الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وعبد الله بن عبد الرحمن قالا : أخبرنا ) وفي نسخة صحيحة أنبأنا ( يحيى بن حسان ) بالصرف وعدمه ( حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم الإدام الخل ) رواه مسلم أيضا ( قال عبد الله بن عبد الرحمن في حديثه ) أي في روايته ( نعم الأدم ) بضم فسكون وبضمتين ( أو الإدام ) ومعناهما واحد ( الخل ) يعني وقع [ ص: 246 ] الشك في حديثه دون حديث محمد بن سهل بن عسكر ، فقول ابن حجر شك من أحد رواته ، على الإبهام لا يلائم المقام ، وقول الحنفي : أو للتخيير بعيد عن المرام .

قال النووي والقاضي عياض : معناه مدح الاقتصاد في المأكل ، ومنع النفس من ملاذ الأطعمة ، والتقدير ائتدموا بالخل ، وما في معناه مما تخف مؤنته ، ولا يعز وجوده ، ولا تتأنقوا في الشهوات ، فإنها مفسدة في الدين ، مقصمة للبدن ، هذا كلام الخطابي ومن تابعه .

والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه ، وأما الاقتصاد في المطعم ، وترك الشهوات ، فمعلوم من قواعد أخر ، انتهى .

ولا يخفى أنه غير ظاهر لدى أولي الألباب ، فضلا عن أن يكون هو الصواب ، إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يمدح طعاما ، ولا يذمه ، فإن في الأول شائبة الشهوة ، وفي الثاني احتقار النعمة .

وأما قول ابن حجر : فإنه قامع للصفراء ، نافع للأبدان ، فلا يصلح أن يكون تعليلا لمدحه صلى الله عليه وسلم إياه تفضيلا ، فإنه من الحكميات التي لا يخلو شيء منها عن فائدة ، وخاصية عند الأطباء ، كما يعلم من خواص الأشياء ، وهو لا يناسب أن يحمل كلام سيد الأنبياء .

ورواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في مسلم . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم ، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به فجعل يأكل ، وهو يقول : نعم الإدام الخل .

وفي الحديث استحباب التحديث على الأكل تأنيسا للآكلين .

وعن أم سعد رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم الإدام الخل ، اللهم بارك في الخل " ، وفي رواية : " فإنه كان إدام الأنبياء من قبلي " .

وفي حديث : " لم يفقر بيت فيه خل " .

رواهن ابن ماجه ، وفي الرواية الثانية ، رد على ابن حجر حيث قال : الثناء عليه بذلك هو بحسب الحال الحاضر ، لا لتفضيله على غيره ، خلافا لمن ظنه ; لأن سبب الحديث أن أهله قدموا له خبزا ، فقال : أما من أدم ، فقالوا ما عندنا إلا خل ، فقال : نعم الإدام الخل .

جبرا وتطييبا لقلب من قدمه ، لا تفضيلا له على غيره ، إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن لكان أولى بالمدح منه ، انتهى .

ولا يخفى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، مع أن الحديث ليس فيه إلا مدحه ، لا أنه أفضل من سائر الأدم ، هذا وفي طلبه صلى الله عليه وسلم الإدام إشارة إلى أن أكل الخبز مع الإدام من أسباب حفظ الصحة ، بخلاف الاقتصار على أحدهما ، واستفيد من كونه أدما أن من حلف لا يأكل أدما حنث به ، وهو كذلك لقضاء العرف بذلك أيضا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية