الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ( 29 ) ) .

قوله تعالى : ( إذا يشاء ) : العامل في " إذا " : " جمعهم " لا " قدير " لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء ، فتعلق القدرة بالمشيئة ؛ وهو محال .

" وعلى " : يتعلق بقدير .

قال تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( 30 ) ) .

قوله تعالى : ( وما أصابكم ) : " ما " شرطية في موضع رفع بالابتداء .

( فبما كسبت ) : جوابه ، والمراد بالفعلين الاستقبال ، ومن حذف الفاء من القراء حمله على قوله : ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) : [ الأنعام : 121 ] وعلى ما جاء من قول الشاعر : من يفعل الحسنات الله يشكرها ويجوز أن تجعل " ما " على هذا المذهب بمعنى الذي ، وفيه ضعف .

قال تعالى : ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ( 32 ) إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 33 ) أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ( 34 ) ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ( 35 ) ) .

قوله تعالى : ( الجوار ) : مبتدأ أو فاعل ارتفع بالجار ؛ و " في البحر " : حال منه . والعامل فيه الاستقرار ؛ ويجوز أن يتعلق " في " بالجواري .

و ( كالأعلام ) على الوجه الأول حال ثانية ، وعلى الثاني هي حال من الضمير في " الجوار " و ( يسكن ) : جواب الشرط . ( فيظللن ) : معطوف على الجواب ، وكذلك " أو يوبقهن " - و " يعف " .

وأما قوله تعالى : ( ويعلم الذين ) : فيقرأ بالنصب على تقدير : وأن يعلم ؛ لأنه صرفه عن الجواب ، وعطفه على المعنى .

[ ص: 385 ] ويقرأ بالكسر على أن يكون مجزوما حرك لالتقاء الساكنين . ويقرأ بالرفع على الاستئناف . قوله تعالى : ( ما لهم من محيص ) : الجملة المنفية تسد مسد مفعولي علمت .

قال تعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( 36 ) ) .

قوله تعالى : ( فمتاع الحياة ) : أي فهو متاع .

قال تعالى : ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( 37 ) ) .

قوله تعالى : ( والذين يجتنبون ) : معطوف على قوله تعالى : ( للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ فصلت : 36 ] .

ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعني ، أو رفع على تقدير " هم " .

و ( كبائر ) - بالجمع ، واحدتها كبيرة ، ومن أفرد ذهب به إلى الجنس .

و ( هم ) : مبتدأ ، و " يغفرون " : الخبر ، والجملة جواب إذا .

وقيل : " هم " مرفوع بفعل محذوف ، تقديره : غفروا ، فحذف الفعل لدلالة يغفرون عليه .

قال تعالى : ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ( 43 ) ) .

قوله تعالى : ( ولمن صبر ) : " من " شرطية ، و " صبر " في موضع جزم بها ، والجواب ( إن ذلك ) : وقد حذف الفاء .

وقيل : " من " بمعنى الذي ، والعائد محذوف ؛ أي إن ذلك منه .

قال تعالى : ( وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ( 46 ) ) .

قوله تعالى : ( ينصرونهم ) : يجوز أن يكون في موضع جر حملا على لفظ الموصوف ، ورفعا على موضعه .

قال تعالى : ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ( 48 ) ) .

[ ص: 386 ] قوله تعالى : ( فإن الإنسان كفور ) أي إن الإنسان منهم .

قال تعالى : ( أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ( 50 ) ) .

قوله تعالى : ( ذكرانا وإناثا ) : هما حال ، والمعنى : يقرن بين الصنفين .

قال تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ( 51 ) ) .

قوله تعالى : ( أن يكلمه الله ) : " أن " والفعل في موضع رفع بالابتداء ، وما قبله الخبر ، أو فاعل بالجار لاعتماده على حرف النفي و ( إلا وحيا ) : استثناء منقطع ؛ لأن الوحي ليس بتكليم .

( أو من وراء حجاب ) : الجار متعلق بمحذوف تقديره : أو أن يكلمه ؛ وهذا المحذوف معطوف على " وحيا " تقديره : إلا أن يوحى إليه ، أو يكلمه ؛ ولا يجوز أن يتعلق " من " بيكلمه الموجودة في اللفظ ؛ لأن ما قبل الاستثناء المنقطع لا يعمل فيما بعد " إلا " .

وأما ( أو يرسل ) : فمن نصب فمعطوف على موضع " وحيا " أي يبعث إليه ملكا .

وقيل : في موضع جر ؛ أي بأن يرسل . وقيل : في موضع نصب على الحال ؛ ولا يجوز أن يكون معطوفا على " أن يكلمه " ؛ لأنه يصير معناه : ما كان لبشر أن يكلمه الله ، ولا أن يرسل إليه رسولا . وهذا فاسد ؛ ولأن عطفه على أن يكلم الموجود يدخله في صلة أن ، و " إلا وحيا " يفصل بين بعض الصلة وبعض لكونه منقطعا .

ومن رفع " يرسل " استأنف .

وقيل : " من " متعلقة بيكلمه ؛ لأنه ظرف ، والظرف يتسع فيه .

قال تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52 ) ) .

قوله تعالى : ( ما كنت تدري ) : الجملة حال من الكاف في " إليك " .

قال تعالى : ( صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ( 53 ) ) .

قوله تعالى : ( صراط الله ) : هو بدل من ( صراط مستقيم ) بدل المعرفة من النكرة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية