الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2689 - "أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا؛ وأنا خطيبهم إذا وفدوا ؛ وأنا مبشرهم إذا أيسوا؛ لواء الحمد يومئذ بيدي؛ وأنا أكرم ولد آدم على ربي؛ ولا فخر"؛ (ت)؛ عن أنس ؛ (ض) .

التالي السابق


(أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ) ؛ أي: أثيروا من قبورهم؛ قال الزمخشري : "بعث الشيء؛ وبعثره"؛ أثاره؛ و"يوم البعث"؛ يوم يبعثنا الله من القبور؛ قال الرافعي - في الكلام على هذا الخبر -: هو معنى قوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض " ؛ وهذا من كمال عناية ربه به؛ حيث منحه هذا السبق؛ وفيه مناسبة لسبقه بالنبوة؛ (وأنا خطيبهم إذا وفدوا) ؛ أي: قدموا على ربهم؛ قال بعض شراح الترمذي : وهذه خطبة الشفاعة؛ وقيل: قبلها؛ وقال: "خطيبهم"؛ دون "إمامهم"؛ لأن الكلام في الآخرة؛ ولا تكليف فيها؛ وفيه رفعته على جميع الخلق في المحشر ؛ (وأنا مبشرهم) ؛ أي: وأنا مبشرهم بقبول شفاعتي لهم عند ربي؛ ليريحهم؛ (إذا أيسوا) ؛ كذا هو بخط المصنف؛ وفي نسخ: "أبلسوا"؛ وهو رواية من "الإبلاس": الانكسار والحزن؛ لأنه البشير النذير؛ (لواء الحمد) ؛ أي: رايته؛ (يومئذ) ؛ أي: يوم القيامة؛ (بيدي) ؛ جريا على عادة العرب أن اللواء إنما يكون مع كبير القوم؛ ليعرف مكانه؛ إذ موضوعه أصالة شهرة مكان الرئيس؛ وقد سئل المؤلف عن لواء الحمد: هل هو لواء حقيقي؛ أو معنوي؟ فأجاب بأنه معنوي؛ وهو الحمد؛ لأن حقيقة اللواء: الراية؛ ولا يمسكها إلا أمير الجيش؛ فالمراد أنه يشهر بالحمد يومئذ؛ وما ذكره ليس من عندياته؛ بل هو أحد قولين نقلهما الطيبي وغيره؛ فقال: يريد به انفراده بالحمد يوم القيامة؛ وشهرته به على رؤوس الخلائق ؛ أو أن للحمد لواء يوم القيامة حقيقة؛ يسمى "لواء الحمد"؛ وعليه كلام التوربشتي ؛ حيث قال: لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين أرفع وأعلى من مقام الحمد؛ ودونه ينتهي جميع المقامات؛ ولما كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أحمد الخلائق في الدارين؛ أعطي لواء الحمد؛ ويأوي إلى لوائه الأولون والآخرون؛ وأضاف اللواء إلى الحمد الذي هو الثناء على الله بما هو أهله؛ لأنه هو منصبه في الموقف؛ وهو المقام المحمود المختص به؛ (وأنا أكرم ولد آدم على ربي ) ؛ إخبار بما منحه من السؤدد والإكرام؛ وتحدث بمزيد الفضل والإنعام؛ من كرامته على ربه أن أقسم بحياته؛ وأشفق عليه فيما كان يتكلفه من العبادة؛ وطلب منه تقليلها؛ ولم يطلبه من غيره؛ بل حثهم على الزيادة؛ وأقسم له إنه من المرسلين؛ وإنه ليس بمجنون؛ وإنه على خلق عظيم؛ وإنه ما ودعه وما قلاه؛ وولد مختونا؛ على ما يأتي؛ لئلا يرى أحد عورته؛ واستأذن ملك الموت عليه في الدخول في قبض روحه؛ ولم يفعل ذلك لأحد غيره؛ وسبق أنه بعث بالبيان للتبيان؛ ولما كان ذا من الأصول الاعتيادية التي قام الإجماع على وجوب اعتقادها؛ بينه بهذا القول؛ وأردفه بقوله: (ولا فخر) ؛ دفعا لتوهم إرادته الافتخار به؛ وهو حال مؤكدة؛ أي: أقول ذلك غير مفتخر به فخر تكبر؛ قال القرطبي : إنما قال ذلك لأنه مما أمر بتبليغه؛ لما يترتب عليه من وجوب اعتقاد ذلك؛ وأنه حق في نفسه؛ وليرغب في الدخول في دينه؛ ويتمسك به من دخل فيه؛ ولتعظم محبته في قلوب متبعيه؛ فيكثر أعمالهم؛ ويطيب أحوالهم؛ فيحصل شرف الدنيا والآخرة؛ لأن شرف المتبوع متعد لشرف التابع؛ فإن قيل: هذا راجع للاعتقاد؛ فكيف يحصل القطع به من أخبار الآحاد؟ قلنا: من سمع شيئا من هذه الأمور من النبي - صلى الله عليه وسلم - مشافهة؛ حصل له العلم به؛ كالصحابة؛ ومن لم يشافهه؛ حصل له العلم به من طريق التواتر المعنوي؛ لكثرة أخبار الآحاد به؛ قال في الفتوحات: وفي رواية بالزاي؛ وهو التبجح بالباطل.

(ت؛ عن أنس ) ؛ وفيه الحسين بن يزيد الكوفي ؛ قال في الكاشف: قال أبو حاتم : لين.




الخدمات العلمية