الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
، ثم أفاد أن شرط العقار الذي فيه الشفعة قبوله القسمة بقوله ( إن انقسم ) أي قبل القسمة لا إن لم يقبلها ، أو قبلها بفساد كالحمام ، والفرن ( وفيها ) أي المدونة ( الإطلاق ) أي إنها تكون فيما ينقسم وغيره لضرر للشركة الطارئة التي هي علة الأخذ بالشفعة وكان عليه أن يزيد لفظ أيضا ليفيد أن الأول فيها أيضا ( وعمل به ) أي حكم بعض القضاة بالشفعة فيما لا ينقسم لكن في حمام كان بين أحمد بن سعيد الفقيه وشريك له فيه فباع أحمد الفقيه حصته فيه لمحمد بن إسحاق فرفعه شريكه لقاضي الجماعة بقرطبة منذر بن سعيد فأحضر الفقهاء وشاورهم فأفتوا بعدمها على قول ابن القاسم فذهب الشريك للأمير الناصر لدين الله فقال له نزلت بي نازلة حكم علي فيها بغير قول مالك فأرسل الأمير للقاضي يقول له احكم له بقول مالك فأحضر الفقهاء وسألهم عن قول مالك فقالوا مالك يرى الشفعة فحكم له به ولكن المعول عليه هو الأول ، وإنما اختصت الشفعة بما ينقسم ; لأن ما لا ينقسم إذا طلب الشريك فيه البيع أجبر شريكه عليه معه بخلاف ما ينقسم فانتفى ضرر نقص الثمن فيما لا ينقسم لجبر الشريك على البيع معه ، كذا عللوا ، وفيه نظر ; لأن الضرر الذي شرعت له الشفعة ضرر الشركة الطارئة على من لم يبع ، والضرر فيما لا ينقسم ضرر نقص الثمن إذا لم يبع شريكه معه ( بمثل الثمن ) أي يأخذه الشفيع بمثل الثمن الذي أخذه به المشتري إن كان مثليا ( ولو ) كان الثمن المأخوذ به ( دينا ) للمشتري في ذمة البائع ( أو قيمته ) إن كان الثمن مقوما كعبد وتعتبر القيمة يوم البيع لا يوم الأخذ بالشفعة ( برهنه وضامنه ) الباء بمعنى مع أي أنه إذا بيع الشقص بثمن ذمة المشتري برهن ، أو ضامن فإن الشفيع لا يأخذه إلا مع رهن مثل رهنه يدفعه للمشتري [ ص: 477 ] أو ضامن مثل ضامنه يضمنه للمشتري فإن لم يأت بمثل الرهن ، أو الضامن فلا شفعة له إن أراد أخذه بدين كالمشتري كما هو موضوع المسألة فإن أراد أخذه بنقد فله ذلك ( وأجرة دلال و ) أجرة ( عقد شراء ) أي أجرة كاتب الوثيقة ( وفي ) لزوم غرم ( المكس ) بأن يغرم للمشتري ما أخذ منه ظلما ; لأنه مدخول عليه ; ولأن المشتري لم يتوصل لشراء الشقص إلا به وعدم لزومه ; لأنه ظلم ( تردد ) الأظهر الأول ( أو قيمة الشقص ) بكسر الشين المعجمة ، وهو النصيب المشفوع فيه ، وهو عطف على مثل أن يأخذه بمثل الثمن ، أو بقيمة الشقص إن دفع ( في كخلع ) بأن دفعته الزوجة لزوجها في نظير خلعه لها ، أو دفعه الزوج لزوجته في نكاح ، أو دفعه عبد لسيده في عتقه .

( و ) في ( صلح ) جناية ( عمد ) على نفس ، أو طرف ; لأن الواجب القود بخلاف الخطأ فإن الشفعة فيه بالدية من إبل ، أو ذهب ، أو فضة تنجم كالتنجيم على العاقلة ( و ) يأخذ الشفيع الشقص بقيمته في ( جزاف نقد ) مصوغ ، أو مسكوك تعومل به وزنا بيع به الشقص ، لكن الراجح في هذا أنه لا يأخذه إلا بقيمة الجزاف .

( و ) أخذ الشقص المشترى مع غيره في صفقة ( بما يخصه ) من الثمن ( إن صاحب غيره ) فيقوم الشقص منفردا ، ثم يقوم على أنه مبيع مع المصاحب له فإذا كانت قيمته وحده عشرة مثلا وقيمته مع المصاحب له خمسة عشر علم أنه يخصه من الثمن الثلثان فيأخذه بثلثي الثمن قل ، أو كثر أي فلا يقوم كل منهما منفردا خلافا لما يوهمه التتائي [ ص: 478 ] وقد يقال الوجه مع التتائي فتدبره ( ولزم المشتري الباقي ) ، وهو الغير المصاحب للشقص ، وإن كانت قيمته أقل من قيمة الشقص ( و ) إذا بيع الشقص مؤجلا أخذه الشفيع ( إلى أجله ) الذي وقع تأجيل الثمن إليه ( إن أيسر ) الشفيع بالثمن يوم الأخذ ولا يلتفت ليسره يوم حلول الأجل في المستقبل ( أو ) لم يوسر ولكن ( ضمنه مليء ) ، أو أتى برهن ثقة فلو لم يقع الشفيع حتى حل الأجل وطلب ضرب أجل كالأول فهل يجاب إلى ذلك ، أو لا ؟ خلاف الراجح الأول ; لأن الأجل له حصة من الثمن ( وإلا ) يكن الشفيع موسرا ولا ضمنه مليء ( عجل ) الشفيع ( الثمن ) للمشتري ولو ببيع الشقص لأجنبي كما يأتي للمصنف فإن لم يعجله فلا شفعة له ( إلا أن يتساويا ) أي الشفيع ، والمشتري ( عدما ) فلا يلزم الشفيع حينئذ الإتيان بضامن ويأخذ الشقص بالشفعة إلى ذلك الأجل ( على المختار ) فلو كان الشفيع أشد عدما لزمه الإتيان بحميل فإن أبى ولم يأت بالدين أسقط الحاكم شفعته .

التالي السابق


( قوله لضرر إلخ ) أي لضرر الشريك القديم بشركة الطارئ عليه ( قوله التي هي علة إلخ ) أي على القول الثاني ، وأما علتها على الأول فهي دفع ضرر القسمة ، والحاصل أننا إن قلنا إن سبب الشفعة دفع ضرر المقاسمة خصت بما ينقسم إذ لا يجاب لقسمة غيره ، وإن قلنا سببها دفع ضرر الشركة عمت ما ينقسم وغيره ( قوله فقال ) أي الشريك له أي للأمير الناصر وقوله حكم إلخ أي أفتي علي وليس المراد أنه حكم عليه بالفعل ، وإلا لما ساغ نقض ذلك الحكم ، والحكم بالقول الآخر بعده تأمل ( قوله ولكن المعول عليه ) هو ( الأول ) أي ، وهي رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة ، والثاني لمالك أيضا ، رواه عنه بعض أصحابه ، إن قلت إن المقابل قد ذكر المصنف أنه عمل به وقد تكرر عندهم أن ما به العمل يقدم على غيره ، قلت محل ذلك كما كتب شيخنا عن كبير خش إذا كان العمل عاما لا كعمل بلدة مخصوصة ، وذكر أن المصنف بنى عمل للمجهول مبالغة في ضعفه فانظره ( قوله أجبر شريكه عليه معه ) أي لأجل أن ينتفي ضرر نقص الثمن فلذا لم يجب فيه شفعة ( قوله بخلاف ما ينقسم ) أي فإنه إذا طلب أحد الشريكين البيع لا يجبر شريكه على البيع معه ( قوله لجبر الشريك على البيع معه ) أي بخلاف ما ينقسم فإنه لم ينتف ضرر نقص الثمن فيه لعدم جبر الشريك على البيع فلذا شرعت الشفعة فيه لإزالة الضرر ( قوله ; لأن الضرر الذي شرعت لأجله الشفعة ضرر الشركة ) أي ، أو ضرر المقاسمة بناء على عمومها لما ينقسم وغيره ، أو خصوصها بالمنقسم ( قوله ، والضرر فيما لا ينقسم ) الأولى حذف لا وقوله ضرر نقص الثمن أي وحينئذ فالتعليل غير مناسب فالأولى ما ذكره عج وبن وغيرهما من أننا إن قلنا إن سبب الشفعة دفع ضرر المقاسمة خصت بما ينقسم إذ لا يجاب لقسمة غيره ، وإن قلنا سببها دفع ضرر الشركة عمت ما ينقسم وغيره كما مر ( قوله بمثل الثمن ) أراد بالثمن ما وقع العقد عليه ، وإن نقد خلافه هذا هو الراجح ، وهو قول ابن القاسم وقيل المراد بالثمن ما نقده المشتري ولو عقد على غيره ، وهو ما مشى عليه خش ا هـ .

شيخنا عدوي ( قوله إن كان مثليا ) أي إن كان الثمن مثليا معلوما ووجداه ( قوله ولو دينا في ذمة البائع ) أي فيأخذ الشفيع بمثله ولو كان مقوما ; لأن ما في الذمة بابه المثل ( قوله فإن الشفيع لا يأخذه ) أي بدين إلا مع رهن إلخ [ ص: 477 ] ظاهره ولو كان الشفيع أملى من المشتري ، وهو كذلك كما هو أرجح قولي أشهب ( قوله ، أو ضامن مثل ضامنه ) أي مثل ضامن المشتري ( قوله كما هو موضوع المسألة ) أي وليس موضوعها أن المشتري أخذه بدين في ذمة البائع ، وهي المتقدمة في قوله ، وإن دينا لعدم رهن ، أو ضامن في الشقص ، وإذا علمت أن موضوع هذه المسألة أن المشتري اشتراه بدين في ذمته فكان اللائق تأخيرها عن قوله ، وإلى أجله ، كذا قال عبق وقد يقال إن موضوع هذه المسألة أن المشتري اشتراه بدين في ذمة البائع ، وإن كان دين المشتري الذي على البائع برهن ، أو حميل ، ثم لما اشتري به الشقص منه سقط الرهن ، والضامن فإذا أخذه الشفيع بمثل الدين إلى مثل الأجل فلا بد أن يعطى المشتري مثل ما كان أولا من رهن ، أو حميل انظر بن ( قوله وعقد شراء ) وكذا يغرم الشفيع ثمن ما يكتب فيه وما عمر به المشتري في الشقص كما في بن وبين ما وقع في المواق من الوهم فانظره ( قوله ما أخذ منه ظلما ) أي ، والحال أنه جرت به العادة كما إذا جرت العادة أن من اشترى عقارا يدفع دينارا مكسا للحاكم ، أو لشيخ الحارة ( قوله الأظهر الأول ) أي ، بل هو المفتى به كما قال شيخنا ( قوله ، أو دفعه الزوج لزوجته في نكاح ) هذا إذا دفعه لها قبل الدخول .

وأما لو دفعه لها في نكاح التفويض بعد الدخول فإن الشفيع يأخذ ذلك الشقص بمهر المثل لا بقيمة الشقص كما في ح ( قوله ، أو دفعه عبد لسيده في عتقه ) أي ، أو دفع صلحا في دم عمد عن إقرار ، أو إنكار ، أو المدفوع قطاعة عن مكاتب ، أو دفع صلحا عن عمرى .

والحاصل أن المصنف أدخل بالكاف بقية المسائل السبعة المتقدمة في الباب السابق وحينئذ فلا حاجة للتصريح بقوله وصلح عمد وتعتبر القيمة في تلك المسائل السبعة يوم عقد الخلع ، والنكاح ويوم عقد بقيتها لا يوم الأخذ بالشفعة ( قوله بخلاف الخطأ ) أي بخلاف الصلح بالشقص عن دم الخطأ فإن الشفعة فيه بالدية أي التي أخذ الشقص عوضا عنها ، وهذا إذا كان الصلح عن إقرار أما لو كان عن إنكار فكالمأخوذ عن جرح عمد ( قوله من إبل ) أي إذا كانت عاقلة الجاني أهل إبل وقوله ، أو ذهب أي إذا كانت العاقلة أهل ذهب وكذا يقال فيما بعده فإذا كانت العاقلة أهل إبل أخذ الشفيع الشقص بقيمة الإبل ، وإن كانت أهل ذهب ، أو ورق فإنه يأخذ الشقص بذهب ، أو ورق قدر الدية وينجم ذلك على الشفيع في ثلاث سنين كتنجيم الدية على العاقلة لو أخذت ( قوله تعومل به ) أي بالنقد ( قوله لكن الراجح في هذا ) أي الفرع وقوله أنه أي الشفيع وقوله لا يأخذه أي الشقص إلا بقيمة الجزاف أي الذي دفع ثمنا للشقص لا بقيمة الشقص نفسه كما قال المصنف ; لأن المذهب جواز بيع النقد جزافا إن تعومل به وزنا لا إن تعومل به عددا .

والحاصل أن النقد إذ تعومل به عددا لا يجوز باتفاق بيعه جزافا ، وإن تعومل به وزنا ففيه خلاف فقيل بالمنع وقيل بالجواز ، وهو المذهب وعليهما إذا اشترى الشقص بجزاف نقدا فيأخذه الشفيع بقيمته على الأول وبقيمة الجزاف على الثاني ( قوله إلا بقيمة الجزاف ) أي بقيمته من غير جنسه فإن كان ذهبا قوم بفضة ، وإن كان فضة قوم بذهب وعلى هذا الراجح فالشفيع يأخذ الشقص بقيمة الثمن في حالتين ما إذا كان الثمن مقوما ، أو نقدا جزافا .

( تنبيه ) لو كان ثمن الشقص بعضه نقد معلوم القدر وبعضه جزاف فقد لزم الشفيع إذا أخذه دفع مثل المعلوم وقيمة الجزاف ( قوله بما يخصه ) أي بعد معرفة ما يخصه منه ولو قال الشفيع أخذت بالشفعة قبل معرفة الثمن لم يلزمه الأخذ كما في ح عند قوله بمثل الثمن ( قوله خلافا لما يوهمه التتائي ) أي من أنه يقوم كل منهما منفردا وتنسب قيمة الشقص لمجموع [ ص: 478 ] القيمتين ويأخذ من الثمن بتلك النسبة ( قوله وقد يقال الوجه مع التتائي ) أي ; لأن ما قاله يرجع لما قاله غيره فلا وجه للرد عليه ( قوله ولزم المشتري الباقي ) أي ولو كان قليلا وليس له إلزام الشفيع به ولا للشفيع أخذه جبرا عن المشتري ( قوله ، وهو الغير ) أي غير الشقص ( قوله ولا يلتفت ليسره ) أي ولا يكفي تحقق يسره يوم حلول الأجل بنزول جامكية ، أو معلوم وظيفة في المستقبل إذا كان يوم الأخذ معسرا مراعاة لحق المشتري ; لأنه يحصل للشفيع بعدم الاكتفاء بذلك ضيق فيكون ذلك وسيلة لتركه الأخذ بالشفعة ولا يراعى أيضا خوف طرو عسره قبل حلول الأجل إلغاء للطارئ لوجود مصحح العقد يوم الأخذ ، وهو اليسر ( قوله ، أو لم يوسر ) أي يوم الأخذ ( قوله الراجح الأول ) أي .

وهو قول مطرف وابن الماجشون وابن حبيب وصوبه ابن يونس وابن رشد قال بن لكن الذي جرى به العمل عندنا القول الثاني ، وهو قول مالك وأصبغ وقوله الراجح الأول أي كما أن الراجح فيما إذا اشترى الشقص بدين في ذمة البائع قبل حلول أجله ولم يأخذه الشفيع حتى حل الأجل وطلب ضرب أجل كالأول أنه يجاب لذلك كما صوبه ابن زرقون خلافا لما في الواضحة من أنه لا يجاب ( قوله ولو ببيع الشقص ) أي ، أو بتسلف ( قوله فلا شفعة له ) أي أسقط الحاكم شفعته ولا شفعة له إذا وجد حميلا بعد ذلك كما قاله ابن حبيب ، ثم إذا عجل الشفيع الثمن للمشتري لا يلزم المشتري أن يعجله للبائع ، بل حتى يتم الأجل الذي اشترى له المشتري ( قوله على المختار ) مقابله أنه متى كان الشفيع معدما فلا يأخذه إلا بضامن ولو كان مساويا للمشتري في العدم .




الخدمات العلمية