الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 528 ] فصل فيما يذكر من صفاته عليه الصلاة والسلام في الكتب المأثورة عن الأنبياء الأقدمين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد أسلفنا طرفا صالحا من ذلك في البشارات به قبل مولده ، ونحن نذكر هاهنا غررا من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقد روى البخاري والبيهقي ، واللفظ له ، من حديث فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ، ومبشرا ، ونذيرا ، وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخب بالأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ؛ أن يقولوا : لا إله إلا الله . وأفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا . قال عطاء بن يسار ثم لقيت كعبا الحبر ، فسألته ، فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا قال : أعينا عمومى وقلوبا غلوفى وآذانا صمومى . [ ص: 529 ] ورواه البخاري أيضا عن عبد الله غير منسوب - قيل : هو ابن رجاء . وقيل : عبد الله بن صالح . وهو الأرجح - عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن هلال بن علي به . قال البخاري : وقال سعيد ، عن هلال ، عن عطاء ، عن عبد الله بن سلام . كذا علقه البخاري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان : حدثنا أبو صالح ، هو عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن سلام أنه كان يقول : إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميته المتوكل ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويتجاوز ، ولن أقبضه حتى يقيم الملة العوجاء ، بأن يشهد أن لا إله إلا الله ، نفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا . قال عطاء بن يسار وأخبرني الليثي ، [ ص: 530 ] أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال ابن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن عبد الله بن سلام من وجه آخر ، فقال الترمذي : حدثنا زيد بن أخزم الطائي البصري ، ثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ، حدثني أبو مودود المدني ، ثنا عثمان بن الضحاك ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : مكتوب في التوراة : صفة محمد ، وعيسى بن مريم يدفن معه . فقال أبو مودود : وقد بقي في البيت موضع قبر . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن . هكذا قال : عثمان بن الضحاك . والمعروف الضحاك بن عثمان المدني ، وهكذا حكى شيخنا الحافظ المزي في كتابه " الأطراف " عن ابن عساكر أنه قال مثل قول الترمذي ، ثم قال : وهو شيخ آخر أقدم من الضحاك بن عثمان ، ذكره ابن أبي حاتم ، عن أبيه فيمن اسمه عثمان . فقد روي هذا عن عبد الله بن سلام ، وهو من أئمة أهل الكتاب ممن آمن ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد كان له اطلاع على ذلك من [ ص: 531 ] جهة زاملتين كان أصابهما يوم اليرموك فكان يحدث منهما عن أهل الكتاب ، وعن كعب بن ماتع الحبر وكان بصيرا بأقوال المتقدمين على ما فيها من خلط وغلط ، وتحريف وتبديل ، فكان يقولها بما فيها من غير نقد ، وربما أحسن بعض السلف بها الظن فنقلها عنه مسلمة ، وفي ذلك من المخالفة لبعض ما بأيدينا من الحق جملة كثيرة ، لكن لا يتفطن لها كثير من الناس ، ثم ليعلم أن كثيرا من السلف يطلقون التوراة على كتب أهل الكتاب ، سواء كانت هذا الكتاب المتلو عندهم ، أو أعم من ذلك ، كما أن لفظ القرآن يطلق على كتابنا خصوصا ، وقد يستعمل ويراد به غيره ، كما في الصحيح : " خفف على داود القرآن ، فكان يأمر بدوابه فتسرج ، فيقرأ القرآن مقدار ما يفرغ " . وقد بسط هذا في غير هذا الموضع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل ، عن أم الدرداء قالت : قلت لكعب الحبر : كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ قال : نجده : محمد رسول الله اسمه المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب بالأسواق ، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينا عورا ، ويسمع به [ ص: 532 ] آذانا وقرا ، ويقيم به ألسنا معوجة ، حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعين المظلوم ويمنعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبه عن يونس بن بكير ، عن يونس بن عمرو ، عن العيزار بن حريث ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل : لا فظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، بل يعفو ويصفح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان : ثنا فيض البجلي ، حدثنا سلام بن مسكين ، عن مقاتل بن حيان قال : أوحى الله عز وجل ، إلى عيسى بن مريم : جد في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع يا بن الطاهر البكر البتول ، إني خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، فبين لأهل سوران بالسريانية ، بلغ من بين يدك أني أنا الحق القائم الذي لا أزول ، صدقوا بالنبي الأمي العربي ، صاحب الجمل والمدرعة والعمامة والنعلين والهراوة ، [ ص: 533 ] الجعد الرأس ، الصلت الجبين ، المقرون الحاجبين ، الأنجل العينين ، الأهدب الأشفار الأدعج العينين ، الأقنى الأنف ، الواضح الجبين الكث اللحية ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، ريحه المسك ينفح منه ، كأن عنقه إبريق فضة ، وكأن الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من لبته إلى سرته تجري كالقضيب ، ليس على صدره ولا بطنه شعر غيره ، شثن الكف والقدم ، إذا جاء مع الناس غمرهم ، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخر وينحدر في صبب ، ذو النسل القليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ البيهقي بسنده عن وهب بن منبه اليماني قال : إن الله عز وجل لما قرب موسى نجيا ، قال : رب ، إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالله ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب ، إني أجد في التوراة أمة هم الآخرون من الأمم ، السابقون يوم القيامة ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب ، إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها ، وكان من قبلهم يقرؤون كتبهم نظرا ولا يحفظونها ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب ، إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر ، ويقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب ، [ ص: 534 ] إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم ، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها ، فإن لم تقبل لم تقربها النار ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب ، إني أجد في التوراة أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب ، إني أجد في التوراة أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وذكر وهب بن منبه في قصة داود عليه السلام ، وما أوحي إليه في الزبور : يا داود ، إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد ، صادقا سيدا ، لا أغضب عليه أبدا ، ولا يغضبني أبدا ، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، أمته مرحومة ، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم ، يا داود ، إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلها ، [ ص: 535 ] أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم ؛ لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان ، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إن استغفروني منه غفرته لهم ، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة ، ولهم في المدخور عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك ، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون . الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم ، فإن دعوني استجبت لهم ، فإما أن يروه عاجلا ، وإما أن أصرف عنهم سوءا ، وإما أن أدخره لهم في الآخرة ، يا داود ، من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها ، فهو معي في جنتي وكرامتي ، ومن لقيني وقد كذب محمدا وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي ، صببت عليه في قبره العذاب صبا ، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا الشريف أبو الفتح العمري ، ثنا عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي ، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، ثنا عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي ، حدثني محمد بن عمر بن إبراهيم يعني ابن [ ص: 536 ] محمد بن جبير بن مطعم ، قال : حدثتني أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيها ، عن أبيه قال : سمعت أبي جبير بن مطعم يقول : لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وظهر أمره بمكة ، خرجت إلى الشام فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي : أمن الحرم أنت ؟ قلت : نعم . قالوا : فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم ؟ قلت : نعم . قال : فأخذوا بيدي ، فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور ، فقالوا لي : انظر ، هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم ؟ فنظرت فلم أر صورته ، قلت : لا أرى صورته . فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير ، فإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير ، فقالوا لي : انظر ، هل ترى صورته ؟ فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته ، وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لي : هل ترى صفته ؟ قلت : نعم . قالوا : أهو هذا ؟ وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : اللهم نعم ، أشهد أنه هو . قالوا : أتعرف هذا الذي هو آخذ بعقبه ؟ قلت : نعم . قالوا : نشهد أن هذا صاحبكم ، وأن هذا الخليفة من بعده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورواه البخاري في " التاريخ " عن محمد غير منسوب ، عن محمد بن عمر هذا بإسناده ، فذكره مختصرا ، وعنده : فقالوا : إنه لم يكن نبي إلا بعده نبي إلا هذا النبي . وقد ذكرنا في كتابنا " التفسير " عند قوله تعالى في سورة الأعراف : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر الآية [ الأعراف : 175 ] . ذكرنا ما أورده البيهقي وغيره من طريق أبي أمامة الباهلي ، [ ص: 537 ] عن هشام بن العاص الأموي قال : بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام . فذكر اجتماعهم به وأن غرفته تنفضت حين ذكروا الله عز وجل ، فأنزلهم في دار ضيافته ، ثم استدعاهم بعد ثلاث فدعا بشيء نحو الربعة العظيمة ، فيها بيوت صغار ، عليها أبواب ، وإذا فيها صور الأنبياء ممثلة في قطع من حرير ، من آدم إلى محمد ، صلوات الله عليهم أجمعين ، فجعل يخرج لهم واحدا واحدا ، ويخبرهم عنه ، وأخرج لهم صورة آدم ثم نوح ثم إبراهيم ، ثم تعجل إخراج صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ثم فتح بابا آخر ، فإذا فيها صورة بيضاء ، وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أتعرفون هذا ؟ قلنا : نعم ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وبكينا . قال : والله يعلم أنه قام قائما ، ثم جلس ، وقال : والله إنه لهو ؟ قلنا : نعم ، إنه لهو كما تنظر إليه . فأمسك ساعة ينظر إليها ، ثم قال : أما إنه كان آخر البيوت ، ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم . ثم ذكر تمام الحديث في إخراجه صور بقية صور الأنبياء وتعريفه إياهما بهم . وقال في آخره : قلنا له : من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ لأنا رأينا صورة نبينا عليه الصلاة والسلام ، مثله . فقال : إن آدم ، عليه السلام ، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده ، فأنزل عليه صورهم ، فكان في خزانة آدم عليه السلام ، عند مغرب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس ، فدفعها إلى دانيال . ثم قال : أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي ، وأني كنت عبدا لأشركم ملكة حتى أموت . قال : ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا ، فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، حدثناه بما رأينا وما قال لنا وما أجازنا . قال : فبكى أبو بكر ، قال : مسكين لو [ ص: 538 ] أراد الله به خيرا لفعل . ثم قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الواقدي : حدثني علي بن عيسى الحكمي ، عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة قال : سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول : أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ، ثم من بني عبد المطلب ، ولا أراني أدركه ، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي ، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام ، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك . قلت : هلم . قال هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ، ولا بكثير الشعر ولا بقليله ، وليست تفارق عينيه حمرة ، وخاتم النبوة بين كتفيه ، واسمه أحمد ، وهذا البلد مولده ومبعثه ، ثم يخرجه قومه منها ، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره ، فإياك أن تخدع عنه ، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم ، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون : هذا الدين وراءك . وينعتونه مثل ما نعته لك ، ويقولون : لم يبق نبي غيره . قال عامر بن ربيعة : فلما أسلمت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم قول زيد بن عمرو بن نفيل وأقرأته منه السلام ، فرد عليه السلام ، وترحم عليه ، وقال : قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية