الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وقلت له قال الله عز وجل { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل } على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل وهذا يدل ما دلت عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلي حيث شاء من غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا ويدل على أنه لا يجوز لأحد أن يقول في شيء من العلم إلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا ومثل هذا أن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم نكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله وبين أن لا يجوز لأحد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا قال : أفتوجد نية بدلالة مما يعرف الناس ؟ .

فقلت : نعم قال : وما هي ؟ قلت أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه قال : لا يريه إلا أهل العلم به قلت : لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة بأن يعرفوا أسواقه يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه وما لا ينقصه ؟ قال : نعم قلت ولا يعرف ذلك غيرهم ؟ قال : نعم قلت ومعرفتهم فيه الاجتهاد بأن يقيسوا الشيء بعضه ببعض على سوق سومها ؟ قال : نعم قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة ؟ قال : نعم قلت فإن قال . [ ص: 292 ] غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد إذ كنت على غير إحاطة من أن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم إن هؤلاء يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف فقال : ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة قلت ولو قال : أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة فنحن نقول فيه على غير قياس ونكتفي في الظن بسعر اليوم والتأمل لم يكن ذلك لهم ؟ قال : نعم قلت فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما قال العلماء وعاقل ليس له أن يقول من جهة القياس والوقف في النظر ولو جاز لعالم أن يدع الاستدلال بالقياس والاجتهاد فيه جاز للجاهلين أن يقولوا ثم لعلهم أعذر بالقول فيه لأنه يأتي الخطأ عامدا بغير اجتهاد ويأتونه جاهلين قال : أفتوجدني حجة في غير ما وصفت أن للعالمين أن يقولوا ؟ .

قلت : نعم قال : فاذكرها ، قلت لم أعلم مخالفا في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في أمور ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على أنهم إنما حكموا اجتهادا إن شاء الله تعالى قال : أفتوجدني هذا من سنة ؟ قلت : نعم أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر } وقال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال : هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة ( قال الشافعي ) : فقال : فأسمعك تروي { فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر . }

التالي السابق


الخدمات العلمية