الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 358 ] ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل . ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) . الشح : قال ابن فارس البخل مع الحرص . وتشاح الرجلان في الأمر لا يريدان أن يفوتهما ، وهو بضم الشين وكسرها . وقال ابن عطية : الشح الضبط على المعتقدات والإرادة ؛ ففي الهمم والأموال ونحو ذلك مما أفرط فيه ، وفيه بعض المذمة . وما صار إلى حيز الحقوق الشرعية ، وما تقتضيه المروءة فهو البخل ، وهو رذيلة . لكنها قد تكون في المؤمن ، ومنه الحديث : قيل يا رسول الله ، أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال نعم ، وأما الشح ففي كل أحد ، ويدل عليه : وأحضرت الأنفس الشح ، ومن يوق شح نفسه لكل نفس شح ، وقول النبي عليه السلام : أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، ولم يرد به واحدا بعينه ، وليس يحمد أن يقال هنا أن تصدق وأنت صحيح بخيل .

المعلقة : هي التي ليست مطلقة ، ولا ذات بعل . قال الرجل : هل هي إلا خطة أو تعليق أو صلف ، أو بين ذاك تعليق . وفي حديث أم زرع : زوجي العشنق إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق شبهت المرأة بالشيء المعلق من شيء ; لأنه لا على الأرض استقر ، ولا على ما علق منه . وفي المثل : أرض من المركب بالتعليق .

الخوض : الاقتحام في الشيء ، تقول : خضت الماء خوضا وخياضا ، وخضت الغمرات اقتحمتها ، وخاضه بالسيف حرك سيفه في المضروب ، وتخاوضوا في الحديث تفاوضوا فيه والمخاضة موضع الخوض . قال الشاعر ، وه و عبد الله بن شبرمة :


إذا شالت الجوزاء والنجم طالع فكل مخاضات الفرات معابر

والخوضة بفتح الخاء اللؤلؤة ، واختاض بمعنى خاض ، وتخوض : تكلف الخوض . الاستحواذ : الاستيلاء والتغلب ؛ قاله أبو عبيدة والزجاج . ويقال : حاذ يحوذ حوذا ، وأحاذ بمعنى مثل حاذ وأحاذ . [ ص: 359 ] وشذت هذه الكلمة فصحت عينها في النقال ، قاس عليها أبو زيد الأنصاري .

( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ) سبب نزولها : أن قوما من الصحابة رضي الله عنهم سألوا عن أمر النساء ، وأحكامهن في المواريث ، وغير ذلك . وأما مناسبتها فكذلك على تربيع العرب في كلامها أنها تكون في أمر ، ثم تخرج منه إلى شيء ، ثم تعود إلى ما كانت فيه أولا . وهكذا كتاب الله يبين فيه أحكام تكليفه ، ثم يعقب بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، ثم يعقب ذلك بذكر المخالفين المعاندين ، الذين لا يتبعون تلك الأحكام ، ثم بما يدل على كبرياء الله تعالى وجلاله ، ثم يعاد لتبيين ما تعلق بتلك الأحكام السابقة . وقد عرض هنا في هذه السورة أن بدأ بأحكام النساء والمواريث ، وذكر اليتامى ، ثم ثانيا بذكر شيء من ذلك في هذه الآية ، ثم أخيرا بذكر شيء من المواريث أيضا . ولما كانت النساء مطرحا أمرهن عند العرب في الميراث وغيره ، وكذلك اليتامى أكد الحديث فيهن مرارا ، ليرجعوا عن أحكام الجاهلية . والاستفتاء طلب الإفتاء ، وأفتاه إفتاء ، وفتيا وفتوى ، وأفتيت فلانا في رؤياه عبرتها له . ومعنى الإفتاء إظهار المشكل على السائل . وأصله من الفتى ، وهو الشاب الذي قوي وكمل ؛ فالمعنى : كأنه بيان ما أشكل فيثبت ويقوى . والاستفتاء ليس في ذوات النساء ؛ وإنما هو عن شيء من أحكامهن ولم يبين فهو مجمل . ومعنى يفتيكم فيهن : يبين لكم حال ما سألتم عنه وحكمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية