماء ، حتى قال بإسقاط الجزية عنهم ، من الشافعية الشيخ أبو علي خيرون ، وهو كتاب مزور مكذوب مفتعل لا أصل له ، وقد بينت بطلانه من وجوه عديدة في كتاب مفرد ، وقد تعرض لذكره وإبطاله جماعة من الأصحاب في كتبهم ، كابن الصباغ في " شامله " ، والشيخ أبي حامد في " تعليقته " وصنف فيه ابن المسلمة جزءا منفردا للرد عليه وقد تحركوا به بعد السبعمائة ، وأظهروا كتابا فيه نسخة ما ذكره الأصحاب في كتبهم ، وقد وقفت عليه ، فإذا هو مكذوب ، فإن فيه شهادة سعد بن معاذ ، ، وقد كان مات [ ص: 256 ] قبل زمن خيبر وفيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ، ولم يكن أسلم يومئذ ، وفي آخره : وكتبه علي بن أبي طالب وهذا لحن وخطأ ، وفيه وضع الجزية ، ولم تكن شرعت بعد ، فإنها إنما شرعت أول ما شرعت وأخذت من أهل نجران وذكروا أنهم وفدوا في حدود سنة تسع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال : خرجت أنا والزبير بن العوام ، والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا . قال : فعدي علي تحت الليل وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي ، فلما استصرخت على صاحبي ، فأتياني فسألاني : من صنع هذا بك ؟ فقلت : لا أدري . فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر ، فقال : هذا عمل يهود . ثم قام في الناس خطيبا فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ، ففدعوا يديه كما بلغكم ، مع عدوتهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم كانوا أصحابه ، ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال من خيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود . فأخرجهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كان لعمر بن الخطاب سهمه الذي بخيبر ، وقد كان وقفه في سبيل الله ، وشرط في الوقف ما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما هو ثابت في " الصحيحين " وشرط أن يكون النظر فيه للأرشد فالأرشد من بناته وبنيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية