الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الرابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يقبل الملك من الأعيان والمنافع وبين قاعدة ما لا يقبله )

اعلم أن الأعيان منها ما لا يقبل الملك إما لعدم اشتماله على منفعة كالخشاش أو منفعة محرمة كالخمر [ ص: 237 ] والمطربات المحرمة أو منفعة تعلق بها حق آدمي كالحر فإنه لا يقبل الملك لغيره ؛ لأنه أحق بنفسه من غيره أو تعلق بها حق الله تعالى كالمساجد والبيت الحرام .

وقد تقدم أن الملك إذن شرعي خاص والإذن في غير منتفع به عبث وفي المحرم متناقض وفيما هو حق للغير مبطل لذلك الحق فيمتنع المالك في هذه الأقسام ومنها ما فيه منفعة فيقبل المالك لأجل منفعة وهو قسمان ما يمتنع بيعه إما صونا لمكارم الأخلاق عن الفساد ككلب الصيد وإجارة الأرض إذا قلنا بأنها لا يؤجر مطلقا ؛ لأن ذلك كان قديما من الأمور المنافية لمكارم الأخلاق ولذلك قال عليه السلام { من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه } فإن الحسن والقبح في هذه الأمور عادي وإما لتعلق حق الغير كأم الولد لتعلق حقها بالعتق والحر لتعلق حقه بنفسه والوقف لتعلق حق الموقوف [ ص: 238 ] عليه به .

وأما ما سلم من هذه الموانع فهو القابل للملك والتصرف بأسباب الملك على اختلافها ونظائره كثيرة معروفة كالبر والأنعام وغيرهما فهذا تلخيص الفرق بين القاعدتين وها هنا قاعدة أخرى تلاحظ في هذا الفرق وهي إن كل تصرف كان من العقود كالبيع أو غير العقود كالتعزيرات وهو لا يحصل مقصوده فإنه لا يشرع ويبطل إن وقع ، فلذلك امتنع بيع الحر وأم الولد ونكاح المحرم وذوات المحرم فإن مقاصد هذه العقود لا تحصل بها .

وكذلك الإجارة على الأفعال المحرمة وتعزير من يعقل الزجر كالسكران والمجنون ونحوهما فإن الزجر لا يحصل بذلك والمقصود من البيع ونحوه إنما هو انتفاع كل واحد من المتعاوضين بما يصير إليه فإذا كان عديم المنفعة أو محرما لم يحصل مقصوده فيبطل عقده والمعاوضة عليه لهذه القاعدة ، فهذه القاعدة أيضا [ ص: 239 ] تحصل فرقا بين القاعدتين .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الرابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يقبل المالك وقاعدة ما لا يقبله ) قلت ما قاله صحيح على ما في قوله من الأعيان من المسامحة على ما سبق



حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 237 - 239 ] الفرق الرابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يقبل الملك من الأعيان والمنافع وبين قاعدة ما لا يقبله منهما )

يحصل الفرق بينهما أمران

( الأمر الأول ) ما تقدم من أن الملك إذن شرعي خاص وأن الأعيان لا تقبله إلا باعتبار منافعها فما [ ص: 238 ] لا منفعة له كالخشاش وما له منفعة محرمة كالخمر والمطربات المحرمة وما له منفعة تعلق بها حق آدمي كالحر لتعلق حقه بنفسه وكأم الولد لتعلق حقها بالعتق وكالوقف لتعلق حق الموقوف عليه به فلا يقبل واحد من هذه الأنواع الثلاثة الملك أما

الأول فلأن الإذن فيه عبث ، وأما

الثاني فلأن الإذن فيه متناقض ، وأما

الثالث فلأن الإذن فيه مبطل لذلك الحق وبقي

النوع الرابع وهو ما فيه منفعة ليست محرمة ولا تعلق بها حق آدمي فيقبل الملك لأجل منفعته إلا أنه قسمان قسم يمتنع صونا لمكارم الأخلاق عن الفساد ككلب الصيد وإجارة الأرض إذا قلنا بإنها لا تؤجر مطلقا ؛ لأن ذلك كان قديما من الأمور المنافية لمكارم الأخلاق ولذلك قال عليه السلام { من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه } فإن الحسن والقبح في هذه الأمور عادي وقسم سلم من هذه الموانع فهو القابل للملك والتصرف بأسباب الملك عن اختلافها ونظائره كثيرة معروفة كالبر والأنعام وغيرهما

( الأمر الثاني ) قاعدة إن كل تصرف كان من العقود كالبيع أو غير العقود كالتعزيرات وهو لا يحصل مقصوده لا يشرع ويبطل إن وقع والمقصود من البيع ونحوه إنما هو انتفاع كل واحد من المتعارضين بما يصير إليه فإذا كان عديم المنفعة أو محرمها أو تعلق بمنفعته حق الغير لم يحصل مقصوده فيبطل عقده والمعارضة عليه لهذه القاعدة كما يمتنع نكاح ذوات المحرم ؛ لأن مقاصد عقده لا تحصل بها ويمتنع تعزير من لا يعقل الزجر كالسكران والمجنون ونحوهما ؛ لأن الزجر لا يحصل بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية