الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 223 ] قال ( فإن وقف دارا على سكنى ولده فالعمارة على من له سكنى ) لأن الخراج بالضمان على ما مر فصار كنفقة العبد الموصى بخدمته ( فإن امتنع من ذلك ، أو كان فقيرا آجرها الحاكم وعمرها بأجرتها ، وإذا عمرها ردها إلى من له السكنى ) لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى ، لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا ، والأول أولى ، ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة فلا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد ، ولا تصح إجارة من له السكنى لأنه غير مالك .

التالي السابق


( قوله فإن وقف دارا على سكنى ولده ) أو غير ولده ( فالعمارة على من له السكنى ) ; لأن الخراج بالضمان وصار كالعبد الموصى بخدمته ، فإذا امتنع من ذلك أو كان فقيرا أجرها الحاكم ( وعمرها بأجرتها ) ثم ردها إلى من له السكنى ; لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى ( لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا ، والأول ) وهو العمارة ( أولى ) من الثاني وهو عدم عمارتها المدلول عليه بقوله لو لم يعمرها ; لأن الجمع بين المصلحتين أولى من إبطال إحداهما ( ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من ) إلزام الضرر ( بإتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر ) فيهما إذا عقد عقد ( المزارعة ) وبينا من عليه البذر فامتنع من عليه البذر عن العمل لا يجبر عليه لذلك ( ثم لا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه ; لأن امتناعه في حيز التردد ) يعني دلالة الامتناع على الرضا بإسقاط حقه متردد فيها لجواز كون امتناعه لعدم القدرة على العمارة أو لرجائه اصطلاح القاضي كما يجوز كونه لرضاه بإبطال حقه ، وإنما قال أجرها الحاكم ; لأنه ( لا تصح إجارة من له السكنى ) وعلله بقوله ( لأنه غير مالك ) وفي تقريره قولان : أحدهما أنه ليس بمالك للمنفعة بل أبيح له الانتفاع ، وهذا ضعيف .

فإن للموقوف عليه السكنى أن يعير الدار ، والإعارة تمليك المنافع بلا عوض ، والمسألة في وقف الخصاف ، والآخر أنه ليس بمالك للعين والإجارة تتوقف [ ص: 224 ] عليه ; لأنها بيع المنافع والمنافع معدومة فلا يتحقق ملكها ليملكها فأقيمت العين مقام المنفعة ليرد عليها العقد فلا بد من كونها مملوكة ، وهو مشكل لأنه يقتضي أن لا يصح إجارة المستأجر فيما لا يختلف باختلاف المستعمل ، وأن لا يصح من الموقوف عليه السكنى الإعارة لكنه يصح كما ذكرنا ; فالأولى أن يقال ; لأنه تملك المنافع بلا بدل فلم يملك تمليكها ببدل وهو الإجارة ، وإلا لملك أكثر مما ملك بخلاف الإعارة ، وهذا الوجه والذي قبله يفيد أن لا فرق بين الموقوف عليه السكنى وغيره ، حتى أن الموقوف عليه الدار المستحق للغلة أيضا ليس له أن يؤاجر ; لأنه ليس بمالك للعين فلا يمكن إقامة العين مقام منافعها ليرد عليه عقد الإجارة بل ما ملكه من المنافع بلا بدل .

ونص الأسروشني أنه رأى في المنقول أن إجارة الموقوف عليه لا تجوز ، وإنما يملك الإجارة المتولي أو القاضي . ونقل عن الفقيه أبي جعفر أنه إن كان الأجر كله للموقوف عليه إذا كان الوقف لا يسترم تجوز إجارته وهذا في الدور والحوانيت . وأما الأراضي فإن كان الواقف شرط تقديم العشر والخراج وسائر المؤن فليس للموقوف عليه أن يؤاجر ، وإن لم يشرط ذلك ، فيجب أن يجوز ويكون الخراج والمؤنة عليه ، هذا وإن لم يرض الموقوف عليه السكنى بالعمارة ولم يجد القاضي من يستأجرها لم أر حكم هذه في المنقول من المذهب ، والحال فيها يؤدي إلى أن تصير نقضا على الأرض كرماد تسفوه الرياح ، وخطر لي أنه يخيره القاضي بين أن يعمرها فيستوفي منفعتها ، وبين أن يردها إلى ورثة الواقف




الخدمات العلمية