الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3765 - "حوضي مسيرة شهر؛ وزواياه سواء؛ وماؤه أبيض من اللبن ؛ وريحه أطيب من المسك؛ وكيزانه كنجوم السماء؛ من شرب منها؛ فلا يظمأ أبدا"؛ (ق)؛ عن ابن عمرو ؛ (صح) .

التالي السابق


( حوضي مسيرة) ؛ أي: مسيرة حوضي؛ (شهر) ؛ قال المصري: فالشهر عظمه في الكبر؛ (وزواياه سواء) ؛ أي: هو مربع؛ لا يزيد طوله ولا عرضه؛ (وماؤه أبيض) ؛ اسم تفضيل من الألوان؛ وكفاك به شاهدا لجواز بنائه لفعل التعجب منها بدون "أشد"؛ و"أبلغ"؛ وإن منعه النحاة؛ فيقال: "ما أبلغ زيدا"؛ و"هو أبيض من اللبن"؛ فهو لغة قليلة؛ ولا يلزم من قلتها عدم فصاحتها؛ لصدورها عن صدر الفصحاء؛ وفي رواية لمسلم : "وماؤه أبيض من الورق" ؛ (وريحه أطيب من) ؛ ريح؛ (المسك) ؛ خصه لأنه أطيب الطيب؛ ذكره القاضي ؛ وتلاه القرطبي ؛ جاء "أبيض"؛ هنا على الأصل المرفوض؛ والمستعمل الفصيح؛ كما في الرواية الأخرى: "أشد بياضا من الثلج" ؛ فلا معنى لقول من قال من النحاة: لا يجوز التلفظ بهذه الأصول المرفوضة؛ مع صحة هذه الروايات؛ وشهرة تلك الكلمات؛ (وكيزانه) ؛ التي يشرب بها منه؛ (كنجوم السماء) ؛ في الإشراق والكثرة؛ (من شرب منها) ؛ أي: الكيزان؛ (فلا يظمأ أبدا) ؛ وفي رواية: "لم يظمأ بعدها أبدا" ؛ فإن قيل: كل لذة لا تحقق بدون اشتهاء؛ وقد قال (تعالى): وفيها ما تشتهيه الأنفس ؛ وعدم الظمإ يمنع اشتهاء الشرب؛ وتجدد اللذة تجدد نعم؛ وأهل الجنة يتنعمون؛ فكيف تنقطع شهوة الشرب عنهم؛ قلنا: يحمل الظمأ على البالغ المؤلم؛ ولا ألم في دار النعيم؛ فبقي عطش الاشتهاء؛ قيل: والحوض بعد الصراط؛ قال الغزالي : وهو غلط؛ والصواب قبله؛ والناس يخرجون من قبورهم عطاشا؛ فناسب تقديمه؛ أهـ؛ وخالفه القرطبي ؛ فقال: الظاهر أنه بعد النجاة من النار وأهوال القيامة؛ لأن من وصل إلى موضع فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ ولا يمنع عنه؛ كيف يعاد إلى حساب أو يذوق تنكيلا؟!

(ق؛ عن ابن عمرو ) ؛ ابن العاص ؛ لكنه لم يذكر البخاري ؛ و"زواياه سواء"؛ ولا "أبيض من اللبن"؛ بل هو لمسلم ؛ وزاد في روايته؛ عن ابن عمرو - عقب ما ذكر - قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني على الحوض؛ حتى أنظر من يرد عليه منكم؛ وسيؤخذ أناس دوني؛ فأقول: يا رب؛ مني؛ ومن أمتي؛ فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؛ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم" .




الخدمات العلمية