الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5609 164 - حدثنا موسى، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة، فرأى أعلاها مصورا يصور، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة، وليخلقوا ذرة، ثم دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: منتهى الحلية.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  ليس فيه تعرض إلى النقض، ولم تبق المطابقة إلا في لفظ الصور فقط، وموسى هو ابن إسماعيل، وعبد الواحد هو ابن زياد، وعمارة، بالضم، هو ابن القعقاع، وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير.

                                                                                                                                                                                  قوله: " دارا" بالمدينة، هي لمروان بن الحكم، وقع ذلك في رواية مسلم: " له دارا تبنى" لسعيد، أو لمروان بالشك، وسعيد هو ابن العاص بن سعيد الأموي، وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية بن أبي سفيان، والرواية الجازمة أولى، قوله: " مصورا"؛ أي: شخصا مصورا، وهو اسم فاعل من التصوير، وانتصابه على أنه مفعول "رأى". قوله: " أعلاها"؛ أي: أعلى الدار، أراد سقفها. قوله: " يصور" على صيغة المعلوم من المضارع في محل النصب على الحال، معناه يصنع الصور. وقال الكرماني: مصورا بلفظ المفعول، و"بصور" بلفظ الجار والمجرور، وقال بعضهم: هو بعيد، قلت: لم يبين وجه بعده فلا بعد أصلا، بل هو أقرب على ما لا يخفى. قوله: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق"؛ أي: ولا أحد أظلم ممن قصد حال كونه يخلق، أي: يصنع ويقدر كخلقي، وفيه حذف تقديره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ومن أظلم.. إلى آخره، ونحوه في رواية ابن فضيل.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف التشبيه في قوله: " كخلقي"؛ قلت: التشبيه لا عموم له، يعني كخلقي في فعل الصورة لا من كل الوجوه، قيل: الكافر أظلم منه، وأجيب بأن الذي يصور الصنم للعبادة هو كافر فهو هو أو يزيد [ ص: 72 ] عذابه على سائر الكفار؛ لزيادة قبح كفره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حبة"؛ أي: حبة فيها طعم يؤكل وينتفع بها كالحنطة، و"الذرة" بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء، النملة الصغيرة، والغرض تعجيزهم تارة بخلق الجماد، وأخرى بخلق الحيوان. قوله: " ثم دعا"؛ أي: أبو هريرة. قوله: " بتور" بفتح التاء المثناة من فوق، وهو إناء كالطست. قوله: " من ماء" قال بعضهم: أي: فيه ماء، قلت: هذا ليس بصحيح; بل الصحيح أن كلمة "من" هنا بمعنى الباء؛ أي دعا بتور بماء، وكلمة "من" تجيء بمعنى الباء كما في قوله تعالى: ينظرون من طرف خفي

                                                                                                                                                                                  قوله: " فغسل يديه" غسل اليد كناية عن الوضوء; لأن الوضوء مستلزم له. قوله: " إبطيه"، ويروى: " إبطه" بالإفراد. قوله: " فقلت: يا أبا هريرة" القائل أبو زرعة الراوي، قوله: " أشيء سمعته؟" أي: تبليغ الماء إلى الإبط شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، " فقال: منتهى الحلية"؛ أي: التبليغ إلى الإبط منتهى حلية المؤمن في الجنة. وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". وقال الطيبي: ضمن "يبلغ" معنى "يتمكن" وعدي بـ"من" أي: يتمكن من المؤمن الحلية مبلغا بتمكنه الوضوء منه، وقال أبو عبيد: الحلية هنا التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء، وقال غيره: هو من قوله تعالى: يحلون فيها من أساور




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية