الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3281 122 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج على المنبر، فتناول قصة من شعر كانت في يدي حرسي فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " إنما هلكت بنو إسرائيل ".

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن إسماعيل، وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى بن يحيى عن مالك، وعن ابن أبي عمر وعن حرملة بن يحيى وعن عبد بن حميد. وأخرجه أبو داود في الترجل عن القعنبي به، وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن سويد بن نصر، وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة عن سفيان به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: (عام حج)، وفي رواية للبخاري عن سعيد بن المسيب " آخر قدمة قدمها " وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها معاوية في خلافته.

                                                                                                                                                                                  قوله: (على المنبر) حال من " معاوية "، والمراد به منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة، وهي شعر الرأس من جهة الناصية، وهنا المراد منه قطعة، من قصصت الشعر أي: قطعته.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حرسي) منسوب إلى الحراس أحد الحرس، وهم الذين يحرسون السلطان. قال الكرماني: الواحد حرسي؛ لأنه قد صار اسم جنس فنسب إليه، ولا تقل حارس إلا أن تذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس، ويطلق الحرسي ويراد به الجندي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقال: أهل المدينة)؛ أي: يا أهل المدينة، وفي أكثر النسخ لفظ: " يا " غير محذوفة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أين علماؤكم)، قال بعضهم: فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قليلا، وهو كذلك لأن غالب الصحابة يومئذ كانوا قد ماتوا، وكان رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماءهم ويؤنبهم بما تركوه من الإنكار في ذلك. قلت: إن كان غالب الصحابة ماتوا في ذلك الوقت فقد قام مقامهم أكثر منهم جماعة من التابعين الكبار [ ص: 55 ] والصغار وأتباعهم، ولم يكن معاوية قصد هذا المعنى الذي ذكره هذا القائل، وإنما كان قصده الإنكار عليهم بإهمالهم إنكار مثل هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره، وفي هذا اعتناء الولاة بإزالة المنكرات وتوبيخ من أهملها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ويقول) عطف على قوله: " وينهى "؛ أي: يقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها)؛ أي: حين اتخذ القصة نساؤهم، وكان هذا سببا لهلاكهم فدل على أن ذلك كان حراما عليهم، فلما فعلوه مع ما انضم إلى ذلك مما ارتكبوا من المعاصي هلكوا، وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية