الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  620 43 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث عن أبي مسعود مضى في باب الصلاة في مسجد السوق، غير أن هناك أخرجه عن مسدد عن أبي معاوية عن الأعمش إلى آخره، وهاهنا عن موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي، عن عبد الواحد بن زياد العبدي، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح ذكوان، واللفظ هناك " صلاة الجمع " تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها [ ص: 167 ] خطيئة حتى دخل المسجد، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه وتصلي الملائكة عليه، ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم ارحمه ما لم يؤذ يحدث فيه " وقد ذكرنا هناك من أخرجه غيره، ومعناه وما يستفاد منه مستقصى، وذكرنا أيضا اختلاف الروايات فيه والتوفيق بينها، فلا يحتاج إلى الإعادة إلا في بعض المواضع كما نذكره الآن.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه السماع في موضعين، وفيه القول في ستة مواضع، وقوله: يقول في الموضعين في محل النصب على الحال، وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه رواية التابعي عن التابعي.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " في الجماعة "، وفي رواية الحموي والكشميهني " في جماعة " بدون الألف واللام.

                                                                                                                                                                                  قوله: " تضعف " أي: تزداد والتضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل بمثلين أو أكثر، والضعف بالكسر المثل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " خمسة وعشرين ضعفا " كذا في أكثر الروايات ويروى: " خمسا وعشرين " ووجهها أن يؤول الضعف بالدرجة أو بالصلاة توضيحه أن ضعفا مميز مذكر فتجب التاء، فقيل بالتأويل المذكور، والأحسن أن يقول: إن وجوب التاء فيما إذا كان المميز مذكورا، وإذا لم يكن مذكورا يستوي فيه التاء وعدمها وهاهنا مميز الخمس غير مذكور فجاز الأمران.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): يقتضي قوله: " في بيته وفي سوقه " أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق سواء كانت جماعة أو فرادى، وليس كذلك.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا خارج مخرج الغالب لأن من لم يحضر الجماعة في المسجد يصلي منفردا في بيته أو سوقه، وأما الذي يصلي في بيته جماعة فله الفضل فيها على صلاته منفردا بلا نزاع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وذلك " إشارة إلى التضعيف الذي يدل عليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " تضعف " يعني: التضعيف المذكور سببه أنه إذا توضأ إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا يخرجه " من الإخراج.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلا الصلاة " أي: قصد الصلاة في جماعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لم يخط " بفتح الياء وضم الطاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: " خطوة " يجوز فيه ضم الخاء وفتحها، وجزم اليعمري بأنها هاهنا بالفتح، وقال القرطبي : إنها في روايات مسلم بالضم، وقال الجوهري : الخطوة بالضم ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا صلى " المراد به فإذا صلى الصلاة التامة ليستحق هذه الفضائل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " مصلاه " بضم الميم المكان الذي يصلي فيه، وهذا خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام في بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك قوله: " اللهم ارحمه " أي: لم تزل الملائكة يصلون عليه حال كونهم قائلين: يا الله ارحمه، وزاد ابن ماجه : " اللهم تب عليه ".

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) من ذلك الدلالة على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لأن فيها صلاة الملائكة على فاعلها ودعاءهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة، ومنه الدلالة على تفضيل صالحي الناس على الملائكة، لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة يشتغلون بالاستغفار والدعاء لهم كذا قيل.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا ليس على إطلاقه، فإن خواص بني آدم وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من الملائكة، وعوامهم أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم.

                                                                                                                                                                                  وفيه الدلالة على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة؛ لأن قوله: " على صلاته " وحده يدل على صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل التفضيل الاشتراك في أصل التفاضل، فذلك يقتضي وجود الفضيلة في صلاة المنفرد لأن ما لا يصح من الصلاة لا فضيلة فيه. وفيه رد على داود ومن تبعه في اشتراطهم الجماعة في صحة الصلاة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية