الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5553 108 - حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خالفوا المشركين; وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  محل هذا الحديث في الباب الذي قبله، ولا يناسب ذكره هنا.

                                                                                                                                                                                  ومحمد بن منهال، بكسر الميم وسكون النون، البصري الضرير. وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في اللباس، عن سهل بن عثمان، عن يزيد بن زريع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " خالفوا المشركين"؛ أراد بهم المجوس، يدل عليه رواية مسلم: "خالفوا المجوس"; لأنهم كانوا يقصرون لحاهم، ومنهم من كان يحلقها.

                                                                                                                                                                                  وقوله: " وفروا" بتشديد الفاء أمر من التوفير، وهو الإبقاء؛ أي: اتركوها موفرة، واللحى بكسر اللام وضمها، بالقصر والمد: جمع لحية بالكسر فقط، وهي اسم لما نبت على الخدين والذقن، قاله بعضهم. قلت: على الخدين ليس بشيء، ولو قال على العارضين لكان صوابا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأحفوا" أمر من الإحفاء في القص، وقد مر عن قريب.

                                                                                                                                                                                  وقال الطبري: فإن قلت: ما وجه قوله: " اعفوا اللحى" وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر قوله: " اعفوا اللحى" فيتفاحش طولا وعرضا ويسمج، حتى يصير للناس حديثا ومثلا؟ قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - على خصوص هذا الخبر، وأن اللحية محظور إعفاؤها، وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده، فقال بعضهم: حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولا، وأن ينتشر عرضا فيقبح ذلك. وروي عن عمر رضي الله [ ص: 47 ] تعالى عنه أنه رأى رجلا قد ترك لحيته حتى كبرت فأخذ يجذبها، ثم قال: ائتوني بحلمتين، ثم أمر رجلا فجز ما تحت يده، ثم قال: اذهب، فأصلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع؟! وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل. وعن ابن عمر مثله.

                                                                                                                                                                                  وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يجدوا في ذلك حدا، غير أن معنى ذلك عندي ما لم يخرج من عرف الناس.

                                                                                                                                                                                  وقال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كبرت وعلت; كراهة الشهرة. وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها . أخرجه الترمذي ، وقال: هذا حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث، لا أعرف له حديثا ليس له أصل - أو قال: ينفرد به - إلا هذا الحديث، قال: ورأيته حسن الرأي في عمر بن هارون، وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول: الإيمان قول وعمل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وكان ابن عمر إذا حج.. " إلى آخره موصول بالسند المذكور إلى نافع، وقد أخرجه مالك في الموطأ، عن نافع بلفظ: " كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه".

                                                                                                                                                                                  قوله: " فما فضل" بفتح الفاء والضاد المعجمة، وحكي كسر الصاد؛ كعلم، والفتح أشهر، وقال الكرماني: وما فضل؛ أي: من قبضة اليد قطعه تقصيرا، ولعل ابن عمر جمع بين حلق الرأس وتقصير اللحية؛ اتباعا لقوله تعالى: محلقين رءوسكم ومقصرين هذا هو المقدار الذي قاله الكرماني، وقد نقل عنه بعضهم ما لم يقله، ثم طول الكلام بما لا يستحق سماعه; فلذلك تركته.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي: يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية; فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب، أو عنفقة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية