الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا قتيبة ) أي ابن سعيد ( أخبرنا أبو عوانة ) هو الوضاح روى عنه الستة ( عن أبي بشر ) سيأتي ذكره ( عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ) أي أمر بصياغته أو وجده مصوغا فاتخذه ( فكان يختم به ) أي الكتب التي يرسلها للملوك ، وهو من حد ضرب أي يضعه على الشيء ، وفي نسخة ضعيفة يتختم به ، قال الحنفي : ومعناهما واحد ، والأظهر ما قاله العصام [ ص: 171 ] من أن معنى تختمت لبست الخاتم ، لكنه ينافي قوله : ( ولا يلبسه ) بفتح الموحدة ، قال ميرك : ووجه الجمع بينه وبين الروايات الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم هو أن جملة ولا يلبسه حال ، فيفيد أنه كان يتختم به في حال عدم اللبس ، وهو لا يدل على أنه لا يلبسه مطلقا ، ولعل السر فيه إظهار التواضع ، وترك الإراءة والكبر ; لأن الختم في حال لبس الخاتم لا يخلو عن تكبر وخيلاء ، ويجوز أن يجعل قوله : ولا يلبسه معطوفا على قوله : يختم به ، والمراد أنه لا يلبسه على سبيل الاستمرار والدوام بل في بعض الأوقات ضرورة الاحتياج إليه للختم به ، كما هو مصرح به في بعض الأحاديث ، ويحتمل أن يكون مراد الراوي من هذه العبارة بيان أنه صلى الله عليه وسلم أراد من اتخاذ الخاتم الختم به لا اللبس والتزين ; لأن لبس الخاتم ليس من عادة العرب ، كما أشار إليه الخطابي ، ويؤيده مفهوم الحديث الوارد في سبب اتخاذ الخاتم ، والله أعلم انتهى . قال العصام : والأول هو الأقرب ، وأغرب ابن حجر حيث قال : ولبسه حالة الختم بعيد لا يحتاج لنفيه ، وقال الحنفي : يجوز أن يتعدد خاتمه صلى الله عليه وسلم كما يكون للسلاطين والحكام ، وكان يلبس منها بعضا دون بعض ، وقد تقرر عند أرباب هذا الفن أن التوفيق مقدم على الترجيح ، وتعقبه العصام بأنه بعيد جدا ; لأنه إنما يتخذ للحاجة فيبعد أن يتخذه صلى الله عليه وسلم متعددا ، وسيأتي ما يؤيد الحنفي ، والحاصل أنه ثبت لبس الخاتم له صلى الله عليه وسلم على خلاف سيأتي في الأحاديث أنه كان يلبسه في يمينه أو يساره ، ولخبر : كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ، قال ابن حجر : ولبسه مندوب ولو لمن لم يحتج إليه لختم انتهى . وهو مخالف لقول بعض أئمتنا إنه إنما يندب لمن كان يحتاج إليه للختم ، ويؤيده سبب ورود اتخاذ الخاتم ، وهو مباح للرجال والنساء إجماعا ، وكرهت طائفة لبسه مطلقا ، وهو شاذ ، نعم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما اتخذ خاتما من ورق واتخذوا مثله، طرحه فطرحوا خواتيمهم ، وهذا يدل على عدم ندب الخاتم لمن ليس له حاجة إلى الختم ، وأجاب عنه البغوي بأنه إنما طرحه خوفا عليهم من التكبر والخيلاء ، وأجاب بعضهم عنه بأنه وهم من الزهري راويه وإنما الذي لبسه يوما ثم ألقاه خاتم ذهب كما ثبت ذلك ، من غير وجه عن ابن عمر وأنس أو خاتم حديد ، فقد روى أبو داود بسند جيد أنه كان له خاتم حديد ملوي عليه فضة فلعله هو الذي طرحه ، وكان يختم به ولا يلبسه ، وقالت : طائفة يكره إذا قصد به الزينة ، وآخرون يكره لغير ذي سلطان ، للنهي عنه لغيره ، رواه أبو داود والنسائي ، لكن نقل عن أحمد أنه ضعفه انتهى . وقال قاضي خان : وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتختم بالعقيق ، ثم التختم بالفضة إنما يباح لمن يحتاج إلى التختم ، كالقاضي وعند عدم الحاجة فالترك أفضل ، وإذا تختم بالفضة ينبغي أن يكون الفص إلى باطن الكف من اليسرى ( قال أبو عيسى ) أي المصنف ( أبو بشر ) أي المذكور في السند ( اسمه جعفر بن أبي وحشي ) بفتح فسكون [ ص: 172 ] مهملة وتشديد ياء ، وفي نسخة وحشية بغير انصراف ، اختلف فيه ثقة وضعفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية