الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا حلف العبد بالله فحنث ، أو أذن له سيده فحج ، فأصاب شيئا مما عليه فيه فدية ، ، أو تظاهر ، أو آلى فحنث فلا يجزيه في هذا كله أن يتصدق ، ولو أذن له سيده من قبل أنه لا يكون مالكا للمال وأن لمالكه أن يخرجه من يديه وهو مخالف للحر يوهب له الشيء فيتصدق به ; لأن الحر يملكه قبل أن يتصدق به وعليه الصيام في هذا كله فإن كان هذا شيء منه بإذن مولاه فليس له أن يمنعه منه ، وإن كان منه بغير إذن مولاه فإن كان الصوم يضر بعمل المولى كان له أن يمنعه فإن صام بغير إذن مولاه في الحال التي له أن يمنعه فيها أجزأه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم ، وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر ، وكذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أحكام الله وأحكام رسوله في الدنيا ، فأما السرائر فلا يعلمها إلا الله فهو يدين بها ويجزي ولا يعلمها دونه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ألا ترى أن حكم الله تعالى في المنافقين أنه يعلمهم مشركين فأوجب عليهم في الآخرة جهنم فقال عز وجل { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } وحكم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام الإسلام بما أظهروا منه فلم يسفك لهم دما ولم يأخذ لهم مالا ولم يمنعهم أن يناكحوا [ ص: 86 ] المسلمين وينكحوهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفهم بأعيانهم يأتيه الوحي ويسمع ذلك منهم ويبلغه عنهم فيظهرون التوبة ، والوحي يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة ، ومثل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الناس { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحدود ، فأقام على رجل حدا ، ثم قام خطيبا فقال { أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله ، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله } وروي عنه أنه قال { تولى الله منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات } وحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار } { ولاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته وقذفها برجل بعينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه وإن جاءت به كذا فلا أراه إلا قد كذب عليها فجاءت به على النعت المكروه } ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو كان لأحد من الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يأتيه به الوحي وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتول أن يقضي إلا على الظاهر ، والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر وإنما جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف الرجل لا نية له ، فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قيل للربيع كل ما كان في هذا الكتاب فإنا نقول فهو قول مالك ؟ قال نعم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية