الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      [ ص: 112 ] فصل وخيار العيوب والشروط على التراخي لأنه لدفع ضرر متحقق ، فكان على التراخي كخيار القصاص ف ( لا يسقط إلا أن توجد منه ) أي ممن له الخيار ( دلالة على الرضا من قول ) كقوله : أسقطت الفسخ ونحوه : رضيت ( أو وطء ) إذا كان الخيار للزوج لأنه يدل على رغبته فيها ( أو تمكين ) من وطء إن كان الخيار لها لأنه دليل رغبتها فيه ( مع العلم بالعيب ) وتقدم معناه ( أو يأتي بصريح الرضا ) كقوله : رضيت بالعيب .

                                                                                                                      ( فإن ادعى الجهل بالخيار ومثله يجهله ) كعامي لا يخالط الفقهاء كثيرا ( فالأظهر ثبوت الفسخ قاله الشيخ ) عملا بالظاهر .

                                                                                                                      وقال في المنتهى : ولو جهل الحكم أي يسقط خياره بما يدل على الرضا ولو جهل الحكم ( و ) خيار الفسخ ( في العنة لا يسقط بغير قول ) امرأة العنين أسقطت حقي من الفسخ أو رضيت به عنينا ونحوه لا بتمكينها من الوطء لأنه واجب عليها لتعلم أزالت عنته أم لا .

                                                                                                                      ( ومتى زال العيب ) قبل الفسخ ( فلا فسخ ) لزوال سببه كالمبيع يزول عيبه ( ولو فسخت بعيب ) كبياض ببدنه ظنته برصا ( فبان أن لا عيب بطل ) أي تبينا بطلان ( الفسخ ) إذ الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ( واستمر النكاح ) لعدم ما يقتضي فسخه ( ولا فسخ بغير العيوب المذكورة كعور وعرج وعمى وخرس وطرش وقطع يد أو رجل وكل عيب ينفر الزوج الآخر منه خلافا لابن القيم ) قال أنه أولى من البيع .

                                                                                                                      والفرق أن المقصود من النكاح الوطء وهذه لا تمنعه ، والحرة لا تقلب كما تقلب الأمة والزوج قد رضيها مطلقا ، وهو لم يشترط صفة فبانت دونها .

                                                                                                                      وقال أبو البقاء : الشيخوخة في أحدهما عيب ( فإن شرط الزوج نفي ذلك ) أي العور والعرج ونحوه فبانت بخلافه فله الخيار ( أو شرطها بكرا أو جميلة ونحوه ) بأن شرطها ( نسيبة ، فبانت بخلافه فله الخيار ) لشرطه ( وكذا لو شرطته ) حرا ( أو ظنته حرا فبان عبدا وتقدم في الباب قبله ) بأوسع من هذا .

                                                                                                                      ( ولو بان ) أحدهما ( عقيما ) فلا خيار للآخر ( أو كان ) الزوج ( يطأ ولا ينزل فلا خيار لها لأن حقها في الوطء لا في الإنزال ولا يصح فسخ في خيار العيب وخيار الشرط إلا بحكم حاكم ) .

                                                                                                                      لأنه فسخ يجتهد فيه فافتقر إليه كالفسخ للعنة والإعسار بالنفقة إلا الحرة إذا غرت بعبد [ ص: 113 ] ومن عتقت كلها تحت رقيق كله فتفسخ بلا حاكم وتقدم ( فيفسخه ) أي النكاح ( الحاكم أو يرده ) أي الفسخ ( إلى من له الخيار ) فيفسخه ( ويصح ) الفسخ من المرأة حيث ملكته ( في غيبة زوج ) كما تقدم في الخيار .

                                                                                                                      ( والأولى ) الفسخ ( مع حضوره ) أي الزوج خروجا من خلاف من منعه في غيبته ( والفسخ لا ينقص عدد الطلاق ) لأنه ليس بطلاق ( وله ) أي الزوج ( رجعتها ) يعني إعادتها ( بنكاح جديد ) بولي وشاهدي عدل ( وتكون عنده على طلاق ثلاث ) حيث لم يسبق له طلاق ( وكذا سائر الفسوخ ) كالفسخ لإعساره بالصداق أو بالنفقة وفسخ الحاكم على المولي بشرطه ( إلا فرقة اللعان ) فإن الملاعنة تحرم على الملاعن أبدا كما تقدم .

                                                                                                                      ( فإن فسخ النكاح قبل الدخول فلا مهر ) ولا متعة سواء كان الفسخ من الرجل أو المرأة لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها .

                                                                                                                      وإن كان منه فإنما فسخ لعيب بها دلسته بالإخفاء فصار الفسخ كأنه منها لا يقال : هلا جعل فسخها لعيبه كأنه منه لحصوله بتدليسه لأن العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت الفسخ مع سلامة ما عقد عليه رجع العوض إلى العاقد منها ، وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها لا لأجل تعذر ما استحقت عليه في مقابلته منافع عوضا فافترقا .

                                                                                                                      ( و ) إن فسخ ( بعده ) أي بعد الدخول ( أو بعد خلوة ) ف ( لها المسمى ) لأنه نكاح صحيح وجد بأركانه وشروطه ، فترتب عليه أحكام الصحة ولأن المهر يجب بالعقد ويستقر بالخلوة فلا يسقط بحادث بعده ، وكما لو طرأ العيب ( ويرجع ) الزوج ( به ) أي بالمهر على من غره من امرأة عاقلة ( وولي ووكيل ) رواه مالك عن عمر ، وكما لو غر بحرية أمة .

                                                                                                                      قال أحمد كنت أذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر ، ف ( أيهم انفرد بالغرر ، ضمن ) وحده لانفراده بالسبب الموجب ( وشرط أبو عبد الله محمد فخر الدين بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن عبد بن تيمية الحراني ) الواعظ الفقيه ( بلوغها ) أي المرأة إن كان التغرير منها ( وقت العقد ليوجد تغرير محرم ) .

                                                                                                                      وقال ابن عقيل : إنما تكون المرأة غارة إذا كانت تعلم وأما الطفلة والمجنونة فلا فاعتبر القصد دون الفعل المحرم وهو مقتضى قوله في التنقيح والمنتهى : زوجة عاقلة ( ولا سكنى لها ) أي للمفسوخ نكاحها ( ولا نفقة إلا أن تكون حاملا ) فتجب النفقة للحمل كالبائن ( وإن وجد الغرور من المرأة والولي فالضمان على الولي ) لأنه المباشر للعقد .

                                                                                                                      ( و ) إن [ ص: 114 ] وجد الغرور ( منها ومن الوكيل ) ف ( بينهما نصفان ) قاله الموفق وقد أشرت إلى ما فيه في الحاشية ( وإن أنكر الولي ) علمه بالعيب .

                                                                                                                      ( ولو كان ممن له رؤيتها ) كأبيها وأخيها فقوله لأن الأصل عدم علمه به ( أو ) ادعى ( الوكيل عدم العلم بالعيب ولا بينة تشهد ) عليه بإقراره بعلمه بالعيب ( قبل قوله مع يمينه ) أنه لا يعلم العيب لأنه الأصل ( وإن ادعت ) امرأة بها عيب وزوجت ( عدم العلم بعيب نفسها واحتمل ذلك فحكمها حكم الولي قاله الزركشي ) لأن الأصل عدم علمها فإن لم يحتمل ذلك فقوله :

                                                                                                                      ( ومثلها ) أي مثل هذه المسألة وهي ما إذا غر الزوج في تزويجه معيبة ( في الرجوع على الغار لو زوج امرأة فأدخلوا عليه غيرها ) أي غير زوجته فوطئها فعليه مهر مثلها للشبهة ، ويرجع به على من غره بإدخالها عليه ( ويلحقه الولد ) إن أتت به للشبهة ( وتجهز ) إليه ( زوجته بالمهر الأول نصا وتقدم ) نحوه في باب أركان النكاح .

                                                                                                                      ( وإن طلقها ) أي طلق المعيبة ( قبل الدخول ) والخلوة ( ثم علم أنه كان بها عيب يقتضي الفسخ فعليه نصف الصداق لا يرجع به ) على أحد لأنه قد رضي بالتزامه بطلاقها فلم يكن له أن يرجع به على أحد .

                                                                                                                      ( وإن مات ) الزوج قبل علمه بعيبها ( أو ماتت قبل العلم به أو بعده وقبل الفسخ فلها الصداق كاملا ) لتقرره بالموت ( ولا يرجع به على أحد ) لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية