الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) ذكر في سبب نزولها قصص طويل ملخصه : أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضي بين اليهود ، فتنافر إليه نفر من أسلم ، أو أن قيسا الأنصاري أحد من يدعي الإسلام ، ورجلا من اليهود تداعيا إلى الكاهن ، وتركا الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما دعا اليهودي إلى الرسول والأنصاري يأبى إلا الكاهن . أو أن منافقا ويهوديا اختصما ؛ فاختار اليهودي الرسول صلى الله عليه وسلم ، واختار المنافق كعب بن الأشرف ؛ فأبى اليهودي ، وتحاكما إلى الرسول فقضى لليهودي ، فخرجا ولزمه المنافق ، وقال : ننطلق إلى عمر ، فانطلقا إليه فقال اليهودي : قد تحاكمنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يرض بقضائه ، فأقر المنافق بذلك عند عمر ، فقتله عمر ، وقال : هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء الله ، وقضاء رسوله .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها [ ص: 280 ] ظاهرة ; لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله ، وأولي الأمر ذكر أنه يعجب بعد ورود هذا الأمر من حال من يدعي الإيمان ، ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت ، ويترك الرسول . وظاهر الآية يقتضي أن تكون نزلت في المنافقين ; لأنه قال : يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، وما أنزل من قبلك ؛ فلو كانت في يهود أو في مؤمن ويهودي كان ذلك بعيدا من لفظ الآية ، إلا إن حمل على التوزيع ؛ فيجعل بما أنزل إليك في منافق ، وما أنزل من قبلك في يهودي ، وشملوا في ضمير ( يزعمون ) فيمكن . وقال السدي : نزلت في المنافقين من قريظة والنضير ، تفاخروا بسبب تكافؤ دمائهم ; إذ كانت النضير في الجاهلية تدي من قتلت ، وتستقيه إذا قتلت قريظة منهم ، فأبت قريظة لما جاء الإسلام ، وطلبوا المنافرة ، فدعا المؤمنون منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعا المنافقون إلى بردة الكاهن فنزلت . وقال الحسن : احتكم المنافقون بالقداح التي يضرب بها عند الأوثان فنزلت . أو لسبب اختلافهم في أسباب النزول اختلفوا في الطاغوت . فقيل كعب بن الأشرف . وقيل الأوثان ، وقيل ما عبد من دون الله ، وقيل الكهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية