(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) قيل الدرجات باعتبار المنازل الرفيعة بعد إدخال الجنة والمغفرة باعتبار ستر الذنب والرحمة باعتبار دخول الجنة . والظاهر أن هذا التفضيل الخاص للمجاهد بنفسه وماله ، ومن تفرد بأحدهما ليس كذلك . ومن المعلوم أن من جاهد ، ومن أنفق ماله في الجهاد ، ليس كمن جاهد بنفقة من عند غيره .
وفي انتصاب درجة ، ودرجات وجوه ; أحدها : أنهما ينتصبان انتصاب المصدر لوقوع درجة موقع المرة في التفضيل ؛ كأنه قيل فضلهم تفضيله . كما تقول : ضربته سوطا ، ووقوع درجات موقع تفضيلات كما تقول : ضربته أسواطا تعني : ضربات . والثاني : أنهما ينتصبان انتصاب الحال ; أي ذوي درجة وذوي درجات . والثالث : على تقدير حرف الجر أي بدرجة وبدرجات . والرابع : أنهما انتصبا على معنى الظرف ; إذ وقعا موقعه ; أي في درجة وفي درجات . وقيل انتصاب درجات على البدل من أجرا قيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96ومغفرة ورحمة ) معطوفان على درجات . وقيل انتصبا بإضمار فعلهما ; أي غفر ذنبهم مغفرة ، ورحمهم رحمة . وأما انتصاب أجرا عظيما فقيل على المصدر ; لأن معنى فضل معنى أجر ، فهو مصدر من المعنى لا من اللفظ . وقيل على إسقاط حرف الجر أي بأجر . وقيل مفعول بفضلهم لتضمينه معنى ( أعطاهم ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ونصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95أجرا عظيما ) على أنه حال من النكرة التي هي درجات مقدمة عليها ، انتهى . وهذا لا يظهر ; لأنه لو تأخر لم يجز أن يكون نعتا لعدم المطابقة ; لأن أجرا عظيما مفرد ، ولا يكون نعتا لدرجات لأنها جمع . وقال
ابن عطية : ونصب درجات ؛ إما على البدل من الأجر ، وإما بإضمار فعل ( على ) أن يكون تأكيدا للأجر ، كما نقول لك : علي ألف درهم عرفا ؛ كأنك قلت : أعرفها عرفا انتهى . وهذا فيه نظر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ) روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=10374266عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم ، أو يضرب فيقتل ؛ فنزلت . وقيل قوم من أهل مكة أسلموا ؛ فلما هاجر الرسول أقاموا مع قومهم ، وفتن منهم جماعة ؛ فلما كان يوم بدر خرج منهم قوم مع الكفار ؛ فقتلوا ببدر فنزلت . قال
عكرمة : نزلت في خمسة قتلوا يوم
بدر :
قيس بن النائحة بن المغيرة ،
والحارث بن زمعة بن الأسود بن أسد ،
وقيس بن الوليد بن المغيرة ،
وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج ،
وعلي بن أمية بن خلف . وقال
النقاش : في أناس سواهم أسلموا ثم خرجوا إلى
بدر ؛ فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : غر هؤلاء دينهم .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه تعالى لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد ؛ أتبعه بعقاب من قعد عن الجهاد ، وسكن في بلاد الكفر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومقاتل : التوفي هنا قبض الأرواح . وقال
الحسن : الحشر إلى النار . والملائكة هنا قيل
ملك الموت ، وهو من باب إطلاق الجمع على الواحدة تفخيما له ، وتعظيما لشأنه ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قل يتوفاكم ملك الموت ) هذا قول الجمهور . وقيل المراد
ملك الموت ، وأعوانه ، وهم ستة ؛ ثلاثة لأرواح
[ ص: 334 ] المؤمنين ، وثلاثة لأرواح الكافرين . ويشهد لهذا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61توفته رسلنا وهم لا يفرطون ) ، وظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وقعودهم مع قومهم حين رجعوا للقتال ، أو برجوعهم إلى الكفر ، أو بشكهم ، أو بإعانة المشركين ، أقوال أربعة : وتوفاهم : ماض لقراءة من قرأ توفتهم ، ولم يلحق تاء التأنيث للفصل ، ولكون تأنيث الملائكة مجازا ، أو مضارع ، وأصله تتوفاهم .
وقرأ
إبراهيم : توفاهم بضم التاء مضارع وفيت ؛ والمعنى : إن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها . والضمير في ( قالوا ) للملائكة ، والجملة خبر إن ، والرابط ضمير محذوف دل عليه المعنى ؛ التقدير : قالوا : قالوا لهم فيم كنتم ؟ وهذا الاستفهام معناه التوبيخ والتقريع . والمعنى : في أي شيء كنتم من أمر دينكم ؟ وقيل إن أحوال الدنيا ، وجوابهم للملائكة اعتذار عن تخلفهم عن الهجرة ، وإقامتهم بدار الكفر ، وهو اعتذار غير صحيح .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : كيف صح وقوع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97كنا مستضعفين في الأرض جوابا عن قولهم : فيم كنتم ؟ وكان حق الجواب أن يقولوا : كنا في كذا ، ولم يكن في شيء ؟ قلت : معنى فيم كنتم ، التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على الهجرة ، ولم يهاجروا ؛ فقالوا : كنا مستضعفين اعتذارا مما وبخوا به ، واعتلالا بالاستضعاف ، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء ، انتهى كلامه . والذي يظهر أن قولهم : كنا مستضعفين في الأرض جواب لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97فيم كنتم على المعنى ، لا على اللفظ ; لأن معنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97فيم كنتم في أي حال مانعة من الهجرة كنتم ، قالوا : كنا مستضعفين ; أي في حالة استضعاف في الأرض ، بحيث لا نقدر على الهجرة ، وهو جواب كذب والأرض هنا أرض
مكة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) هذا تبكيت من الملائكة لهم ، ورد لما اعتذروا به ; أي لستم مستضعفين ، بل كانت لكم القدرة على الخروج إلى بعض الأقطار فتهاجروا حتى تلحقوا بالمهاجرين ، كما فعل الذين هاجروا إلى الحبشة ، ثم لحقوا بعد بالمؤمنين
بالمدينة . ومعنى فتهاجروا فيها ; أي في قطر من أقطارها ، بحيث تأمنون على دينكم . وقيل أرض الله أي
المدينة . واسعة آمنة لكم من العدو فتخرجوا إليها . وهل هؤلاء الذين توفتهم الملائكة مسلمون خرجوا مع المشركين في قتال فقتلوا ؟ أو منافقون ، أو مشركون ؟ ثلاثة أقوال . الثالث قاله
الحسن . قال
ابن عطية : قول الملائكة لهم بعد توفي أرواحهم يدل على أنهم مسلمون ، ولو كانوا كفارا لم يقل لهم شيء من ذلك ، وإنما لم يذكروا في الصحابة لشدة ما واقعوه ، ولعدم تعين أحد منهم بالإيمان ، واحتمال ردته . انتهى ملخصا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : يوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر كافرا حتى يهاجر إلا من لا يستطيع حيلة ، ولا يهتدي سبيلا ، انتهى . قال
ابن عطية : والذي تقتضيه الأصول أن من ارتد من أولئك كافر ، ومأواه جهنم على جهة الخلود ، ومن كان مؤمنا فمات
بمكة ولم يهاجر ، أو أخرج كرها فقتل عاص مأواه جهنم دون خلود . ولا حجة
للمعتزلة في هذه الآية على التكفير بالمعاصي . وفي الآية دليل على أن من لا يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يحب وجبت عليه الهجرة . وروي في الحديث
من فر بدينه من أرض إلى أرض ، وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة ، وكان رفيق أبيه إبراهيم ، ونبيه محمد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) الفاء للعطف ؛ عطفت جملة على جملة . وقيل ( فأولئك ) خبر ( إن ) ، ودخلت الفاء في خبر إن تشبيها لاسمها باسم الشرط ، وقالوا : فيم كنتم حال من الملائكة ، أو صفة لظالمي أنفسهم أي ظالمين أنفسهم قائلا لهم الملائكة : فيم كنتم ؟ وقيل خبر إن محذوف تقديره : هلكوا ، ثم فسر الهلاك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97قالوا فيم كنتم .
[ ص: 335 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=98إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) من الرجال جماعة ؛
كعياش بن أبي زمعة ،
وسلمة بن هشام ،
والوليد بن الوليد . ومن النساء جماعة :
nindex.php?page=showalam&ids=11696كأم الفضل أمامة بنت الحارث أم عبد الله بن عباس . ومن الولدان :
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس وغيره . فإن أريد بالولدان العبيد والإماء البالغون فلا إشكال في دخولهم في المستثنين ، وإن أريد بالولدان الأطفال فهم لا يكونون إلا عاجزين فلا يتوجه عليهم وعيد بخلاف الرجال والنساء قد يكونون عاجزين ، وقد يكونون غير عاجزين ؛ وإنما ذكروا مع الرجال والنساء ، وإن كانوا لا يتوجه عليهم الوعيد باعتبار أن عجزهم هو عجز لآبائهم الرجال والنساء ; لأن من أقوى أسباب العجز وعدم الحنكة كون الرجال والنساء مشغولين بأطفالهم ، مشغوفين بهم ، فيعجزون عن الهجرة بسبب خوف ضياع أطفالهم وولدانهم . فذكر الولدان في المستثنين ، تنبيه على أعظم طرق العجز للرجال والنساء ; لأن طرق العجز لا تنحصر ؛ فنبه بذكر عجز الولدان على قوة عجز الآباء والأمهات بسببهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء ، فيلحقوا بهم في التكليف ، انتهى . وليس بجيد ; لأن المراهق لا يلحق بالمكلف أصلا ، ولا وعيد عليه ما لم يكلف . وقيل يحتمل أن يراد بالمستضعفين أسرى المسلمين الذين هم في أيدي المشركين لا يستطيعون حيلة إلى الخروج ، ولا يهتدون إلى تخليص أنفسهم . وهذا الاستثناء قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هو من قوله : ( مأواهم جهنم ) . قال غيره : كأنه قيل فأولئك في جهنم إلا المستضعفين ؛ فعلى هذا استثناء متصل . والذي يقتضيه النظر أنه استثناء منقطع ; لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97إن الذين توفاهم الملائكة ) إلى آخره يعود الضمير في مأواهم إليهم . وهم على أقوال المفسرين إما كفار ، وإما عصاة بالتخلف عن الهجرة ، وهم قادرون ؛ فلم يندرج فيهم المستضعفون المستثنون ; لأنهم عاجزون ، فهو منقطع .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=98لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . الحيلة : لفظ عام لأنواع أسباب التخلص . والسبيل هنا طريق
المدينة قاله
مجاهد والسدي . وغيرهما . قال
ابن عطية : والصواب أنه عام في جميع السبل ؛ يعني المخلصة من دار الكفر ، انتهى . وقيل لا يعرفون طريقا إلى الخروج ، وهذه الجملة قيل مستأنفة ، وقيل في موضع الحال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : صفة للمستضعفين ، أو الرجال والنساء والولدان . قال : وإنما جاز ذلك والجمل نكرات ; لأن الموصوف ، وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
انتهى كلامه .
وهو تخريج ذهب إلى مثله بعض النحويين في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ، وهو هدم للقاعدة المشهورة : بأن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة ، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة . والذي يظهر أنها جملة مفسرة لقوله : المستضعفين ; لأنها في معنى : إلا الذين استضعفوا فجاء بيانا وتفسيرا لذلك ; لأن الاستضعاف يكون بوجوه فبين جهة الاستضعاف النافع في التخلف عن الهجرة ، وهي عدم استطاعة الحيلة وعدم اهتداء السبيل . والثاني مندرج تحت الأول ; لأنه يلزم من انتفاء القدرة على الحيلة التي يتخلص بها انتفاء اهتداء السبيل . وروي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مسلمي مكة بهذه الآية ؛ فقال جندب بن ضمرة الليثي : ويقال : جندع بالعين ، أو ضمرة بن جندب لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين ، وإني لأهتدي [ ص: 336 ] الطريق ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة ، وكان شيخا كبيرا فمات بالتنعيم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=99فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ) عسى : كلمة إطماع وترجية ، وأتى بها ، وإن كانت من الله واجبة ، دلالة على أن ترك الهجرة أمر صعب لا فسحة فيه ، حتى إن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول : عسى الله أن يعفو عني . وقيل معنى ذلك أنه يعفو عنه في المستقبل ، كأنه وعدهم غفران ذنوبهم ، كما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374269إن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=99وكان الله عفوا غفورا ) تأكيد في وقع عفوه عن هؤلاء ، وتنبيه على أن هذا المترجى هو واقع ; لأنه تعالى لم يزل متصفا بالعفو والمغفرة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) قِيلَ الدَّرَجَاتُ بِاعْتِبَارِ الْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ بَعْدَ إِدْخَالِ الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِاعْتِبَارِ سَتْرِ الذَّنْبِ وَالرَّحْمَةُ بِاعْتِبَارِ دُخُولِ الْجَنَّةِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ الْخَاصَّ لِلْمُجَاهِدِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، وَمَنْ تَفَرَّدَ بِأَحَدِهِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ جَاهَدَ ، وَمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْجِهَادِ ، لَيْسَ كَمَنْ جَاهَدَ بِنَفَقَةٍ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ .
وَفِي انْتِصَابِ دَرَجَةً ، وَدَرَجَاتٍ وُجُوهٌ ; أَحَدُهَا : أَنَّهُمَا يَنْتَصِبَانِ انْتِصَابَ الْمَصْدرِ لِوُقُوعِ دَرَجَةٍ مَوْقِعَ الْمَرَّةِ فِي التَّفْضِيلِ ؛ كَأَنَّهُ قِيلَ فَضَّلَهُمْ تَفْضِيلَهُ . كَمَا تَقُولُ : ضَرَبْتُهُ سَوْطًا ، وَوُقُوعُ دَرَجَاتٍ مَوْقِعَ تَفْضِيلَاتٍ كَمَا تَقُولُ : ضَرَبْتُهُ أَسْوَاطًا تَعْنِي : ضَرَبَاتٍ . وَالثَّانِي : أَنَّهُمَا يَنْتَصِبَانِ انْتِصَابَ الْحَالِ ; أَيْ ذَوِي دَرَجَةٍ وَذَوِي دَرَجَاتٍ . وَالثَّالِثُ : عَلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ بِدَرَجَةٍ وَبِدَرَجَاتٍ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُمَا انْتَصَبَا عَلَى مَعْنَى الظَّرْفِ ; إِذْ وَقَعَا مَوْقِعَهُ ; أَيْ فِي دَرَجَةٍ وَفِي دَرَجَاتٍ . وَقِيلَ انْتِصَابُ دَرَجَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ أَجْرًا قِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ) مَعْطُوفَانِ عَلَى دَرَجَاتٍ . وَقِيلَ انْتَصَبَا بِإِضْمَارِ فِعْلِهِمَا ; أَيْ غَفَرَ ذَنْبَهُمْ مَغْفِرَةً ، وَرَحِمَهُمْ رَحْمَةً . وَأَمَّا انْتِصَابُ أَجْرًا عَظِيمًا فَقِيلَ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ مَعْنَى فَضَّلَ مَعْنَى أَجْرٍ ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنَ الْمَعْنَى لَا مِنَ اللَّفْظِ . وَقِيلَ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ بِأَجْرٍ . وَقِيلَ مَفْعُولُ بِفَضْلِهِمْ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى ( أَعْطَاهُمْ ) . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَنَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95أَجْرًا عَظِيمًا ) عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ النَّكِرَةِ الَّتِي هِيَ دَرَجَاتٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا ، انْتَهَى . وَهَذَا لَا يَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ ; لِأَنَّ أَجْرًا عَظِيمًا مُفْرَدٌ ، وَلَا يَكُونُ نَعْتًا لِدَرَجَاتٍ لِأَنَّهَا جَمْعٌ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَنَصَبَ دَرَجَاتٍ ؛ إِمَّا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْأَجْرِ ، وَإِمَّا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ ( عَلَى ) أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلْأَجْرِ ، كَمَا نَقُولُ لَكَ : عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عُرْفًا ؛ كَأَنَّكَ قُلْتَ : أَعْرِفُهَا عُرْفًا انْتَهَى . وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ) رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10374266عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَأْتِي السَّهْمُ يُرْمَى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ ، أَوْ يُضْرَبُ فَيَقْتُلُ ؛ فَنَزَلَتْ . وَقِيلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا ؛ فَلَمَّا هَاجَرَ الرَّسُولُ أَقَامُوا مَعَ قَوْمِهِمْ ، وَفُتِنَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ خَرَجَ مِنْهُمْ قَوْمٌ مَعَ الْكُفَّارِ ؛ فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ فَنَزَلَتْ . قَالَ
عِكْرِمَةُ : نَزَلَتْ فِي خَمْسَةٍ قُتِلُوا يَوْمَ
بَدْرٍ :
قَيْسُ بْنُ النَّائِحَةِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ أَسَدٍ ،
وَقَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،
وَأَبُو الْعَاصِي بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ ،
وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ . وَقَالَ
النَّقَّاشُ : فِي أُنَاسٍ سِوَاهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى
بَدْرٍ ؛ فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ .
وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ ثَوَابَ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْجِهَادِ ؛ أَتْبَعَهُ بِعِقَابِ مَنْ قَعَدَ عَنِ الْجِهَادِ ، وَسَكَنَ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُقَاتِلٌ : التَّوَفِّي هُنَا قَبْضُ الْأَرْوَاحِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : الْحَشْرُ إِلَى النَّارِ . وَالْمَلَائِكَةُ هُنَا قِيلَ
مَلَكُ الْمَوْتِ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدَةِ تَفْخِيمًا لَهُ ، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَقِيلَ الْمُرَادُ
مَلَكُ الْمَوْتِ ، وَأَعْوَانُهُ ، وَهُمْ سِتَّةٌ ؛ ثَلَاثَةٌ لِأَرْوَاحِ
[ ص: 334 ] الْمُؤْمِنِينَ ، وَثَلَاثَةٌ لِأَرْوَاحِ الْكَافِرِينَ . وَيَشْهَدُ لِهَذَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) ، وَظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِ الْهِجْرَةِ وَقُعُودِهِمْ مَعَ قَوْمِهِمْ حِينَ رَجَعُوا لِلْقِتَالِ ، أَوْ بِرُجُوعِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ ، أَوْ بِشَكِّهِمْ ، أَوْ بِإِعَانَةِ الْمُشْرِكِينَ ، أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ : وَتَوَفَّاهُمْ : مَاضٍ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ تَوَفَّتْهُمْ ، وَلَمْ يُلْحِقْ تَاءَ التَّأْنِيثِ لِلْفَصْلِ ، وَلِكَوْنِ تَأْنِيثِ الْمَلَائِكَةِ مَجَازًا ، أَوْ مُضَارِعٌ ، وَأَصْلُهُ تَتَوَفَّاهُمْ .
وَقَرَأَ
إِبْرَاهِيمُ : تُوَفَّاهُمْ بِضَمِّ التَّاءِ مُضَارِعُ وَفَّيْتُ ؛ وَالْمَعْنَى : إِنَّ اللَّهَ يُوَفِّي الْمَلَائِكَةَ أَنْفُسَهُمْ فَيَتَوَفَّوْنَهَا أَيْ يُمَكِّنُهُمْ مِنَ اسْتِيفَائِهَا فَيَسْتَوْفُونَهَا . وَالضَّمِيرُ فِي ( قَالُوا ) لِلْمَلَائِكَةِ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ ، وَالرَّابِطُ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى ؛ التَّقْدِيرُ : قَالُوا : قَالُوا لَهُمْ فِيمَ كُنْتُمْ ؟ وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ . وَالْمَعْنَى : فِي أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ ؟ وَقِيلَ إِنَّ أَحْوَالَ الدُّنْيَا ، وَجَوَابُهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ اعْتِذَارٌ عَنْ تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْهِجْرَةِ ، وَإِقَامَتِهِمْ بِدَارِ الْكُفْرِ ، وَهُوَ اعْتِذَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ صَحَّ وُقُوعُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ : فِيمَ كُنْتُمْ ؟ وَكَانَ حَقُّ الْجَوَابِ أَنْ يَقُولُوا : كُنَّا فِي كَذَا ، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ ؟ قُلْتُ : مَعْنَى فِيمَ كُنْتُمْ ، التَّوْبِيخُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ حَيْثُ قَدَرُوا عَلَى الْهِجْرَةِ ، وَلَمْ يُهَاجِرُوا ؛ فَقَالُوا : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ اعْتِذَارًا مِمَّا وُبِّخُوا بِهِ ، وَاعْتِلَالًا بِالِاسْتِضْعَافِ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْهِجْرَةِ حَتَّى يَكُونُوا فِي شَيْءٍ ، انْتَهَى كَلَامُهُ . وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97فِيمَ كُنْتُمْ عَلَى الْمَعْنَى ، لَا عَلَى اللَّفْظِ ; لِأَنَّ مَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97فِيمَ كُنْتُمْ فِي أَيِّ حَالٍ مَانِعَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ كُنْتُمْ ، قَالُوا : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ ; أَيْ فِي حَالَةِ اسْتِضْعَافٍ فِي الْأَرْضِ ، بِحَيْثُ لَا نَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ ، وَهُوَ جَوَابٌ كَذِبٌ وَالْأَرْضُ هُنَا أَرْضُ
مَكَّةَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ) هَذَا تَبْكِيتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ ، وَرَدٌّ لِمَا اعْتَذَرُوا بِهِ ; أَيْ لَسْتُمْ مُسْتَضْعَفِينَ ، بَلْ كَانَتْ لَكُمُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى بَعْضِ الْأَقْطَارِ فَتُهَاجِرُوا حَتَّى تَلْحَقُوا بِالْمُهَاجِرِينَ ، كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْحَبَشَةِ ، ثُمَّ لَحِقُوا بَعْدُ بِالْمُؤْمِنِينَ
بِالْمَدِينَةِ . وَمَعْنَى فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ; أَيْ فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِهَا ، بِحَيْثُ تَأْمَنُونَ عَلَى دِينِكُمْ . وَقِيلَ أَرْضُ اللَّهِ أَيِ
الْمَدِينَةُ . وَاسِعَةً آمِنَةً لَكُمْ مِنَ الْعَدُوِّ فَتَخْرُجُوا إِلَيْهَا . وَهَلْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي قِتَالٍ فَقُتِلُوا ؟ أَوْ مُنَافِقُونَ ، أَوْ مُشْرِكُونَ ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . الثَّالِثُ قَالَهُ
الْحَسَنُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ بَعْدَ تَوَفِّي أَرْوَاحِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ، وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَمْ يُقَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرُوا فِي الصَّحَابَةِ لِشِدَّةِ مَا وَاقَعُوهُ ، وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِالْإِيمَانِ ، وَاحْتِمَالِ رِدَّتِهِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ كَافِرًا حَتَّى يُهَاجِرَ إِلَّا مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ حِيلَةً ، وَلَا يَهْتَدِي سَبِيلًا ، انْتَهَى . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ أَنَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنْ أُولَئِكَ كَافِرٌ ، وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ عَلَى جِهَةِ الْخُلُودِ ، وَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَمَاتَ
بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ ، أَوْ أُخْرِجَ كُرْهًا فَقُتِلَ عَاصٍ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ دُونَ خُلُودٍ . وَلَا حُجَّةَ
لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي . وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِقَامَةِ دِينِهِ فِي بَلَدٍ كَمَا يُحِبُّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ . وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ
مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مَنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ ، وَإِنْ كَانَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ اسْتَوْجَبْتُ لَهُ الْجَنَّةَ ، وَكَانَ رَفِيقَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ ، وَنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) الْفَاءُ لِلْعَطْفِ ؛ عَطَفَتْ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ . وَقِيلَ ( فَأُولَئِكَ ) خَبَرُ ( إِنَّ ) ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي خَبَرِ إِنَّ تَشْبِيهًا لِاسْمِهَا بِاسْمِ الشَّرْطِ ، وَقَالُوا : فِيمَ كُنْتُمْ حَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، أَوْ صِفَةٌ لِظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ أَيْ ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ قَائِلًا لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ : فِيمَ كُنْتُمْ ؟ وَقِيلَ خَبَرُ إِنَّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : هَلَكُوا ، ثُمَّ فَسَّرَ الْهَلَاكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ .
[ ص: 335 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=98إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ) مِنَ الرِّجَالِ جَمَاعَةٌ ؛
كَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي زَمْعَةَ ،
وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ ،
وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ . وَمِنَ النِّسَاءِ جَمَاعَةٌ :
nindex.php?page=showalam&ids=11696كَأُمِّ الْفَضْلِ أُمَامَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ . وَمِنَ الْوِلْدَانِ :
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ . فَإِنْ أُرِيدَ بِالْوِلْدَانِ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ الْبَالِغُونَ فَلَا إِشْكَالَ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْمُسْتَثْنَيْنَ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْوِلْدَانِ الْأَطْفَالُ فَهُمْ لَا يَكُونُونَ إِلَّا عَاجِزِينَ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ وَعِيدٌ بِخِلَافِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَدْ يَكُونُونَ عَاجِزِينَ ، وَقَدْ يَكُونُونَ غَيْرَ عَاجِزِينَ ؛ وَإِنَّمَا ذُكِرُوا مَعَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَجْزَهُمْ هُوَ عَجْزٌ لِآبَائِهِمُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ; لِأَنَّ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْحِنْكَةِ كَوْنُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَشْغُولِينَ بِأَطْفَالِهِمْ ، مَشْغُوفِينَ بِهِمْ ، فَيَعْجِزُونَ عَنِ الْهِجْرَةِ بِسَبَبِ خَوْفِ ضَيَاعِ أَطْفَالِهِمْ وَوِلْدَانِهِمْ . فَذِكْرُ الْوِلْدَانِ فِي الْمُسْتَثْنَيْنَ ، تَنْبِيهٌ عَلَى أَعْظَمِ طَرْقِ الْعَجْزِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ; لِأَنَّ طُرُقَ الْعَجْزِ لَا تَنْحَصِرُ ؛ فَنَبَّهَ بِذِكْرِ عَجْزِ الْوِلْدَانِ عَلَى قُوَّةِ عَجْزِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِسَبَبِهِمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْمُرَاهِقُونَ مِنْهُمُ الَّذِينَ عَقَلُوا مَا يَعْقِلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ، فَيَلْحَقُوا بِهِمْ فِي التَّكْلِيفِ ، انْتَهَى . وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ ; لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ لَا يَلْحَقُ بِالْمُكَلَّفِ أَصْلًا ، وَلَا وَعِيدَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُكَلَّفْ . وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً إِلَى الْخُرُوجِ ، وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى تَخْلِيصِ أَنْفُسِهِمْ . وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : هُوَ مِنْ قَوْلِهِ : ( مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) . قَالَ غَيْرُهُ : كَأَنَّهُ قِيلَ فَأُولَئِكَ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ ؛ فَعَلَى هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ . وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=97إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) إِلَى آخِرِهِ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي مَأْوَاهُمْ إِلَيْهِمْ . وَهُمْ عَلَى أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ إِمَّا كَفَّارٌ ، وَإِمَّا عُصَاةٌ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْهِجْرَةِ ، وَهُمْ قَادِرُونَ ؛ فَلَمْ يَنْدَرِجْ فِيهِمُ الْمُسْتَضْعَفُونَ الْمُسْتَثْنَوْنَ ; لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=98لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . الْحِيلَةُ : لَفْظٌ عَامٌّ لِأَنْوَاعِ أَسْبَابِ التَّخَلُّصِ . وَالسَّبِيلُ هُنَا طَرِيقُ
الْمَدِينَةِ قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ . وَغَيْرُهُمَا . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ السُّبُلِ ؛ يَعْنِي الْمُخَلِّصَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ ، انْتَهَى . وَقِيلَ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقًا إِلَى الْخُرُوجِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ قِيلَ مُسْتَأْنَفَةٌ ، وَقِيلَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : صِفَةٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ ، أَوِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ . قَالَ : وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ وَالْجُمَلُ نَكِرَاتٌ ; لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَرْفُ التَّعْرِيفِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَقَوْلِهِ :
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهُوَ تَخْرِيجٌ ذَهَبَ إِلَى مِثْلِهِ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ) ، وَهُوَ هَدْمٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ : بِأَنَّ النَّكِرَةَ لَا تُنْعَتُ إِلَّا بِالنَّكِرَةِ ، وَالْمَعْرِفَةَ لَا تُنْعَتُ إِلَّا بِالْمَعْرِفَةِ . وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ : الْمُسْتَضْعَفِينَ ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى : إِلَّا الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فَجَاءَ بَيَانًا وَتَفْسِيرًا لِذَلِكَ ; لِأَنَّ الِاسْتِضْعَافَ يَكُونُ بِوُجُوهٍ فَبَيَّنَ جِهَةَ الِاسْتِضْعَافِ النَّافِعِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْهِجْرَةِ ، وَهِيَ عَدَمُ اسْتِطَاعَةِ الْحِيلَةِ وَعَدَمُ اهْتِدَاءِ السَّبِيلِ . وَالثَّانِي مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِيلَةِ الَّتِي يَتَخَلَّصُ بِهَا انْتِفَاءُ اهْتِدَاءِ السَّبِيلِ . وَرُوِيَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى مُسْلِمِي مَكَّةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ فَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ : وَيُقَالُ : جُنْدُعٌ بِالْعَيْنِ ، أَوْ ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لِبَنِيهِ : احْمِلُونِي فَإِنِّي لَسْتُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ ، وَإِنِّي لَأَهْتَدِي [ ص: 336 ] الطَّرِيقَ ، وَاللَّهِ لَا أَبِيتُ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ ، فَحَمَلُوهُ عَلَى سَرِيرٍ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَمَاتَ بِالتَّنْعِيمِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=99فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ) عَسَى : كَلِمَةُ إِطْمَاعٍ وَتَرْجِيَةٍ ، وَأَتَى بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةً ، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْهِجْرَةِ أَمْرٌ صَعْبٌ لَا فُسْحَةَ فِيهِ ، حَتَّى إِنَّ الْمُضْطَرَّ الْبَيِّنَ الِاضْطِرَارِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ : عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِّي . وَقِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْفُو عَنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، كَأَنَّهُ وَعَدَهُمْ غُفْرَانَ ذُنُوبِهِمْ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374269إِنَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرَتْ لَكُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=99وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) تَأْكِيدٌ فِي وَقْعِ عَفْوِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُتَرَجَّى هُوَ وَاقِعٌ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ .