الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2326 ص: فإن قال قائل: فأنتم تخالفون ما رويتموه عن ابن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله عنهما - وتقولون: لا ينبغي لأحد أن يركع دون الصف، قيل له: نعم، ولكن احتججنا بذلك عليك لنعلم أن أصحاب النبي - عليه السلام - كلهم لا يبطلون صلاة من دخل في الصلاة قبل وصوله إلى الصف.

                                                فإن قال قائل: فما الذي ذهبتم إليه حتى خالفتم عبد الله وزيدا - رضي الله عنهما -؟

                                                قيل له: ما قد رويناه في هذا الباب من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لا يركع أحدكم دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف".

                                                وقد قال بذلك الحسن - رضي الله عنه -: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا القواريري، قال: حدثني يحيى بن سعيد ، عن أشعث ، عن الحسن: "أنه كره أن يركع دون الصف".

                                                [ ص: 216 ] وكل ما بينا في هذا الباب من هذا من إجازة صلاة من صلى خلف الصف هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال من جهة الخصم: إنكم قد رويتم أثري عبد الله وزيد بن ثابت المذكورين آنفا، ثم قد خالفتم حكمهما، فإنهما يدلان على جواز الركوع دون الصف من غير كراهة وأنتم قلتم: لا ينبغي لأحد أن يركع دون الصف.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: إنما نحن روينا أثري عبد الله وزيد لأجل الإعلام بأن الصحابة - رضي الله عنهم - كلهم لا يبطلون صلاة من دخل في الصلاة قبل وصوله إلى الصف فالمصلي خلف الصف وحده كذلك، فلا تبطل صلاته، وهذه هي صورة النزاع.

                                                ولكن ذهبنا فيما قلنا من كراهة الركوع دون الصف إلى ما روي عن أبي هريرة الذي مر ذكره في هذا الباب، وهو قوله - عليه السلام -: "إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه"، وهو مذهب الحسن البصري أيضا.

                                                أخرجه عنه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عبيد الله ابن عمر بن ميسرة القواريري البصري شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني ، عن الحسن البصري .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن معمر ، عن أبي العلاء قال: "سئل الحسن عن الرجل يركع قبل أن يصل إلى الصف، فقال: لا يركع".

                                                وإليه ذهب إبراهيم النخعي أيضا.

                                                [ ص: 217 ] فقال ابن أبي شيبة : ثنا جرير ، عن مغيرة قال: "قلت لإبراهيم: إذا دخلت المسجد والإمام راكع أأركع قبل أن أنتهي إلى الصف؟ قال: أنت لا تفعل ذلك".

                                                وهو مذهب أبي هريرة أيضا، وقد قدمنا أن ذلك روي عنه مرفوعا وموقوفا: فالمرفوع أخرجه الطحاوي ، والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة ، والله أعلم.

                                                [ ص: 218 ]



                                                الخدمات العلمية