الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5487 [ ص: 6 ] 42 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، أخبرنا أيوب، عن عكرمة أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي - قالت عائشة: وعليها خمار أخضر - فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنساء ينصر بعضهن بعضا، قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها، قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله، ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت - والله- يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد رفاعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: فإن كان ذلك لم تحلي له - أو لم تصلحي له- حتى يذوق من عسيلتك. قال: وأبصر معه ابنين، فقال: بنوك هؤلاء؟ قال: نعم، قال: هذا الذي تزعمين ما تزعمين، فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " وعليها خمار أخضر".

                                                                                                                                                                                  وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأيوب السختياني، وعكرمة مولى ابن عباس، والحديث من أفراده.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إن رفاعة " بكسر الراء وتخفيف الفاء: ابن شموال القرظي، من بني قريظة، قال ابن عبد البر: ويقال: رفاعة بن رفاعة، وهو أحد العشرة الذين نزلت فيهم: ولقد وصلنا لهم القول الآية، كما رواه الطبراني في معجمه، وابن مردويه في تفسيره من حديث رفاعة بإسناد صحيح. قلت: لم يقع في رواية البخاري، ولا في بقية الكتب الستة تسمية امرأة رفاعة، وقد سماها مالك في روايته: تميمة بنت وهب، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ولا أعلم لها غير قصتها مع رفاعة بن شموال حديث العسيلة من جهة مالك في الموطأ. وقال الطبراني: لها ذكر في قصة رفاعة، ولا حديث لها، وأما زوجها الثاني فهو عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة- ابن باطا، وقيل: باطيا، وقتل الزبير في غزوة بني قريظة، هذا هو الصواب; فإن عبد الرحمن بن الزبير من بني قريظة، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: وأما ما ذكره ابن منده، وأبو نعيم في كتابيهما (معرفة الصحابة)؛ من أنه من الأنصار، من الأوس، ونسباه أنه عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن مالك بن الأوس- فغير جيد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فشكت إليها"؛ أي إلى عائشة. وفيه التفات، أو تجريد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأرتها"، بفتح الهمزة، من الإراءة؛ أي: أرت امرأة رفاعة عائشة رضي الله عنها خضرة بجلدها، وتلك الخضرة إما كانت لهزالها، وإما لضرب عبد الرحمن لها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والنساء ينصر بعضهن بعضا" هذه جملة معترضة بين قوله: " فلما جاء رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم" وبين قوله: " قالت عائشة" وهي من كلام عكرمة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لجلدها" اللام فيه للتأكيد، وهي مفتوحة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال: وسمع أنها قد أتت"؛ أي: قال عكرمة: وسمع أنها - أي أن امرأة رفاعة رضي الله تعالى عنه- قد أتت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ومعه ابنان"؛ الواو فيه للحال. وفي رواية وهيب: " بنون له".

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلا أن ما معه"؛ أي آلة الجماع، " ليس بأغنى"؛ أي ليس دافعا عني شهوتي; تريد قصوره عن الجماع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من هذه" أشارت به إلى هدبة، وفسرتها بقولها: " وأخذت هدبة من ثوبها" بضم الهاء وسكون الدال المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وهي طرف الثوب الذي لم ينسج، شبهوها بهدب العين وهي شعر الجفن.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فقال: كذبت"؛ أي فقال رفاعة: كذبت، يعني امرأته.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إني لأنفضها" من النفض، بالنون والفاء والضاد المعجمة، وهو كناية عن كمال قوة المباشرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " نفض الأديم"؛ أي: كنفض الأديم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ناشز" من النشوز، وهو امتناع المرأة من زوجها، إنما قال: ناشز، ولم يقل: ناشزة; لأنها من خصائص النساء، كحائض وطامث، فلا حاجة إلى التاء الفارقة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لم تحلي" بكسر الحاء، ويروى: " لا تحلين" ووجه هذه الرواية أن "لم" بمعنى "لا"، والمعنى أيضا عليه; لأن " لا" للاستقبال، وقال الأخفش: إن "لم" تجيء بمعنى " لا"، وأنشد:

                                                                                                                                                                                  لولا فوارس من قيس وأسرتهم يوم الصليفاء لم يوفون بالجاز

                                                                                                                                                                                  [ ص: 7 ] قوله: " والأسرة " بضم الهمزة: الرهط.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أو لم تصلحي له" شك من الراوي، أي لرفاعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى يذوق" فإن قلت: كيف يذوق والآلة كالهدبة؟ قلت: قد قبل أنها كالهدبة في رقتها وصغرها; بقرينة الابنين اللذين معه، ولقوله: " أنفضها"، ولإنكاره صلى الله عليه وسلم عليها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عسيلتك" قد مر الكلام فيه في كتاب النكاح، وهو مصغر عسلة; لأن العسل فيه لغتان: التأنيث والتذكير. وقيل: إنما أنثه; لأنه أراد النطفة. وضعفه النووي ، قال: لأن الإنزال ليس بشرط، وإنما هي كناية عن الجماع، شبه لذته بلذة العسل وحلاوته. وقد ورد حديث مرفوع من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " العسيلة الجماع".

                                                                                                                                                                                  قوله:"فقال: بنوك" فيه إطلاق اللفظ الدال على الجمع على التثنية، وقد ذكرنا آنفا أن في رواية وهيب " بنون له".

                                                                                                                                                                                  قوله: " هذا الذي تزعمين ما تزعمين " ويفسره رواية وهيب: هذا الذي تزعمين أنه كذا وكذا، وهو كناية عما ادعت عليه من العنة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فوالله، لهم أشبه به"؛ أي: للابنين أشبه به، أي بعبد الرحمن " من الغراب بالغراب" وأثبت النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- فيه الحكم بالدليل; حيث استدل بشبههما له على كذبها ودعواها. وفيه أن للزوج ضرب زوجته عند نشوزها عليه وإن أثر ضربه في جلدها، ولا حرج عليه في ذلك. وفيه أن للنساء أن يطالبن أزواجهن عند الإمام بقلة الوطء، ولا عار عليهن في ذلك. وفيه أن للزوج إذا ادعي عليه بذلك أن يخبر بخلافه، ويعرب عن نفسه، ألا ترى إلى قوله: " يا رسول الله، والله إني لأنفضها نفض الأديم" ؟ وهذه الكناية من الفصاحة العجيبة، وهي أبلغ في المعنى من الحقيقة. وفيه دليل على الحكم بالقافة، والحنفية منعوه، واستدلوا في ذلك بقوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم وخبر الواحد لا يعارض نص القرآن.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية