الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1740 1741 ص: وقد روي في ذلك عن أصحاب النبي - عليه السلام - ما قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه (ح).

                                                وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا مالك ، عن محمد بن يوسف ، عن السائب بن يزيد ، قال: "أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبي بن كعب

                                                [ ص: 103 ] وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى يعتمد على العصا من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر".

                                                وهذا يدل على أنهم كانوا يوترون بثلاث; لأنه لا يجوز أن يكونوا كانوا يصلون شفعا واحدا ثم ينصرفون عليه حتى يصلوه بشفع آخر.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي في الإيتار بالثلاث عن الصحابة - رضي الله عنهم - آثار أخرج عن جماعة منهم في ذلك، منها:

                                                ما أخرجه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من طريقين صحيحين:

                                                أحدهما: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن محمد بن يوسف ابن بنت السائب بن يزيد ، عن السائب بن يزيد بن سعيد الكندي، له ولأبيه صحبة.

                                                وأخرجه مالك في "موطإه" .

                                                والآخر: عن أبي بكرة بكار ، عن روح بن عبادة بن العلاء البصري ، عن مالك ... إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" من حديث مالك .

                                                قوله: "يقرأ بالمئين" وهو جمع مائة، وأراد إما بالآيات المئين، أو سور طويلة التي تشتمل على أكثر من مائة آية.

                                                قوله: "في فروع الفجر" أراد به أعاليها، وفرع كل شيء أعلاه.

                                                قوله: "وهذا يدل ... " إلى آخره، بيان ذلك: أن هذه كانت صلاة التراويح في ليالي رمضان، وما كانت إلا شفعا شفعا، وكانوا إذا صلوا شفعا لا ينصرفون عنه حتى يصلوه بشفع آخر; فحينئذ يكون تطوعهم ثمان ركعات -ووترهم ثلاث ركعات- فالجملة إحدى عشرة ركعة.

                                                [ ص: 104 ] والدليل على ذلك:

                                                ما رواه مالك في "الموطأ" عن زيد بن رومان قال: "كان الناس يقومون في زمن عمر - رضي الله عنه - في رمضان بثلاث وعشرين ركعة".

                                                فهذه العشرون كانت تراويحهم شفعا شفعا، والثلاث كان وترهم، وبهذا استدل أصحابنا على أن التراويح عشرون بعشر تسليمات.

                                                فإن قيل: كيف التوفيق بين روايتي مالك هاتين؟

                                                قلت: يمكن الجمع بأنهم قاموا بإحدى عشرة، ثم قاموا بعشرين، ويوترون بثلاث.

                                                ومن الدليل على ذلك أيضا:

                                                ما رواه البيهقي في "سننه" بإسناده: عن شتير بن شكل; وكان من أصحاب علي - رضي الله عنه -: "أنه كان يؤمهم في رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث".

                                                ومما يستفاد من الأثر المذكور: استحباب تطويل القراءة في التراويح، والدليل عليه أيضا:

                                                ما رواه مالك في "الموطأ" ، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه قال: سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام; مخافة الفجر" أي مخافة طلوع الفجر، ولكن هذا كان في ذلك الزمان، وكانت لأهله رغبة في كثرة العبادات وإحياء الليالي، وفي زماننا هذا ظهر الكسل والفتور للناس في العبادات، فللإمام أن يقرأ في التراويح بحيث لا يثقل عليهم ولا يؤدي إلى تنفيرهم.

                                                وقال أصحابنا: روى الحسن ، عن أبي حنيفة: أن الإمام يقرأ في كل ركعة عشر آيات أو نحوها; لأن السنة في التراويح الختم مرة، وعدد ركعات التراويح في جميع

                                                [ ص: 105 ] الشهر ستمائة، وعدد آي القرآن ستة آلاف وشيء، فإذا قرأ عشر آيات في كل ركعة يحصل الختم فيها.

                                                وقال صاحب "الهداية": ولم يذكر قدر القراءة، وأكثر المشاع على أن السنة فيها الختم مرة; فلا يترك لكسل القوم.




                                                الخدمات العلمية