الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا عبد بن حميد ) : بتصغير الثاني ، أخرج حديثه مسلم وغيره . ( حدثنا محمد بن الفضل ) : في الشرح : أن المراد منه السدوسي الملقب بعارم ; لأنه الذي أخرج عنه الترمذي في الشمائل وروى عنه يحيى بن معين ، ثقة ، ثبت ، تغير في آخر عمره . ( أخبرنا حماد بن سلمة ) : مر ذكره . ( عن حبيب بن الشهيد ) : بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة الأولى ، [ ص: 137 ] وفي نسخة بضم المعجمة وفتح الموحدة . ( عن الحسن ) : أي البصري . ( عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ) : أي من بيته . ( وهو متكئ على أسامة بن زيد ) : من الاتكاء ، ومنه قوله تعالى : ( متكئين فيها على الأرائك ) ، وفي نسخة : وهو متكئ . من التوكؤ ، ومنه قوله تعالى : ( أتوكأ عليها ) ، وكلاهما بمعنى واحد وهو الاعتماد ، وأسامة هذا صحابي مشهور ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وابن مولاته أم أيمن ، وحبه وابن حبه ، أمره في جيش فيه عمر رضي الله عنهم ، وسيأتي في باب اتكائه صلى الله عليه وسلم من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكيا ، فخرج يتوكأ على أسامة إلى آخره . وهذا يحتمل أن يكون في شكواه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون في مرض آخر ، والأول أظهر ; ففي رواية الدارقطني : أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس إلى الصلاة في مرضه الذي مات فيه ، فصلى بأصحابه . ويؤيده أيضا ما ثبت عند البخاري عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وعليه ملحفة متغطيا به . قال العسقلاني : أي متوشحا مرتديا . ويعضده قول المصنف : ( عليه ) : أي على النبي صلى الله عليه وسلم . ( ثوب ) : بالتنوين . ( قطري ) : منسوب إلى القطر ، بكسر القاف وسكون الطاء بعدها راء ، نوع من البرد على ما في التاج والمهذب ، وقيل : حلل جياد تحمل من قبل البحرين ، وقال العسقلاني : ثياب من غليظ القطن ونحوه . ثم الجملة الأولى حال من فاعل " خرج " بالضمير والواو معا ، وهذه الجملة حال أيضا ، لكن بالضمير وحده نحو كلمته فوه إلى في ، وضعفه بعض النحاة ، ولعلهم لم يطلعوا على الحديث ، أو بنوا حكمهم على غالب الاستعمال . ( قد ) : للتحقيق . ( توشح ) : أي تغشى . ( به ) : والجملة صفة ثانية ، والتوشح في الأصل لبس الوشاح ، ويقال : توشح بثوبه وبسيفه إذا ألقاه على عاتقه كالوشاح ، قال ميرك : والمراد هاهنا أنه صلى الله عليه وسلم أدخل الثوب تحت يده اليمنى وألقاه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم . ( فصلى بهم ) : وقد أخرج ابن سعد من طريق أبي ضمرة الليثي ، عن حميد أنه قال : آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في مرضه الذي قبض فيه في ثوب واحد متوشحا به قاعدا . ( قال عبد بن حميد ، قال محمد بن الفضل : سألني يحيى بن معين ) : بفتح الميم ، وهو المجمع على جلالته [ ص: 138 ] وتوثيقه وحفظه وتقدمه في هذا الشأن حتى قال أحمد بن حنبل : السماع عن يحيى بن معين شفاء لما في الصدور ، وتشرف بأن غسل على السرير الذي غسل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحمل على ما حمل عليه صلى الله عليه وسلم . ذكره العصام . ( عن هذا الحديث أول ما جلس ) : أي أول زمان جلوسه ، أو زمان أول جلوسه . ( إلى ) : أي متوجها أو مائلا ، قال العصام : وكأنه سأله ليستوثق سماعه عنه ، انتهى . لكن آخر الحديث يأبى عن هذا المعنى كما لا يخفى . ( فقلت : حدثنا حماد بن سلمة ) : فيه دلالة على أنه لا فرق بين حدثنا وأخبرنا كما ذهب إليه بعض ، حيث سمعه أبو عيسى عنه بلفظ " أخبرنا " ويحيى بن معين بلفظ " حدثنا " . ( فقال ) : أي يحيى . ( لو كان ) : أي التحديث . ( من كتابك ) : أي لكان خيرا لكونه أوثق ، ويحتمل أن يكون " لو " للتمني فلا يحتاج إلى جواب . ( فقمت ) : أي من المجلس . ( لأخرج كتابي ) : أي كتاب روايتي من بيتي . ( فقبض ) أي يحيى ( علي ) : بتشديد الياء . ( ثوبي ) : أي فأمسكه مانعا لي من القيام لشدة حرصه على تحصيل علمه ، وقلة طول أمله خوفا من فواته بحدوث أجله . ( ثم قال : أمله علي ) : بفتح الهمزة وكسر الميم وتشديد اللام المفتوحة ، أمر من الإملال ، وهو بمعنى الإملاء . يقال : أمللت الكتاب وأمليته إذا ألقيته على الكاتب ليكتبه ، وأما قول ابن حجر : ويقال مللته أيضا . فمع عدم مناسبته للمرام غير مطابق لكتب اللغة في هذا المقام ، وفي بعض النسخ بسكون الميم وكسر اللام المخففة من الإملاء ، أي حدثني بالإملاء أولا . ( فإني أخاف أن لا ألقاك ) : أي ثانيا لمانع من الموانع ، ومنه موت أحدهما قبل تلاقيهما ، ولذا قيل : الوقت سيف قاطع وبرق الخوف لامع . ( قال ) : أي محمد . ( فأمليته ) : أي الحديث . ( عليه ) : أي على يحيى ، وفي نسخة : فأمليت عليه . بدون الضمير المنصوب ، والجمع بين العبارتين تفنن في العبارة ، فاندفع ما قاله العصام من أنه يؤيد كون الأول بالتخفيف . ( ثم أخرجت كتابي فقرأت عليه ) : أي الحديث من أصلي أيضا ، قال العصام : وفي نقل رواية عبد بن حميد قول محمد بن الفضل مع أنه ليس فيه البحث على لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم مزيد توثيق هذا السند ; إذ محمد بن الفضل كان ممن يستوثق به يحيى بن معين ، وكان واثقا في هذا الحديث حيث وافقت روايته قراءته من كتابه ، انتهى . وهو كلام حسن إلا أن قوله : مع أنه ليس فيه البحث عن لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بحث . لأن السؤال إنما وقع عن الحديث الذي فيه ذكر اللباس كما أشار إليه بقوله عن هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية