الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5626 2 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.

                                                                                                                                                                                  قال ابن شبرمة، ويحيى بن أيوب، حدثنا أبو زرعة مثله.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  وجرير بن عبد الحميد، وعمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم، ابن القعقاع، بفتح القافين وإسكان المهملة الأولى، ابن شبرمة، بضم الشين المعجمة وتسكين الباء الموحدة وضم الراء، ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي، وأبو زرعة: هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، واعلم أن قوله: عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، كذا وقع في رواية الأكثرين، ووقع عند النسفي، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة، بزيادة واو العطف، والصواب حذفها، فإن رواية ابن شبرمة ذكرها في آخر الحديث، وهو عبد الله بن شبرمة، قاضي الكوفة، عم عمارة بن القعقاع بن شبرمة المذكور.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن قتيبة وزهير، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن أبي كريب.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن ماجه في الوصايا عن أبي بكر بن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " جاء رجل"؛ قال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا الرجل معاوية بن حيدة; لأن البخاري أخرج في (الأدب المفرد) من حديثه قال: " قلت يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك.." الحديث، وأخرجه أبو داود والترمذي، قلت: جاءت أحاديث في هذا الباب مما يشبه حديث الباب، فلا يتعين في الاحتمال معاوية بن حيدة، منها حديث أنس، رواه الطبراني في الأوسط، قال: أتى رجل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إني لأشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: فهل بقي أحد من والديك؟ قال: أمي، قال: قاتل بالله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج معتمر ومجاهد. ومنها حديث بريدة، رواه الطبراني في الصغير؛ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة لو ألقيت فيها قطعة لحم لنضجت، فهل أديت شكرها؟ فقال: لعله أن يكون بطلقة واحدة. ومنها حديث ابن عباس، أخرجه تمام؛ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت إن فتح الله عز وجل عليك مكة أن آتي البيت فأقبل أسفل الأسكفة، فقال: قبل قدمي أمك وقد وفيت نذرك. ومنها: حديث ابن مسعود، رواه الطبراني في (الأوسط)؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي أهلا، وأبا وأما، فأيهم أحق بصلتي؟ قال: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك. ومنها حديث معاوية بن جاهمة، أخرجه النسائي وابن ماجه بلفظ: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال، ويحك! أحية أمك؟ قلت: نعم، قال: ارجع فبرها. ثم أتيته من الجانب الآخر.. فذكر الحديث في سؤاله كذلك ثانية، فقال: ارجع وبرها، وسؤاله له كذلك ثالثة، قال: ويحك! الزم رجلها فثم الجنة. اللفظ لابن ماجه. قوله: " قال: أمك" إلى قوله: " قال ابن شبرمة" كله مرفوع لجميع الرواة، ووقع عند مسلم من هذا الوجه بالنصب، وفي آخره: ثم أباك، وجه الرفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: أبوك أحق الناس بحسن الصحبة، ويجوز العكس، ووجه النصب بإضمار فعل تقديره: الزم، أو احفظ أمك.

                                                                                                                                                                                  وفيه دلالة على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون أمثال محبة الأب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كررها ثلاثا وذكر الأب في الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان; وذلك [ ص: 83 ] أن صعوبة الحمل والوضع والرضاع والتربية تنفرد بها الأم، وتشقى بها دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب، وحديث أبي هريرة يدل على أن طاعة الأم مقدمة، وهو حجة على من خالفه، وزعم المحاسبي أن تفضيل الأم على الأب في البر والطاعة هو إجماع العلماء، وقيل للحسن: ما بر الوالدين؟ قال: تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال ابن شبرمة"؛ أي قال عبد الله بن شبرمة، قاضي الكوفة عم عمارة، كما ذكرنا، ويحيى بن أيوب حفيد أبي زرعة بن عمرو بن جرير، شيخه في هذا الحديث، كلاهما رويا بالتعليق عن أبي زرعة المذكور. قوله: " مثله"؛ أي: مثل الحديث المذكور، وأما تعليق ابن شبرمة فوصله مسلم، عن أبي شيبة، حدثنا شريك عن عمارة وابن شبرمة، عن أبي زرعة.. فذكره، وأما تعليق يحيى بن أيوب فوصله الطبراني في (الأوسط) من حديثه عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن حفص، حدثنا سهل بن حماد، حدثنا يحيى بن أيوب، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، حدثنا جدي أبو زرعة به.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية