الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3241 - "تجدون الناس معادن؛ فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام؛ إذا فقهوا ؛ وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية؛ قبل أن يقع فيه؛ وتجدون شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين؛ الذي يأتي هؤلاء بوجه؛ ويأتي هؤلاء بوجه"؛ (حم ق)؛ عن أبي هريرة .

التالي السابق


(تجدون الناس معادن) ؛ أي: أصولا مختلفة؛ ما بين نفيس وخسيس؛ كما أن المعدن كذلك؛ (فخيارهم في الجاهلية) ؛ هم؛ (خيارهم في الإسلام) ؛ قال الرافعي - رحمه الله -: وجه الشبه أن اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر؛ وأن رسوخ الاختلاف في النفوس؛ كرسوخ عروق المعادن فيها؛ وأن المعادن كما أن منها ما لا تتغير صفته؛ فكذا صفة الشرف؛ لا تتغير في ذاتها؛ بل من كان شريفا في الجاهلية؛ فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس؛ فإن أسلم استمر شرفه؛ فكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية؛ ثم لما أطلق الحكم؛ خصه بقوله: (إذا فقهوا) ؛ بضم القاف؛ على الأجود؛ ذكره أبو البقاء ؛ أي: صاروا فقهاء؛ ففيه إشارة إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم؛ وأن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالفقه؛ وأنه الفضيلة العظمى؛ والنعمة الكبرى؛ والمراد بالخيار في هذا ونحوه: من كان متصفا بمحاسن الأخلاق؛ كالكرم؛ والفقه؛ والحلم؛ وغيرها؛ متوقيا لمساوئها؛ كالبخل؛ والفجور؛ والظلم؛ وغيرها؛ (وتجدون خير الناس في [ ص: 230 ] هذا الشأن) ؛ أي: الخلافة؛ أو الإمارة؛ (أشدهم له كراهية) ؛ يعني: خيرهم دينا وعقلا يكره الدخول فيه؛ خوفا منه؛ لصعوبة لزوم العدل؛ وحمل الناس على دفع الظلم؛ (قبل أن) ؛ وفي رواية: "حتى"؛ (يقع فيه) ؛ فإذا وقع فيه؛ قام بحقه؛ ولا يكرهه ؛ أو معناه: من لم يكن راغبا فيه إذا حصل له بلا سؤال؛ تزول كراهته؛ لما يرى من عون الله له؛ فيأمن على دينه؛ أو معناه أن العادة جرت بذلك؛ وأن من حرص على شيء؛ ورغب في طلبه؛ قلما يحصل له؛ ومن أعرض عنه؛ وقلت رغبته فيه؛ حصل له غالبا؛ أو المراد بالشأن: الإسلام؛ أي: تجدون خير الناس أكثرهم كراهية للإسلام؛ كعمر؛ وعكرمة ؛ وأضرابهما ممن كان يكره الإسلام أشد كراهة؛ فلما دخله أخلص؛ وقال الطيبي : "من خير الناس"[كما في إحدى الروايات]؛ ثاني مفعولي "تجد"؛ والأول قوله: "أشدهم"؛ ولما قدم المفعول الثاني؛ أضمر في الأول الراجع إليه؛ كقولك: "على التمرة مثلها زبدا"؛ ويجوز أن يكون المفعول الأول "خير الناس"؛ على مذهب من يجوز زيادة "من"؛ في الإثبات؛ (وتجدون شر الناس) ؛ وفي رواية: بزيادة "من يوم القيامة"؛ (عند الله؛ ذا الوجهين ) ؛ وفسره بأنه (الذي) ؛ يشبه المنافق؛ (يأتي هؤلاء) ؛ القوم؛ (بوجه؛ ويأتي هؤلاء) ؛ القوم؛ (بوجه) ؛ فيكون عند ناس بكلام؛ وعند أعدائهم بضده؛ مذبذبين بين ذلك ؛ وذلك من السعي في الأرض بالفساد؛ أي: إذا لم يكن لإصلاح؛ ونحوه؛ وشمل من يظهر الخير والصلاح؛ وإذا خلا؛ خلا بالمعاصي القباح؛ قال القرطبي : إنما كان شر الناس لأن حاله حالة المنافق؛ إذ هو يتملق بالباطل وبالكذب؛ مدخل للفساد بين الناس؛ وقال النووي : هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها؛ فيظهر لها أنه منها؛ ويخلف لضدها؛ وصنيعه نفاق محض؛ وخداع بحت؛ وتحيل على الاطلاع على أسرار الفريقين؛ وهي مداهنة محرمة؛ أما بقصد الإصلاح فمحمود؛ وقوله: "ذا الوجهين"؛ ليس المراد به الحقيقة؛ بل هو مجاز عن الجهتين؛ كالمدحة؛ والمذمة؛ قال (تعالى): وإذا لقوا الذين آمنوا ؛ الآية.

(حم ق) ؛ في الأدب؛ والفضائل؛ (عن أبي هريرة ) - رضي الله عنه.




الخدمات العلمية