الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثاني والسبعون والمائة بين قاعدة ما يصل إلى الميت وقاعدة ما لا يصل إليه )

القربات ثلاثة أقسام قسم حجر الله تعالى على عباده في ثوابه ولم يجعل لهم نقله لغيرهم كالإيمان فلو أراد أحد أن يهب قريبه الكافر إيمانه ليدخل الجنة دونه لم يكن له ذلك ، بل إن كفر الحي هلكا معا أما هبة الثواب مع بقاء الأصل فلا سبيل إليه ، وقيل الإجماع في الصلاة أيضا ، وقيل الإجماع فيها وقسم اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو القربات المالية كالصدقة والعتق وقسم اختلف فيه هل فيه حجر أم لا وهو الصيام والحج وقراءة القرآن فلا يحصل شيء من ذلك للميت عند مالك والشافعي رضي الله عنهما .

وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل ثواب القراءة للميت فمالك والشافعي رضي الله عنهما يحتجان بالقياس على الصلاة ونحوها مما هو فعل بدني والأصل في الأفعال البدنية أن لا ينوب أحد فيها عن الآخر ولظاهر قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ، ولقوله عليه السلام { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو له } واحتج أبو حنيفة وابن حنبل بالقياس على الدعاء فإنا أجمعنا على أن الدعاء يصل للميت فكذلك القراءة والكل عمل بدني ولظاهر قوله عليه السلام للسائل { صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صومك يعني أبويه } والجواب عن الأول أن القياس على الدعاء لا يستقيم فإن الدعاء فيه أمران

( أحدهما ) متعلقه الذي هو مدلوله نحو المغفرة في قولهم اللهم اغفر له [ ص: 193 ] والآخر ثوابه فالأول هو الذي يرجى حصوله للميت ولا يحصل إلا له فإنه لم يدع لنفسه وإنما دعا للميت بالمغفرة

( والثاني ) وهو الثواب على الدعاء فهو الداعي فقط ، وليس للميت من الثواب على الدعاء شيء فالقياس على الدعاء غلط وخروج من باب إلى باب ، وأما الحديث فإما أن نجعله خاصا بذلك الشخص أو نعارضه بما تقدم من الأدلة ونعضدها بأنها على وفق الأصل فإن الأصل عدم الانتقال ومن الفقهاء من يقول إذا قرئ عند القبر حصل للميت أجر المستمع وهو لا يصح أيضا لانعقاد الإجماع على أن الثواب يتبع الأمر والنهي فما لا أمر فيه ولا نهي لا ثواب فيه بدليل المباحات وأرباب الفترات والموتى انقطع عنهم الأوامر والنواهي .

وإذا لم يكونوا مأمورين لا يكون لهم ثواب وإن كانوا مستمعين ألا ترى أن البهائم تسمع أصواتنا بالقراءة ولا ثواب لها لعدم الأمر لها بالاستماع فكذلك الموتى والذي يتجه أن يقال ولا يقع فيه خلاف أنه يحصل لهم بركة القراءة لا ثوابها كما تحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده فإن البركة لا تتوقف على الأمر فإن البهيمة يحصل لها بركة راكبها أو مجاورها وأمر البركات لا ينكر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل بركته للبهائم من الخيل والحمير وغيرهما كما روي أنه ضرب فرسا بسوط فكان لا يسبق بعد ذلك بعد أن كان بطيء الحركة وحماره عليه السلام كان يذهب إلى بيوت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستدعيهم إليه بنطح رأسه الباب وغير ذلك من بركاته عليه السلام [ ص: 194 ] كما هو مروي في معجزاته وكراماته عليه السلام وهذه المسألة وإن كانت مختلفا فيها فينبغي للإنسان أن لا يهملها فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى فإن هذه أمور مغيبة عنا ، وليس الخلاف في حكم شرعي إنما هو في أمر واقع هل هو كذلك أم لا ، وكذلك التهليل الذي عادة الناس يعملونه اليوم ينبغي أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى وما ييسره ويلتمس فضل الله بكل سبب ممكن ومن الله الجود والإحسان هذا هو اللائق بالعبد .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثاني والسبعون والمائة بين قاعدة ما يصل ثوابه إلى الميت وقاعدة ما لا يصل ثوابه إليه )

القربات باعتبار وصول ثوابها للغير اتفاقا وعدم وصول ثوابها للغير اتفاقا والخلاف في وصوله له وعدم وصوله ثلاثة أقسام

( القسم الأول ) ما اتفق الناس على أن الله حجر على عباده في ثوابه ولم يجعل لهم نقله لغيرهم كالإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى ، وكذلك حكي في الصلاة الإجماع نظرا في الخلاف الذي نقل في مذهب الشافعي فيها عن الشيخ أبي إسحاق قد يقال إنه مسبوق بالإجماع كما تقدم

( القسم الثاني ) ما اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو الدعاء والقربات المالية كالصدقة والعتق

( القسم الثالث ) ما اختلف فيه هل فيه حجر أم لا كالصيام والحج وقراءة القرآن فقيل لا يصل ثواب شيء من ذلك لمن أهدى له وهو المعروف من مذهب مالك ، وكذا هو مشهور مذهب الشافعي في القراءة فقط ، وقيل يصل وبه قال أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وهو الأصح عند الشافعي في الحج عن الميت حجة الإسلام .

وكذا حج تطوع أوصى به وهو الراجح عنده في الصوم عمن مات وعليه صوم ، وقال به غير واحد من المالكية وجماعة من أصحاب الشافعي في القراءة فقط قال كنون قال أبو زيد الفاسي ولعل قول الشيخ عبد الله الورياجلي .

وأما الإجارة على القراءة فلا تجوز وذلك جرحة في آكلها إلا أن يقرأ القارئ على وجه التطوع ويعطيه ولي الميت على وجه الصلة والعطية لا على وجه الإجارة ا هـ مبني على عدم النفع كما حكاه عن معروف مذهب مالك وفي جواب للعبديني الميت ينتفع بقراءة القرآن هذا هو الصحيح والخلاف فيه مشهور والأجرة عليه جائزة ا هـ .

وحجة القول بعدم الوصول القياس على الصلاة ونحوها مما هو عمل بدني والأصل فيه أن لا ينوب فيه أحد عن أحد وظاهر قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وحديث { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو له } وحجة القول بالوصول أولا القياس على الدعاء المجمع على وصله للنصوص الواردة في ذلك التي منها حديث { إذا مات ابن آدم } إلخ إذ الكل عمل بدني وثانيا قوله عليه السلام { صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صيامك يعني أبويه } ، وقوله أيضا { من مات وعليه صوم صام عنه وليه } ونص السنة أيضا على أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه ، وكذا الحج المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره وظاهر حديث كعب بن عجرة كما في المواهب وغيرها ، { قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي قال ما شئت ، قلت الربع قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك . قلت النصف قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك ، قلت أجعل صلاتي كلها لك قال إذا تكفى همك ويغفر ذنبك }

ويؤيده ما في العهود المحمدية عن أبي المواهب الشاذلي من أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن معناه فقال له أن تصلي علي [ ص: 222 ] وتهدي ثواب ذلك إلي لا إلى نفسك وثالثا دخول أولاد المؤمنين الجنة بعمل آبائهم وانتفاع الغلامين اليتيمين اللذين قال الله في قصتهما { وكان أبوهما صالحا } بصلاح أبيهما والنفع بالجار الصالح في المحيا والممات كما في الأثر ورحمة جليس أهل الذكر وهو لم يكن منهم ولم يجلس لذلك ، بل لحاجة عرضت له والأعمال بالنيات وقوله تعالى لنبيه { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } وقوله تعالى { ، ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } وقوله تعالى { ، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } فقد رفع الله العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وما ذلك إلا لانتفاعهم بأعمال غيرهم الصالحة وأجاب أصحاب هذا القول عن القياس على الصلاة بأنه معارض بهذه الأدلة وغيرها مما يدل على انتفاع الإنسان بعمل غيره ، وعن الآية إما بأنها عامة قد خصصت بأمور كثيرة وإما أن المراد بالإنسان الكافر والمعنى ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بأن يوسع عليه في رزقه ويعافى في بدنه حتى لا يبقى له في الآخرة خير وإلا بأن قوله { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } من باب العدل ، وأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله ، وأما بغير ذلك الجمل على الجلالين ، وعن حديث { إذا مات ابن آدم انقطع عمله } إلخ ونحوه مما ورد في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل انقطع انتفاعه .

وإنما أخبر عن انقطاع عمله ، وأما عمل غيره فهو لعامله فإن وهبه له فقد وصل إليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء آخر ، وكذلك الحديث الآخر وهو قوله عليه السلام { إن مما يلحق الميت من حسناته وعمله بعد موته عملا عمله ونشره أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أكراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته } فإنه لم ينف أن يلحقه غير ذلك من عمل غيره وحسناته قاله ابن القيم في كتاب الروح وأجاب أصحاب القول الأول عن القياس على الدعاء بأنه غير صحيح ؛ لأن في الدعاء أمرين

( أحدهما ) متعلقه كالمغفرة في قولك اللهم اغفر له ، وهذا هو الذي يرجى حصوله للمدعو له إذ له طلب لا للداعي وإن ورد أن الملك يقول له ولك مثله

( والأمر الثاني ) ثوابه وهو للداعي فقط وعما ورد من الأحاديث بالانتفاع بعمل الغير البدني من الصوم والحج والصلاة بأنها مع احتمالها التأويل معارضة بما تقدم من الأدلة المعضودة بأنها على وفق الأصل الذي هو عدم الانتقال فتقدم ، وعن الأحاديث والآيات الدالة على دخول الجنة وحصول الرحمة ورفع العذاب بعمل الغير الصالح بأن الحاصل في نحو هذا بركة المؤمنين لا ثواب أعمالهم وبركة صلاح الأب لا ثواب عمله وبركة أهل الذكر لا ثواب عملهم وبركة الرسول لا ثواب عمله وهكذا والبركات لعدم توقفها على الأمر والنهي لا ينكر حصولها للغير حتى للبهائم التي لا يتأتى فيها أمر ولا نهي فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل بركته للخيل والحمير وغيرها من البهائم كما روي أنه ضرب فرسا بسوط فكان بعد ذلك لا يسبق .

وقد كان قبل ذلك بطيء الحركة وروي أن حماره صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى بيوت أصحابه عليه السلام فينطح برأسه الباب يستدعيهم إليه إلى غير ذلك مما هو مروي في معجزاته وكراماته عليه السلام من ذلك ، وأما الثواب فقد انعقد الإجماع بأنه يتبع الأمر والنهي بدليل المباحات وأهل الفترات لا يحصل إلا لمن توجه له الأمر والنهي فمن هنا يتضح [ ص: 223 ] عدم صحة قول بعض الفقهاء يعني أحمد بن حنبل وأبا حنيفة كما في المعيار إذا قرئ عند القبر حصل للميت أجر المستمع إذ الموتى قد انقطعت عنها الأوامر والنواهي فكما أن البهائم تسمع أصواتنا بالقراءة ولا ثواب لها لعدم الأمر لها بالاستماع كذلك الموتى لا يكون لهم ثواب وإن كانوا مستمعين لعدم الأمر لهم بالاستماع والذي يتجه أن يقال ولا يقع فيه خلاف أنه يحصل لهم بركة القراءة لا ثوابها كما تحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده فإن البركة لا تتوقف على الأمر والنهي بخلاف الثواب كما علمت لكن الذي ينبغي للإنسان أن لا يهمل هذه المسألة فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى فإن هذه أمور مغيبة عنا ، وليس فيها اختلاف في حكم شرعي وإنما هو في أمر واقع هل هو كذلك أم لا ، وكذلك التهليل الذي جرت عادة الناس يعملونه اليوم ينبغي أن يعمل ، ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى وما ييسره ويلتمس فضل الله بكل سبب ممكن ومن الله الجود والإحسان ا هـ .

قال الرهوني وكنون ونقل هذا عن القرافي صاحب المعيار وابن الفرات والشيخ مصطفى الرماصي قال كنون ونقل أبو زيد الفاسي في باب الحج من جواب للفقيه المحدث أبي القاسم العبدوسي ، وأما القراءة على القبر فقد نص ابن رشد في الأجوبة وابن العربي في أحكام القرآن والقرطبي في التذكرة على أن الميت ينتفع بالقراءة قرئت على القبر أو في البيت أو في بلاد إلى بلاد ووهب الثواب ا هـ محل الحاجة منه .

وقال ابن الشاط وما قاله في هذا الفرق صحيح نعم قال ابن الحاج في المدخل من أراد وصول قراءته بلا خلاف فليجعل ذلك دعاء بأن يقول اللهم أوصل ثواب ما أقرأ إلى فلان ا هـ كما في حاشية الرهوني وكنون قال الرهوني والتهليل الذي قال فيه القرافي ينبغي أن يعمل هو فدية لا إله إلا الله سبعين ألف مرة حسبما ذكره السنوسي وغيره هذا الذي فهمه منه الأئمة انظر الحطاب هنا أي في باب الجنائز ومصطفى الرماصي في باب الإجارة ، وأما ما يفعله الناس اليوم من التهليل عند حمل الميت وتوجههم به إلى الدفن فجزم في المعيار في الفصل الذي عقده في البدع قبيل نوازل النكاح أنه بدعة ونقل في غير ذلك المحل من المعيار من كلام شيخ الشيوخ أبي سعيد بن لب وأبي محمد سيدي عبد الله العبدوسي ما هو شاهد لما جزم به في الفصل المذكور وانظر تقييده المسمى بالتحصن والمنعة ممن اعتقد أن السنة بدعة ، والله سبحانه الموفق . ا هـ .

( فائدة )

قال الرهوني وكنون في المعيار عن الإمام المنثوري ما نصه حدثني الأستاذ ابن عمر عن الأستاذ أبي الحسن القرطبي عن الراوية أبي عمر بن حوط الله عن القاضي أبي الخطاب عن أبي القاسم بن بشكوال عن أبي محمد بن يربوع عن أبي محمد الخزرجي قال أخبرنا أبو عبد الله القروي في المسجد الجامع بقرطبة قال كنت بمصر فأتاني نعي أبي فوجدت عليه وجدا شديدا فبلغ ذلك الشيخ أبا الطيب بن غلبون المقري فوجه لي فأتيته فجعل يصبرني ويذكر ثواب الصبر عن المصيبة والرزية ، ثم قال لي ارجع إلى ما هو أعود عليك وعلى الميت من أفعال البر والخير مثل الصدقة وما شاكلها وأمرني أن أقرأ عنه { قل هو الله أحد } عشر مرات كل ليلة .

ثم قال لي أحدثك في ذلك بحديث قال كان رجل معروف بالخير والفضل فرأى في منامه كأنه في مقبرة مصر وكأن الناس نشروا من مقابرهم وكأنه مشى خلفهم ليسألهم عما أوجب نهوضهم إلى الجهة التي توجهوا إليها فوجد [ ص: 224 ] رجلا على حفرته قد تخلف عن جماعتهم فسأله عن القوم إلى أين يريدون فقال إلى رحمة جاءتهم يقتسمونها فقال له فهلا مضيت معهم فقال إني قد قنعت بما يأتيني من ولدي عن أن أقاسم فيما يأتيهم من المسلمين فقلت له وما الذي يأتيك من ولدك فقال يقرأ { قل هو الله أحد } في كل يوم عشر مرات ويهدي إلي ثوابها فذكر الشيخ ابن غلبون لي أنه منذ سمع هذه الحكاية كان يقرأ عن والديه { قل هو الله أحد } في كل يوم عشر مرات عن كل واحد منهما ولم يزل بهذه الحالة إلى أن مات أبو العباس الخياط فجعل يقرأ عنه كل ليلة { قل هو الله أحد } عشر مرات ويهدي إليه ثوابها قال الشيخ ابن غلبون فمكثت على هذه النية مدة ، ثم عرض لي فتور قطعني عن ذلك فرأيت أبا العباس في النوم فقال لي يا أبا الطيب لم قطعت عنا ذلك الشكر الخالص الذي كنت توجه به إلينا فانتبهت من منامي وقلت الخالص كلام الله عز وجل وإنما كنت أوجه إليه ثواب { قل هو الله أحد } فرجعت أقرؤها عنه رحمه الله ا هـ .

ولا يخفاك أن تمسك مثل الشيخ ابن غلبون بالرؤيا التي سمعها من الرجل المعروف بالخير والفضل وبرؤياه التي رآها بعد إنما هو على وجه التأييد والاستئناس للأدلة التي استدل بها من قال بوصول ثواب قراءة القرآن أو شيء من القرب للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأموات فهو من قبيل ما وقع لابن ذكري ، بل أولى من أنه اعترض على قول الحطاب في شرحه مختصر خليل عند قوله في باب الحج وتطوع وليه عنه ما نصه وجلهم أي العلماء أجاب بالمنع أي منع إهداء ثواب قراءة القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم أو شيء من القرب ؛ لأنه لم يرد فيه أثر ولا شيء عمن يقتدى به من السلف انظره بأنه ورد فيه حديث كعب بن عجرة المتقدم استند إلى ما نقله عن العهود المحمدية عن أبي المواهب الشاذلي من أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن معناه إلى آخر ما تقدم .

وقال ولفظ الحديث يدل لكلام العهود فهو أقوى وأظهر من قول الشيخ زروق وغير واحد كالحافظ المنذري في الترغيب والترهيب إن معنى الحديث أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك إذ لو أريد لقيل فكم أصرف لك من وقت دعائي مثلا قال الشيخ كنون بعد أن ذكر كلامه في باب الحج عند قوله في المختصر وتطوع عنه وليه ما نصه فأنت تراه إنما ذكر رؤيا أبي المواهب وغيره على وجه التأييد والاستئناس لظاهر لفظ الحديث لا على وجه الاحتجاج حتى يرد عليه أن رؤيته صلى الله عليه وسلم وإن كانت حقا ولا سيما من مثل أبي المواهب لكن الأحكام الشرعية لا تثبت بالرؤيا فلذلك قبل كلامه المذكور تلميذه جسوس وغيره فتأمل والله أعلم انظره والله أعلم .




الخدمات العلمية