الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن غصبه ألف درهم ، ثم اشتراها منه بمائة دينار ، ونقده الدنانير ، والدراهم قائمة في منزل الغاصب ، أو مستهلكة ، فهو سواء ، وهو جائز ، أما بعد الاستهلاك فلأنه قابض لبدل الدنانير [ ص: 53 ] بذمته ، وفي حال قيام العين هو قابض لها بيده ; لأنها مضمونة في يده بنفسها ، وهذا القبض ينوب عن قبض الشراء ، وكذلك لو كان الذي غصبه إناء فضة ، وكذلك لو صالحه عنه على مثل وزنه من جنسه ، وأعطاه جاز ، وكذلك لو كان الإناء مستهلكا ; لأن ما أشرنا إليه من المعنى يعم المفصول ، فإن صالحه من الفضة على ذهب بتأخير ، أو على فضة مثلها بتأخير كان جائزا عندنا ، خلافا لزفر ، وقد بينا أنه فرق بين ، قضاء القاضي بالقيمة عليه ، وبين تراضيهما عليه بالصلح ، وهذا ; لأن المغصوب في حكم المستهلك إذا كان لا يتوصل إلى عينه ، فما يقع الصلح عليه يكون بدل المغصوب المستهلك ، وليس هذا كالشيء القائم بعينه يبيعه إياه ، يعني لو كان قائما بعينه قد أظهره فباعه منه ، كان هذا صرفا ، ولا يجوز إلا يدا بيد ; لأن حقه في استرداد العين إذا كان قائما بعينه فيبيعه منه ، بخلاف الجنس يكون معاوضة مبتدأة ، وإن كان الإناء غائبا عنه فقال : اشتريته منك بنسيئة فإني أكره ذلك إذا وقع عليه اسم البيع كرهت منه ما أكره من الصرف ; لأن البيع : مبادلة مال بمال قائم ، فلفظهما دليل على كون الإناء قائما ، فلا يختلف الجواب بكونه حاضرا ، أو غائبا ، والقياس في الصلح هكذا ، إلا أني أستحسن في الصلح إذا كان الإناء مغيبا عنه ; لأنه ليس في نفس الصلح ما يدل على قيامه ، وما لا يتوصل إلى عينه فهو مستهلك حكما أما إذا كان ظاهرا ، أو هو مقر به فإني أكره الصلح ، والبيع في ذلك إلا على ما يجوز في الصرف ، فإن ما يجري بينهما صرف بزعمهما فيؤاخذان بأحكام الصرف فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية