الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا للحر أن يتزوج أمته ، ولا أمة ابنه ) . لا يجوز للحر نكاح أمته بلا خلاف . وكذا لو كان له بعضها . صرح به في الرعاية . وليس له نكاح أمة ابنه . على الصحيح من المذهب . [ ص: 148 ] ذكره القاضي ومن بعده . وجزم به في المغني ، والشرح ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، وغيره . وقيل : يجوز .

تنبيه :

قال ابن رجب : لا يجوز للأب الحر نكاح أمة ولده . ذكره القاضي ومن بعده . وذكروا أصله في المذهب . وهو وجوب إعفاف الابن أباه عند حاجته إلى النكاح . وإذا وجب عليه إعفافه كان واجدا للطول . قال : وعلى هذا المأخذ ، لا فرق بين أن يزوجه بأمته أو أمة غيره . وصرح به القاضي في الجامع . ولا فرق حينئذ بين الأب والجد من الطرفين . كذلك يلزم في سائر من يلزم إعفافه من الأقارب ، على الخلاف فيه . وصرح به ابن عقيل في الفصول . ولو كان الابن معسرا لا يقدر على إعفاف أبيه ، فهل للأب حينئذ أن يتزوج بأمته ؟ . ذكر أبو الخطاب في انتصاره احتمالين : الجواز ; لانتفاء وجوب الإعفاف . والمنع لشبهة الملك . وخرج أيضا : رواية بجواز نكاح الأب أمة ولده مطلقا من رواية عدم وجوب إعفافه . وللأصحاب في المنع مأخذ آخر . ذكره القاضي أيضا والأصحاب . وهو أن الأب له شبهة الملك في مال ولده . وشبهة الملك تمنع من النكاح . كالأمة المشتركة ، وأمة المكاتب . وعلى هذا المأخذ : يختص المنع بأمة الابن . وهل يدخل فيه الجد وإن علا من الطرفين ؟ فيه نظر . قال : وللمنع مأخذ ثالث . وهو أن الأب إذا تزوج أمة ولده فأولدها . فهل تصير بذلك مستولدة ، وينعقد ولده حرا أم لا تصير مستولدة ، وينعقد رقيقا ؟ [ ص: 149 ] ذكر القاضي : أن الولد ينعقد رقيقا ; لأن وطأه بعقد النكاح ليس تصرفا في مال ولده بحكم الأبوة ، بل هو تصرف بعقد يشاركه فيه الأجانب . فينعقد الولد رقيقا ، ولا تصير مستولدة . قال : وهذا مع القول بصحة النكاح ظاهر . وأما مع ظن صحته : ففيه نظر . وأما مع العلم ببطلانه : فبعيد جدا . وتردد ابن عقيل في فنونه في ثبوت حرية الولد واستيلاده ، كتردده في حكم النكاح . واستشكل القول ببطلانه مع رق الولد وعدم الاستيلاد . وكان أولا أفتى بالرق وعدم ثبوت الاستيلاد ، مستندا إلى صحة النكاح . قال ابن رجب : وهذا يقتضي أنه إذا حكم بفساد النكاح لزم حرية الولد واستيلاد أمه . قال : وهو أظهر ، كما لو نكح أحد الشريكين الأمة المشتركة ثم استولدها . وحينئذ يصير مأخذ المنع من النكاح معرضا للانفساخ بحصول الولد الذي هو مقصود العقد . فلا يصح . انتهى .

تنبيه :

ظاهر كلام المصنف وغيره : جواز تزويج الابن بأمة والده . وهو صحيح . وهو المذهب . وعليه الجمهور . وجزم به الوجيز ، وغيره . وصححه في الفروع ، وغيره . وقيل : لا يجوز . فعلى المذهب : لو تزوجها ، ثم قال لها : إذا مات أبي فأنت طالق . ثم مات الأب : فهل يقع الطلاق ؟ فيه وجهان .

أحدهما : يقع . اختاره القاضي في الجامع ، والخلاف ، وابن عقيل في عمد . الأدلة ، وأبو الخطاب ; لأن الموت يترتب عليه وقوع الطلاق . والملك سبق انفساخ النكاح . فقد سبق نفوذ الطلاق الفسخ ، فنفذ . [ ص: 150 ]

والوجه الثاني : لا يقع . اختاره القاضي في المجرد ، وابن عقيل في الفصول ; لأن الطلاق قارن المانع ، وهو الملك . فلم ينفذ . وقدمه للمصنف في باب الطلاق في الماضي والمستقبل . ويأتي هناك إن شاء الله محررا . ومثل هذه المسألة : لو تزوج أمة ، وقال " إن اشتريتك فأنت طالق " فيه الوجهان . وإن قلنا : ينتقل الملك مع الخيار وهو الصحيح لم يقع الطلاق . وإن قلنا : لا ينتقل : وقع الطلاق ، وجها واحدا . ذكره أبو الخطاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية