الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5729 104 - حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن معمر: ح وقال الليث: حدثني عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر! قال: إني قد أذن لي بالخروج.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، وإبراهيم هو ابن [ ص: 145 ] موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير، وهو شيخ مسلم أيضا، وهشام هو ابن يوسف، ومعمر، بفتح الميمين، هو ابن راشد.

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى مطولا في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى المدينة فإنه أخرجه هناك عن يحيى بن بكير، نا الليث عن عقيل.. إلى آخره، وهنا أخرجه عن إبراهيم، عن هشام، عن معمر، عن الزهري، ثم تحول إلى إسناد آخر بقوله: وقال الليث.. إلى آخره. ووصله في باب الهجرة عن يحيى بن بكير عن الليث كما ذكرناه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يدينان الدين"؛ أي: كانا مؤمنين متدينين بدين الإسلام. قوله: " ولم يمر يوم إلا يأتينا فيه"؛ فإن قلت: يعارضه حديث أبي هريرة: ( زر غبا تزدد حبا)، قلت: لا معارضة; لأن لكل منهما معنى، فحديث الباب جواز زيارة الصديق الملاطف لصديقه كل يوم على قدر حاجته إليه، والانتفاع بمشاركته له، وحديث أبي هريرة فيمن ليست له خصوصية ولا مودة ثابتة، فالإكثار من الزيارة، ربما أدت إلى البغضاء؛ فيكون سببا للقطيعة، فعلى المعنى الأول قال القائل:


                                                                                                                                                                                  إذا حققت من شخص ودادا فزره ولا تخف منه ملالا وكن كالشمس تطلع كل يوم
                                                                                                                                                                                  ولا تك في زيارته هلالا



                                                                                                                                                                                  وعلى المعنى الثاني قال القائل:


                                                                                                                                                                                  لا تزر من تحب في كل شهر غير يوم ولا تزده عليه
                                                                                                                                                                                  فاجتلاء الهلال في الشهر يوما ثم لا تنظر العيون إليه



                                                                                                                                                                                  قال بعضهم: كأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور: ( زر غبا تزدد حبا ) قلت: هذا تخمين في حق البخاري; لأنه حديث مشهور روي عن جماعة من الصحابة، وهم: علي، وأبو ذر، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وأبو برزة، وأنس، وجابر، وحبيب بن مسلمة، ومعاوية بن حيدة، وقد جمع أبو نعيم وغيره طرقه.

                                                                                                                                                                                  ورواه الحاكم في (تاريخ نيسابور)، والخطيب في (تاريخ بغداد) بطريق قوي، فإن قلت: كان الصديق أولى بالزيارة لدفع مشقة التكرار عنه عليه الصلاة والسلام؟ قلت: قال ابن التين: لم يكن يجيء إلى أبي بكر لمجرد الزيارة، بل لما يتزايد عنده من علم الله، وقيل: كان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا جاء إلى بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه يأمن من أذى المشركين، بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه، وقيل: يحتمل أن أبا بكر كان يجيء إليه في النهار والليل أكثر من مرتين. قوله: فبينما قد قلنا غير مرة: إن أصل "بينما" بين، فأشبعت الفتحة، فصارت ألفا، وزيدت عليه "ما"، ويضاف إلى جملة. قوله: " جلوس"؛ أي: جالسون. قوله: " في نحر الظهيرة"؛ الظهيرة: الهاجرة، ونحرها: أولها، قال الجوهري: نحر النهار أوله، وقال الكرماني: نحر الظهيرة أول الظهر، يريد به شدة الحر. قوله: " أذن لي بالخروج"، يعني من مكة إلى المدينة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية