الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وظاهر الكلام : أن التيمم مسح الوجه واليدين من الصعيد الطيب ، فمتى حصلت هذه الكيفية حصل التيمم . والعطف بالواو لا يقتضي ترتيبا بين الوجه واليدين [ ص: 260 ] والباء في ( بوجوهكم ) مما يعدى بها الفعل تارة ، وتارة بنفسه . حكى سيبويه : مسحت رأسه وبرأسه ، وخشنت صدره وبصدره على معنى واحد . وظاهر مسح الوجه التعميم ، فيمسحه جميعه كما يغسله بالماء جميعه . وأجاز بعضهم ألا يتتبع الغضون . وأما اليدان فظاهر مسحهما تعميم مدلولهما ، وهي تنطلق لغة إلى المناكب ، وبه قال ابن شهاب ، قال : يمسح إلى الآباط ، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وفي سنن أبي داود : ( أنه عليه السلام مسح إلى أنصاف ذراعيه ) قال ابن عطية : لم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت . انتهى . وذهب أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما ، و الثوري ، وابن أبي سلمة ، و الليث : أنه يمسح إلى بلوغ المرفقين فرضا واجبا ، وهو قول جابر ، وابن عمر ، و الحسن ، و إبراهيم . وذهب طائفة إلى أنه يبلغ به إلى الكوعين وهما الرسغان ، وهو قول علي ، وعطاء ، و الشعبي ، و مكحول ، و الأوزاعي ، و أحمد ، و إسحاق ، و داود بن علي ، و الطبري ، والشافعي في القديم ، وروي عن مالك . وذهب الشعبي إلى أنه يمسح كفيه فقط ، وبه قال بعض فقهاء الحديث ، وهو الذي ينبغي أن يذهب إليه لصحته في الحديث . ففي مسلم من حديث عمار ( إنما كان يكفيك أن تضرب بيدك الأرض ثم تنفخ وتمسح بها وجهك وكفيك ) وعنه في هذا الحديث : ( وضرب بيده الأرض فنفض يديه ، فمسح وجهه وكفيه ) ، وللبخاري : ( أدناهما من فيه ، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ) وفي مسلم أيضا : ( أما يكفيك أن تقول بيدك هكذا ، ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ) وعند أبي داود ( فضرب بيده الأرض فقبضها ، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ، ثم مسح وجهه ) . فهذه الأحاديث الصحيحة مبينة ما تطرق إليه الاحتمال في الآية من محل المسح وكيفيته . وظاهر هذه الأحاديث الصحيحة وظاهر الآية يدل على الاجتزاء بضربة واحدة للوجه واليدين ، وهو قول عطاء والشعبي في رواية ، و الأوزاعي في الأشهر عنه ، و أحمد وإسحاق وداود والطبري . وذهب مالك في المدونة ، و الأوزاعي في رواية ، وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم ، و الثوري ، و الليث ، وابن أبي سلمة : إلى وجوب ضربتين : ضربة للوجه ، وضربة لليدين ، وذهب ابن أبي ليلى والحسن إلى أنه ضربتان ، ويمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه ، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم غيرهما . وأحكام التيمم ومسائله كثيرة مذكورة في كتب الفقه ، ولم يذكر في هذه السورة منه ، وذكر ذلك في المائدة ، فدلت على مذهب الشافعي في نقل شيء من الممسوح به إلى الوجه والكفين ، وحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ، ولذلك قال الزمخشري : فإن قلت : فما تصنع بقوله في سورة المائدة : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه أي بعضه وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه ؟ قلت : قالوا : إنها - أي : من - لابتداء الغاية . فإن قلت : قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف ، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ، ومن الماء ، ومن التراب - إلا معنى التبعيض ؛ قلت : هو كما تقول ، والإذعان للحق أحق من المراء . إن الله كان عفوا غفورا كناية عن الترخيص والتيسير ، لأن من كانت عادته أن يعفو عن الخطائين ويغفر لهم ، آثر أن يكون ميسرا غير معسر انتهى كلامه . والعجب منه إذ أذعن إلى الحق ، وليس من عادته ، بل عادته أن يحرف الكلام عن ظاهره ويحمله على غير محمله لأجل ما تقرر من مذهبه . وأيضا فكلامه أخيرا حيث أطلق أن الله يعفو عن الخطائين ويغفر لهم ، العجب له إذ لم يقيد ذلك بالتوبة على مذهبه وعادته فيما هو يشبه هذا الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية